Culture Magazine Monday  27/08/2007 G Issue 213
فضاءات
الأثنين 14 ,شعبان 1428   العدد  213
 

المصباح السحريّ
د.شهلا العجيلي

 

 

قال لي أحد رجال الأعمال اللامعين مرّةً: أترين هذا الجدار؟ إنّني أستطيع خرقه بإصبعي هذا لو أردتُ!

فهمت بالطبع مغزى كلام هذا الرجل الناجح، ولكن لم ألتقط سرَّ هذه الصناعة إلاّ مع مرور الأيّام، وتوالي التجارب، والخبرات، وفي ضوء تلمّس هذا السرِّ، أعدتُ قراءة الكثير من الحدوثات التاريخيّة- الثقافيّة، ومن ذلك تفسيري للعبارة الثقافيّة التي يعرفها الجميع:

(شبّيك لبيك عبدك بين ايديك).

لقد أدركتُ أنّ الرجل امتلك مصباحه السحريّ، كما أدركت أنَّ لكلٍّ منَّا مصباحه السحريُّ، وهذا المصباح السحريُّ كامن بالقوة في كل منَّا، وموجود بالفعل لدى بعضنا فقط.

يمكن للمرء، انطلاقاً من هذا التفسير، إعادة صياغة علاقته بالمرجعيَّة، إذ ليس علينا التحرُّر من المرجعيَّات، بل علينا أن نتحرَّر من رؤيتنا الجامدة لها، وأن نغيِّر الزاوية التي ننطلق منها في قراءتها، عندئذ سنجد المرجعيَّات أكثر انفتاحاً وليبراليَّة من الحدود التي نتعامل بها معها.

لقد جاءت الأديان كلُّها، والفلسفات كلُّها، ورسالات الرسل، وحكمة الحكماء من أجل تعليمنا السعادة، لذا علينا التعامل مع المرجعيَّات وسيلة لسعادتنا، لا أوامر نطبِّقها مكرهين. ومن هنا سيأتي الفرق مثلاً بين عبادة العبد، وعبادة التاجر، وعبادة العارف.

إنَّ ما يذكي جذوة مصباحنا السحريَّ هو طاقتنا الداخليَّة، ويتفق على ذلك علماء الفيزياء، وعلماء النفس، والمتفقِّهون في الدين، والفلاسفة، والكتَّاب الأصيلون، والشعراء الذين التقطوا سرَّ الوجود، وأهل الطب البديل، كلٌّ بحسب أدواته. وهم جميعاً يقولون بقانون الجاذبيَّة الذي يحرِّك الكون، وبأنَّ الطاقة الإيجابيَّة أقوى مئات المرات من الطاقة السلبيَّة، وأنَّ علينا أن نجعل طاقتنا الداخليَّة أقوى من طاقة العالم.

يتفق هؤلاء على أنَّك إذا وضعت هدفاً، وآمنت به، وقررت تحقيقه، ونظرت إليه بإيجابيَّة فسيتحقَّق، وستتواطؤ الظروف كلُّها لتحقيقه. ولو فكَّر كلٌّ منَّا في إنجازه الذي أخلص له، سيجد أنَّ هذا ما حصل معه بالضبط!

التذمُّر يعوِّق الإنجاز، في حين علينا دعم الشعور السعيد، والنظر إلى الهدف بإيجابيَّة، ذلك الهدف الذي لن يتحقق في اليوم التالي، لكنَّه سيتحقَّق، لأنَّ مع العسر يسراً باستمرار، لكنَّ المرء ينشغل بالعسر عن اليسر، فلا يراه.

يمكن انطلاقاً من هذه الرؤية الإيجابيَّة قراءة عبارات ثقافيَّة، مقدَّسة أو عرفيَّة عديدة منها: تفاءلوا بالخير تجدوه، وكلٌّ ميسِّر لما خُلق له، كما يمكن البحث في نظريَّة الوعي والإرادة في الفكر الإسلاميِّ انطلاقاً من هذه الرؤية ذاتها.

وتبدو المسألة أكثر قرباً وواقعيَّة إذا ما استعرضنا أقوال المبدعين والشعراء التي تنمُّ على أنَّ (جميع ما نحن عليه هو ما تخيَّلناه)، ويقول فورد: (سواء أفكَّرت أنَّك تستطيع أم لا تستطيع فإنك مصيب في كلتا الحالتين)، فالذي يعتقد أنَّه يستطيع، ممتلكاً الإيمان بطاقته، سيستطيع، والذي لا يؤمن بقدراته لن يستطيع.

ولعلَّ المتنبِّي قد امتلك مبكِّراً هذه الرؤية، ففسَّر كنه الذين يؤمنون بقدراتهم ويطلقونها، وقدَّرهم حقَّ تقدير، قائلاً:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتعظم في عين الصغيرِ صغارُها وتصغر في عين العظيم العظائمُ

بتفعيل مصباحه السحريّ، ينطلق (سانتياغو) بطل رواية (الخيميائي) للبرازيليّ (باولو كويلو) في رحلة العثور على كنزه. وبالعثور على سرِّ المصباح تقول (أيوبة) بطلة روايتي (عين الهر): (حينما أريد الكلام فإنَّ العالم كلَّه يتضافر ليجعل منِّي محدِّثة بارعة)!

إنَّ أصحاب الأفكار العظيمة هم الذين استطاعوا تحقيقها، لقد ركَّزوا عليها، ولم يسمحوا للأفكار المضادَّة أن تثنيهم، لأنَّهم أبعدوها عن مدى رؤيتهم، فما تقاومه يستمرُّ غالباً!

لم يفكِّر الأبطال الذين قادوا الثورات، وحرَّروا بلادهم، في إمكانيَّة بقاء الاستعمار، بل فكَّروا في جلائه، فكَّروا في مدى جمال بلادهم وهي حرَّة، فكَّروا في فرح الأطفال، وفي العيش الكريم للنساء، لقد فكَّروا في الحريَّة، لذا فإنَّ آليَّة عمل المصباح السحريِّ تنطلق من التركيز على ما تريده لا على ما لا تريده.

حتَّى العمل الإنسانيِّ يقوم على هذه الفكرة: فإذا كنت تحارب الجوع، ففكِّر بطعام يكفي الناس جميعاً، من غير أن تستدعي المجاعة إلى ذهنك.

بذلك يتمّ تفعيل المصباح السحريّ الكامن، الذي يوصلنا إلى الرضا، وإلى المصالحة مع الذات، ويستطيع كلٌّ منَّا استحضار مصباحه ومارد مصباحه أيضاً، نحن قادرون على ذلك حقَّاً، ومن لا يفعل، لن ينجو من لسان أبي الطيِّب، الذي امتلك، لا بدَّ، مثل هذه الرؤية، فقال:

ولم أرَ في عيوبِ الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ .

حلب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة