الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th July,2004 العدد : 69

الأثنين 9 ,جمادى الثانية 1425

شجن السؤال
من قلق المصطلح إلى جوهر الأبداع

* عبد الله بن عبد العزيز الأصيل
في المسألة الإبداعية يظل (الفني) بعيداً كل البعد عن مشاحة الاصطلاح، نائيا بكل ما في دمائه من خيل صاهلة بالجميل عن أسر المصطلح وقيد التصنيف.
في البدء كانت الصرخة الأولى للإنسان العربي نشيدا صحراويا ودمعة حرّى سالت على وجنتيه صوتا شعريا حاراً، استقرت داخل ذاكرته الأولى مشكلة وعيه، ومستودع معارفه في وقت لم يكن للعرب علمٌ غير الشعر.. وظل الشعر نشيد العربي في صحرائه ومرجعه المعرفي حقبة من الزمن.. حتى نزل القرآن الكريم محدثا انعطافة كبرى في حياة العربي وفي رؤيته للكون وللحياة، معيداً صياغة وجدان العربي المسلم صياغة مختلفة، ومهذبا مضمون خطابه الشعري بما يتلاءم وإيقاع مرحلته الجديدة.. ولكن ظل الشعر محتفظا بقسماته التي تميز ملامحه عن بقية الخطابات الأدبية الأخرى.. وصار المعني بالإبداع الشعري تذوقا، ودراسة، ونقدا آنذاك يفصل جيداً بين الشعر وجوهر الإبداع في كشوفاته وتجلياته وبين النظم البارد الخارج عن دائرة الإبداع حتى وان كان يحمل عنصر الإيقاع الموسيقي!!
وفي مدونة تراثنا الأدبي كتابات حفظت على انها إرث نثري، كتجليات محمد بن عبدالجبار النِّفري.. وهي في الحقيقة إرث باذخ تماهى فيه الشعري بالفكري مشكلا فتحا في نمط الكتابة اختلافا وتخطيا. وفي المنعطف النقدي تجلت إشكالية تداخل الأجناس الأدبية بعضها في بعض مهيئة أرضية متماسكة للحوار مع من يرفضون بعض التجليات الإبداعية من أجل الخلاف حول (المصطلح) ومع من يرفضون (المصلطح)! وكأن المصلح هو الذي يؤسس لجوهر الإبداع ويحدد ملامحه!
وبهذا الصدد كان لي استطلاع لرأي أكثر من مبدع عربي ظهرت نتيجته أنهم يحتفون بعض إبداعات كتاب (قصيدة النثر) ويرحبون بها ولكنهم يرفضون التسمية (المصطلح)!!
وفي رأيي أن (التجريب) في النص الشعري ضرورة إبداعية لن تؤدي نبضنا الشعري الى طرق مسدودة ما دام الشعراء (المجربون) حقيقيين، ينهلون من ارثنا الشعري واللغوي دون انقطاع عنه، جاعلين من تلك (النماذج) العليا حاديا يحدوهم دائما باتجاه الجميل المتخطي ناحيا بهم عن الوقوع في فخ تكرار الصياغات المشوهة للنصوص المتألقة في تراثنا.
وتاريخيا أكدت (الشعرية العربية) تجددها! أليس الشعر عند العرب طائر الفينيق الذي لا يهرم؟! كما تقول الأسطورة عن هذا الطائر الخرافي! نعم إنّ نهر الشعر العربي متجدد دائما.. فمنذ النص الأول حتى (قصيدة النثر) مرَّ نصنا الشعري بتحولات.. لعل أكثرها هزة لوجدان متلقيه ظهور شعر التفعيلة ببهاء باذخ على يد أولئك الرواد في (التجريب) الشعري في الأربعينيات من القرن الماضي وقد صار التساؤل حول مشروعية هذا اللون الشعري أمرا مضحكاً حتى عند رافضيه بالأمس!! إذ أثبت المبدعون في شعر التفعيلة حضورهم وتجاوزهم في كتابتها.. وأظن أن إطلاق الأحكام الجوفاء على (قصيدة النثر) أمر ينبغي ان يرجأ، أو يغلق بابه، فالزمن كفيل بتحديد مشروعيتها بوصفها شكلا شعريا دون الولوج في مهاترات لفظية لا طائل تحتها.. كما أعتقد ان إشكالية أزمة النص الشعري لا تنطوي على سؤال مصطلح، وإنما تتمحور في جوهر الإبداع، هل ثمة إبداع في (الكتابة) أم لا ؟!
من هنا كيف يتسنى للشعر ابان هذه المرحلة المتشظية أن يحاول اكتشاف الأشياء في عذريتها الصافية، وفي بكارتها الأولى؟ سؤال يفضي بالمتأمل للمشهد الشعري الى خيارين لا ثالث لهما، إما أن يسكب الماء البارد على جمرة الشعر فتنطفئ جذوته الى الابد أو يسعى جهده الى النفخ في رماد الراهن الشعري بحثا عن جمرة الشعر لكي تمارس اشتعالها الفنية عبر اشتغالات شعرائها على الأجدى في دلالات الشعر وانساقه.
الشاعر لم يعد له ان يمارس دور الواعظ أو العارف أو الرائي.. أو حتى كل الحالات التي تلبسته عبر تمرحلات حضور صوته منذ العصر الجاهلي حتى هذه اللحظة غير الأنيسة الهاربة من أصابع الشعر والشاعر معا، لكي تتمرغ في ضجيج الحياة وايقاعاتها الموحشة الموغلة في قيم الاستهلاك والمجانية!
الآن صار على الشاعر عبء البحث عن (الحقيقي) في الحياة، عن (الجوهري) الذي لن تطمر جوهر نقائه وعذريته كل التراكمات، ولن يزيف نصاعته توالي الفضول القولي واجتراراته.
الشاعر مسؤول كل المسؤولية عن (نصه المعاصر) المخفور بالدهشة واستطالات دلالاتها.. هذا النص الذي لم يعد نصا يلغو ويهذي في الجاهز والمباشر.. وليس ذلك النص الذي لا يروم الى تدريب الحواس.. ويحتفي بما هو ايقاعي مجلجل بلا رصيد وبما هو مضموني بالاساس!!
إنه (نص) نفض عن لغته هزال الجفاف اللغوي والمضموني الذي مارسه في حقب متوالية من التصحر الابداعي حيث الركض الاعرج اللاهث لممارسة دور الظل المجاني للاحداث التي تطفو على سطحه دون معاشرة لاعماقها!
هذا النص الشعري الجديد الذي نروم أن (يكون) نصا مسكونا بأسئلته غير المجانية أسئلته الهاطلة بمصلها الحارق ، أسئلته النلفضة لغبار السكونية والثبات، النائية عن حواف الحدث الى صميم الأشياء، انه يستبطن ويعيد تشكيل الأشياء، يمنحها بعداً إنسانيا أشمل لا بوصفه نسقا يجادل المرحلة، ولكن لانسانية (جوهره) الأكثر اتساعا برؤيته من ضيق العبارة الجاهزة، هو (نص) يتشظى ويتماهى في الوقت ذاته مع نبضات التاريخ.. بانتصاراته وانكساراته، ونداءات الهوامش والنوافل والتفصيلات الصغيرة، ويوغل في استثمار القيم النبيلة في الرمز والاسطورة عبر مخيلة لا تناهض المركوز في وجداننا من عقيدة صافية، ومن خلال لغة تمارس الصهيل بأبجدية ترصف الجديد وتبني الاجد بهدم الدلالة السالفة المكررة، أبجدية تبني انساقها المتجددة في ابتعادها ما أمكن عن وظيفة التوصيل الخبرية الى بناء علاقات تحتفي بالفن وبالانسان وبالحياة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved