Culture Magazine Monday  27/08/2007 G Issue 213
فضاءات
الأثنين 14 ,شعبان 1428   العدد  213
 
قصاصات من ذاكرة حصة«5»
(الوظيفة)
أميرة القحطاني*

 

 

ستقول صديقتي حصة:

كان يلملم بعض الأوراق عندما دخلت إلى مكتبة وقبل أن ألقي بالتحية سألني: لماذا لم تذهبي إلى إدارتك؟

- كنت أود التحدث معك في موضوع........

- اذهبي أولا إلى إدارتك كما فعل زملاؤك ثم وبعد ذلك اتصلي بي وتحدثي كما تشائين.

اتجهت إلى المصعد وأنا في حالة نادرة من الغضب لم أشعر بها من قبل، توقف المصعد وأثناء دخولي إليه كانت هناك موظفة تهم بالخروج منه أصطدم كتفي بكتفها نظرت إليها بازدراء وبلهجة حادة قلت لها: هل أنتِ عمياء؟!. لم تتفوه المسكينة بكلمة بل ظلت تنظر إليّ بدهشة حتى تلاشى وجهي الغاضب بين دفتي ذلك المصعد.

دخلت إلى إدارتي توجهت إلى مكتب سهام حاولت جاهده أن ابتسم لكنني لم أستطع:

- أهلا حصة خير إن شاء الله هل أنت متعبة أم متضايقة؟

- مصدعة. وطلبت منها إبلاغ المدير برغبتي في الاستئذان. عادت إلي بسرعة وقالت: المدير يريد مقابلتك. دخلت إلى مكتبة ولم يكن مزاجي طيبا للأخذ والعطاء: مساء الخير. أجابني بحماس: أهلا أهلا حصة قالت لي السكرتيرة إنك تودين الاستئذان وأنا بصراحة لا يعجبني الموظف الذي يستأذن.. الاستئذان فقط للحالات الطارئة و.....

- أشعر بإرهاق

- يجب أن تتحملي فالوظيفة بحاجة إلى جهد مضاعف وقد جهزت مهامك وأرغب مناقشتك فيها الآن إذا كان لديك استعداد. وقبل أن أجيب قال: أنا عينتك رئيسة لقسم شؤون الموظفين بالإدارة و.....

والحقيقة يا إخوان لم أنتبه لبقية حديثه كان قلبي يخفق بشدة وكدت أن أقع على وجهي من الفرحة نسيت الصداع وتلاشى غضبي على أحمد. انفرجت أساريري وارتسمت على شفتي ابتسامة اختلط فيها الغرور بالفرح.

- شكرا يا بو محمد هذه ثقة غالية وأتمنى فعلا أكون عند حسن ظنك.

عليك أن تكوني عند حسن ظني.. المدرب أحمد شكر فيك كثيرا وكتب لي عنك تقريرا مشرفا وهناك أمور بخصوص القسم علينا أن نتحدث بها وبما أنك مرهقة اليوم وتودين الاستئذان سوف نؤجلها للغد.

أجبته باندفاع: لالالا ما فيه إرهاق خلاص. وكنت أضحك مما جعله يضحك هو الآخر وكانت هذي هي المرة الأولى التي أرى فيها أسنان مديري وللحق فقد كانت أسنانه قبيحة للغاية.

تحدثنا طويلا عن قسمي المستحدث وعن الطريقة التي يجب أن أتعامل بها مع الموظفين وعن الأساليب الحديثة في العمل. ووضع لي أهدافا كان عليّ تحقيقها في فترة زمنية محددة وحذرني للمرة المليون من إفشاء أسرار العمل خصوصا مع الزملاء، وقد لمست من خلال حديثه معي أنه مركزي جدا وبناء على هذا كان عليّ ألا أخطو خطوة واحدة دون أن استأذن منه - سياسة لكسب رضاه -. كنت سعيدة بهذه المعاملة أشعرني هذا الرجل بأهميتي ومنحني من الثقة ما لم يمنحها لأي موظف من قبل وقد كان معروفا بتسلطه وخشونته في التعامل مع الموظفين بشكل عام إلا المقربين منه وهما اثنان تتراوح أعمارهما بين الأربعين والخمسين يعملان لديه مديرين لكنهما لا يهشان ولا ينشان شخصيتهما ضعيفة جدا لا تسمع منهما إلا كلمة (حاضر) وهذه هي الشخصيات التي يبحث عنها مديري وكان يحركها كما تحرك الدمى. وقد كنت أنا نقيض هذين الرجلين بل أنا الإنسانة الوحيدة في إدارة يبلغ عدد موظفيها 1500 موظف - لها شخصية قوية وقيادية - ومع ذلك أصبحت مقربة من المدير وهذا أمر غريب - اتفق معكم على ذلك - فكل من له شخصية قوية هنا أو يكون مجادلا يكون منبوذا ومحروما من جميع الامتيازات التي يحظى بها الموظف المطيع لذا تجد معظم موظفي هذه الإدارة مطيعين. هذه الدكتاتورية في التعامل عرفتها عن مديري أثناء فترة التدريب فمعظم الذين التقيتهم ويعرفون بعملي لديه يصدمونني بنفس الجملة (الله يعينك عليه) مما خلق لدي إرباكا وهذا ما كنت أود التحدث فيه مع المدرب أحمد لكنه لم يمنحني فرصة كما رأيتم.

والحقيقة إن كلام الناس كثير ونقلهم لصورة الآخر غالبا ما تكون قاتمة ويشوبها الحسد خصوصا عندما يدور الحديث عن الناجحين (أمثال مديري) !! فقد كان أكثر من ناجح وكان مثابرا وذكيا وقياديا فذا - هكذا كنت أراه - وقد حملت له ولاء لم يحمله موظف في دائرة أو مؤسسة حكومية من قبل. عرف عني هذا الأمر تماما وانتشر بين موظفي الدائرة كلها كما عرف عنه محاباته لي ووقوفه إلى جانبي مظلومة كنت أو ظالمة. وكنت بين زملائي كالتلميذ المتفوق في دراسته مكروه من زملائه محبوب من أساتذته. معظم المديرين أحبوني وأحبوا التعامل معي وكانوا يعاملونني وكأنني (مديرة) مثلهم إلا المديرون الفاسدون فهؤلاء كانت لي معهم قصص طويلة ستعرفونها لاحقاً. اتصلت بالمدرب أحمد وكان صوتي يتراقص فرحاً أراد الاعتذار وتوضيح سبب تصرفه السابق معي لكنني قاطعته: ليس مهما المهم أنني أصبحت رئيسة قسم!!

- مبروووووك يا حصة

- الله يبارك فيك.. وأود أن أشكرك على التقرير الذي وصل إلى مديري

- لا شكر على واجب لو لم تكوني تستحقين هذا التقرير لما كتبته.. أنا لا أجامل في هذه الأمور.. لكنني أوصيك بالانتباه فالحسّاد كثر وأنتِ جديدة وحظيت بما لم يحظ به موظف من قبل.

- لا توصِ حريص

كما توقع أحمد لم يمض يوم واحد على تعييني رئيسة قسم إلا وقامت قيامة الموظفين والموظفات بدأ القيل والقال والهمس واللمز والإشاعات بأشكالها وألوانها وطبعا لم يكن أحد يتجرأ على مواجهة مديري بالأمر كان سينسفهم بطريقته وهي طريقة ذكية فهو لا يتعامل مع الموظف الغاضب أو المحتج بطريقة عصبية بل يتعامل معه بلطف وهدوء وابتسامة ناعمة ثم وبعد أيام أو أسابيع يتم التخلص منه بطريقة رسمية محبوكة بتحويله إلى لجنة تأديب تؤدي به إلى الفصل أو النقل وهذا الأمر معروف عن مديري لذا يتجنب الموظف الدخول معه في إشكاليات مباشرة ويكتفي مع زملائه بالتهامس بعيدا عنه باستثناء بعض الموظفات اللواتي حاولن جاهدات وبعدة طرق إدخالي في تصادم معهن لجري إلى لجنة تأديب ولكن على من؟ أدام الله مديري وأبقاه!!.

.......................................... يتبع

amerahj@yahoo.com - دبي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة