Culture Magazine Monday  27/08/2007 G Issue 213
فضاءات
الأثنين 14 ,شعبان 1428   العدد  213
 
رفيف
بدد لا يخصك وحدك
د. فاطمة عبد الله الوهيبي

 

 

2-2

في تقاذف الحب بين السر وفيض السرد تيه لا يطاق؛ فثمة سرد في سر الكائن يظل يطنّ في روحه، ويفيض به ومنه وفيه على ذات تتلصص على الكون من خلال ما تدركه من لغة تطفو بها على وجه ذاتها، لتتعرف من خلالها على وجه آخر يلوح لكن منشغل بالتلصص على ذاته وهي تُخطف نحو نص تتقرى ملامحه وتقرأ فيه ذاتها وآخرها معًا.

في الحب تضاعف وحشي يقضي على وهم التماهي والتوحد. فمن أقسى الأمور في الحب أن يجبرك على تعلم هذا الدرس، وستمضي صعوبات قاتلة قبل أن تتفهم هذا الدرس وتعيه، ثم ستمر بصعوبات أخرى مثلها قبل أن تتقبل فداحة مثل هذا الدرس واقعيًا، لأن التمزق والانشطار هو تحديدًا ما يدفعك نحو الحب، نحو وهمه لتجد الذات موئل اكتمالها، وتختبر كمالها، لكنها تفاجأ بأن ما سعت إليه كملاذ يتكشف عن بدد لا يسعه حد ولا تحيط به طاقة أو احتمال!!

العاشق إذا عابر في تيهه وفي بدد لا يخصه وحده، يوغل في حقيقة كالكذب وكذب كالحقيقة، عالم كله متناقضات وعجائب تدعم بعضها وتكمّله وتجمّل فضاءه وترتهنه في إغواءات زيفه الكامل وكماله المزيف. إن ما ينتهك الإحساس تحرسه الذاكرة، ولذلك فالعاشق مغلول إلى ذاكرته في الوقت الذي يظن فيه أنه مغلول إلى إحساسه الحاضر، إنه دائماً في حالة إنكار، لا يستطيع أن ينسى لأنه لا يفعل سوى الإبحار في عمق إحساس مرتهن ومنتهك، ولذلك لا يعيش الحاضر إلا بسيطرة الذاكرة التي تحرس حزنه لتتأكد من أنه لم يفلت منه صوب النسيان.

العاشق مسحول على خوازيق اليقظة الجارحة والوعي المرهف المشحوذ على حافة الهاوية التي تذكره دائماً بأن الموت خيار ممكن لطيف وكريم ويُرممّ فعلاً كذبة الحياة بصدقه الذي لا يضاهى.

كل حب سرد لقصة الموت. فوقائع الحب، إذ تمر بمآزق وظروف معقدة وغير طبيعية، تصبح كارثية مأساوية، ومن هنا قد يأخذ السرد منعطف الخرافة والأسطرة. ففي الحب نملك سردنا الخاص، تفردنا المأساوي ونصنع أسطورتنا. ندخل في الأسطرة حينما تستحيل بهجة السرد ونعيم السر، حينما ينحشر الكائن بين السر والسرد، وبين الراء والدال ويصبح مخنوقًا في الراء والدال (رد). فبماذا يرد الكائن على سر امتناعه وتحققه في الكينونة؟! بماذا يرد على عجزه عن التحقق فيما يحب وفيمن يحب؟ أينزاح هنا عن الواقع أم عن الحلم؟ أيوغل في الحقيقة أم يسافر في أسطورة أوغلت في حقيقتها حتى فقدت عقلها؟!

حين يوغل في التيه بين السر والسرد يتقوض الكائن بين سر فرح لا يتحقق وبين سرد يعيشه لحظة لحظة بدلاً من أن يقصه ويقصيه كحلم منفي خارج الإمكان. ترى من أين للبشرية مهاوٍ سحيقة تُراكم فيها أحلامها المنفية المقصاة قهرًا أو اختيارًا؟

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244

Rafef_fa@maktoob.comالرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة