الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 26th June,2006 العدد : 159

الأثنين 30 ,جمادى الاولى 1427

نوره بدد الظلام
إبراهيم الناصر الحميدان
سوف يُدرك القارئ أنني أتعرض هنا لأسلوب المثقف الذي غادر دنيانا، الزميل عبدالله نور والذي عاش بيننا لأكثر من ستين عاماً يتنقل خلالها من مجلسٍ إلى آخر ومن منتدى إلى آخر تمتلئ بالدهشة من طروحاته وما يحفظه من تراث غني بالمفردات.
ثلاثون عاماً هي أوقات مليئة بالفرح الثقافي الذي يفرزه مجلسه العامر بالرصد للماضي المعجون بالحداثة (الحدائث) من الإثراء اللغوي، كم اعتصرناه هذا الرمح الأنيق باستعادة ما يحفظه من جماليات النحو، وثراء اللغة في قصائد السلف التي يختارها لتحقق بعض الأغراض التي تقفز إلى ذهنه إنشاداً وحكاياتٍ يدخل فيها السطو مع الأسطورة، العبقري الأسمر - الذي لم يكن يتذكر أحياناً حتى موقع منزله الذي لا يطأه إلا لتبديل ثيابه - والذي زخرت جلساته بالغرائب من التصرفات، كان يجلس بين دزينة من محبي إنشاده في المجالس يتلو عليهم القصائد الزاخرة بمعاني الفلسفة والأسطورة وتمضي الساعات وينصرف المستمعون عند غبشة الصباح فيبقى هو مع نفرٍ قليلٍ حتى يشعر بالإعياء فيتكور في مجلسه لينال قسطاً من الراحة.
ترك الوظيفة منذ أكثر من ربع قرن وأصبح يعيش من هبات معجبيه الذين يلاحقونه كل ليلة في سمر لا ينقطع فلا يمل من تحقيق رغبتهم في الاستماع إلى ما يتلوه من أحاديثٍ في اللغة وسيرة السلف من كبار العباقرة في المشرق والمغرب ولعل تأثره بما كان يقوله كولن ولسون في الستينيات من حديث مما دعاه بالمنتمي دليل على متابعته ما يطلق في أقاصي الدنيا من شعارات ثقافية ولعل الزميل مشعل السديري يسجل لنا مناقشاته حول هذه النقطة بالذات حتى يحفظ لنا تاريخ تلك المناقشات من خلال ما شجر بينهما حول قضية (المنتمي) وحين كنا ندعوه بالصعلوك فلأنه كان يتحفنا بحكايات الصعاليك أمثال السليك والشنفرى الذي كان يحفظ كل قصائده ويسردها باستمرار عن ظهر قلب إلى جانب عروة بن الورد وطرفة بن العبد من الشعراء الصعاليك المشهورين. وعبدالله حين يتحدث عن أوضاع الثقافة في العصور الماضية فهو يستند إلى مخزون كبير في المنبع التراثي الذي يستمد منه تلك الأحداث بوعي فلسفي حتى يصل إلى الحداثة في أطوارها الأولى في الغرب، وهكذا فهو يجمع ما بين التراث والحداثة في أصولهما العميقة اعتماداً على قراءاته المتواصلة والربط بينهما.
لقد فقدنا علماً بارزاً لم نحسن الاستفادة منه في حياته - ولا سيما الجامعات- لولا أننا وجدنا له بعض البصمات التي كتبها في أطروحاته التي مازالت في قبضة محبيه من أبنائه وتلاميذه، نطالب الجهات الرسمية وعلى رأسها وزارة الثقافة بأن تنشط في تجميع تراثه النقدي عن أي مصدرٍ كان فتدفع لهم ما يستحقونه حتى تثري ما يُوجد لديهم والذي نحتاجه وكذلك الأجيال الصاعدة كما نطالب البلدية بتسمية شوارع رئيسة باسمه تخليداً لذكراه العبقة.
لقد تحدث أصدقاء وزملاء الفقيد في الجلسة التأبينية التي أقامها نادي الرياض الأدبي مشكوراً تحث على ذكراه وعلاقته بالآخرين وهي تشكل مخزوناً أدبياً وحصيلةً فكريةً تُضاف إلى الذكريات من خلال ما يحدث في تلك العلاقة من منافع أرجو أن يقدموها إلى أبنائه حتى تضم إلى سجله الخالد في ذاكرة الوطن الذي احتضن هذه الطاقة العبقرية فيها عندما كان يعيش بين ظهرانينا كواحدٍ من المبدعين الذين تاهوا في عبقرية الجنون فأثروا دنيانا بروائع عطائهم، والبقاء والخلود لفقيدنا العظيم عبدالله نور الذي أشعل النور في أي مكانٍ حل به.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved