الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th December,2005 العدد : 135

الأثنين 24 ,ذو القعدة 1426

لا وقت للزينة..!!
حسين أبو السباع
ألقت بجسدها المرهق كعادتها كل مساء فوق سريرها الذي لا يسع أكثر من شخص واحد، مكانها اليومي لبضع ساعات تقاوم بها تعب يوم كامل، تحلم.. لم تكن تحلم.. لم تكن تشعر سوى أن ساعات الليل قصيرة جدا ولا تكفي لراحتها.. تقف كل يوم أمام المرأة، لا لتتزين، بل لتزين أخريات جئن يحملن أحلام العودة إلى الوراء بضع سنوات ببعض المساحيق الكاذبة على الوجوه، ومحاولة التجميل المستعارة التي سرعان ما تزول لتعود النساء مرة أخرى يجلسن بين يديها للزينة.
ملابسها الرثة التي ترتديها هي نفسها ملابس كل يوم، صارت جزءاً من جسدها النحيل، ووجهها المرتسم عليه ابتسامة مستعارة كمساحيقها، كل يوم على رغم ما تشعر به من آلام في ساقيها من طول زمن الوقوف على ساقين كمسمارين ينبشان في الأرض جيئة وذهاباً كأرجل الدجاج ومناقيره الباحثة عن الحب في الأرض، هي تتحرك يميناً ويساراً بحثاً في وجه المرأة (الزبونة) عن أي رتوش إضافية تضيفها إليها طمعاً في هبة تعطيها المتزينة في حال الرضا.
كلامها كثير جداً، تروي أشياء بعيدة، وعديدة لتسلي زبائنها، هرباً من الملل، وتقص عليهن كيف جاءتها امرأة غير جميلة، وبعد لحظات خرجت من تحت يديها ملكة جمال، وكيف أنها تكافح من أجل العيش، وغالباً ما ترد عليها إحداهن، قائلة: (خذي بالك انت تركتي هذا الجزء، مري عليه مرة أخرى، وأخرى، وأخرى.....)، هي لا تنفك عن الحديث، حتى عرفت كل الأشياء عن نسائها المتعاقبات على الكرسي ذاته المثبت أمام مرآة دائرية، ومعلق بها صور لبعض بطلات السينما والغناء الشهيرات، لتحلم كل من تجلس على الكرسي أنها بعد الفراغ من الزينة ستصير واحدة منهن.
اليوم قررتْ أن تتمرد على هذا الروتين المضني، فهي كل يوم تقوم بأعمالها المعتادة، تغسل وجهها بالأسلوب نفسه، وإذا ذابت صابونتها، اشترت أخرى من ذات النوع، وتنشفت وارتدت ملابسها، كل شيء متشابه، لا تغيير، اليوم جاء وقت التغيير، اليوم قالت في نفسها: سأتزين أنا مثل الأخريات، في آخر الليل، سآخذ بعضا من مساحيقي، وأضعها على وجهي بعناية أكثر من أي زبونة زينتها، سأكون أكثر جمالاً، وسأزيل هذه الهالات السوداء المرسومة تحت عيني. سأجعل وجهي بدراً مضيئا. سأفعل كل شيء يجعلني أجمل من كل النساء اللاتي جلست تحت يدي وزينتهن.
انتهى اليوم المثقل بالتعب، والروتين، ذهبت مسرعة إلى حجرتها الصغيرة التي سرعان ما كانت تدخل من بابها حتى تلقي بجسدها المتهالك فوق سريرها الموضوع منتصف الغرفة، لكنها اليوم قررت أن تتماسك حتى تستحم، وتزيل عرق يوم طويل جداً، وتتزين.. كما وعدت نفسها. دخلت، جهزت ملابسها النظيفة، رتبتها، أعدت الماء الساخن، الصابون من نوع جديد هذا اليوم، نوع مليء بالعطر، الحمام عطرته، وألقت فوق جسدها الماء الدافئ، لتزيل كل آثار اليوم المرهق، استرخت تماما، ارتدت ملابسها النظيفة، خرجت مسرعة إلى مكان الزينة، ارتطمت يدها بالساعة المنبهة، رأت عقاربها قد تجاوزت كثيرا الوقت المسموح للسهر، حتى تنام استعدادا ليوم مشابه ليومها وأمسها، بسرعة شديدة، قررت أن تؤجل حلمها بالزينة ليوم آخر، وقالت في نفسها: اليوم لا وقت للزينة..!!


aboelseba@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved