Culture Magazine Monday  27/08/2007 G Issue 213
تشكيل
الأثنين 14 ,شعبان 1428   العدد  213
 
لماذا خذلت النخبة حلمها القديم؟

 

 

الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، الحلم الذي طال انتظاره من قبل المعنيين بهذا الفن الجميل، ولا سيما من تلك الفئة التي يعتبرها البعض النخبة أو المخضرمين، إذا ما جاز التعبير، وهم الذين انصهروا في بوتقته منذ أربعة عقود على وجه التقريب، وعاصروا وخاضوا بداياته، وعاشوا كل معاناته وهمومه، وعشقوا روحانياته وجمالياته، وبذلوا جهوداً وتضحيات، إن كان من وقتهم الثمين، أو أمور مادية ومعنوية، وتنافسوا وتباروا على نيل جوائزه، وحلقوا وطافوا بفنونهم تلك إلى مشارق الأرض ومغاربها. هذه الفئة التي تحملت على عاتقها مبكراً أعباء تكوين بدايات الفن التشكيلي السعودي، وساهمت في تحويله إلى فن تشكيلي حقيقي ممارس؛ لينافس بكل جدارة في المحافل الإقليمية والعربية والدولية. ومع أن تلك الفئة تمثل دوراً ريادياً وقيادياً لحضورها إلا أن الجميع تفاجأ بأمر خلو قائمة المرشحين لعضوية مجلس الإدارة من أسمائهم التي تشكل ما يسمى بالنخبة؛ فقد أحدث عدم ترشيحهم لأنفسهم صدمة لكل المتابعين والمتصفحين لدليل الجمعية؛ فهذه الفئة التي سبق أن أشرت إلى دورها، طالما نادت وبح صوتها لتأسيس جمعية تجمع شملهم، إذا بها ولدى القيام بأولى خطوات التأسيس، تدق الإسفين في قيادة هذا المركب الجديد بتراجعها عن ترشيح نفسها لتولي مهام أول مجلس إداري، في الوقت الذي هو أحوج ما يكون إلى أصحاب الفكر والتنوير والخبرات؛ فهو أمر مؤسف ومحبط للغاية، وقد يعتبر نوعاً من الخذلان غير المبرر له، ولا سيما حينما يتم ترك تلك المسائل إلى فئة البعض منهم لا يمتلكون التجربة الناضجة والكافية لخوض غمار وضع الأسس الرئيسية والمراحل المنهجية السليمة لخريطة مستقبل الفن التشكيلي السعودي.

وإن بقي العزاء الوحيد فهو في بعض الأسماء المرشحة لهذا المجلس، والتي تعد على الأصابع، وهي تلك التي تمتلك بالفعل الغيرة على سمعة الفن التشكيلي السعودي وأدوات تصحيح المسار، في المساهمة الفعلية لا الشكلية لتكوين هذا المجلس.

لا أود الخوض في تحليلات وتكهنات حول سرّ ذلك التراجع لتلك الأسماء عن ترشيح نفسها لمجلس الإدارة، إلا أن ثمة أحد الضوابط والمعايير التي وضعتها اللجنة التحضيرية للجمعية قد يكون العامل الرئيس في عدم ذلك الترشيح، وهو الأمر المتعلق بسنوات الخبرة والممارسة المطلوبة للترشيح لعضوية مجلس الإدارة، والتي لا تقل عن ثلاث سنوات بحسب المادة السادسة من الباب الثاني والمتعلقة بشروط العضوية، وهو العامل الذي دفع ببعض الفنانين لتتصدر أسماؤهم لائحة الترشيح، وغياب الفئة الأهم، في حين كان من المفترض أن على من يتولى إدارة هذا المجلس ألا تقل سنوات خبراته وممارسته الفعلية لهذا الفن والاشتغال بهمه عن العشرة أو الخمسة عشر عاماً كأقل تقدير. وهذا ليس تحيزاً ضد الفئة الشبابية بقدر ما أن الأمور التنفيذية وتحقيق السياسة لأية منشأة أو هيئة يتطلب عامل الخبرة، والحنكة والإلمام والدراية بالأمور الإدارية، ومن ثم تطعيمها لاحقاً بأصحاب التجارب الشابة. لقد كان من الأجدى على اللجنة التحضيرية التي سجل معظم أعضائها غياباً مماثلاً في الترشيح للمجلس إلا من خمسة منهم، أن تقدم معايير وضوابط ومواصفات أكثر دقة وملاءمة لإدارة دفة أول مجلس إدارة تاريخي للجمعية.

وبعيداً عن هم النخبة وعدم ترشيحهم لمجلس إدارة الجمعية، فثمة ملاحظة تتعلق بآلية التصويت أو الاقتراع لعضوية المجلس وتحديده بموقع ووقت واحد، وهو ما قد يقلل من الحضور الشخصي، بينما توزيعه على المناطق الثلاث الرئيسية يساهم في تكثيف الحضور، إذا ما كان الأمر مرتبطاً بالحضور الشخصي المقصور على المرشحين للجمعية التأسيسية؛ إذ إن عدم اكتمال النصاب القانوني للاقتراع أمر قد يحول دون الانتهاء من عملية الترشيح بالصورة المطلوبة. إلى جانب أن هناك فئة كبيرة لم تستطع أن ترشح نفسها، سواء بالجمعية التأسيسية أو بمجلس الإدارة، وذلك إما لعدم علمها بهذا المشروع أو لتواجدها وإقامتها خارج البلاد، سواء للدراسة أو المعيشة، ولكنها تمتلك الرغبة في تفعيل هذه الجمعية، بطرقها ووسائلها المتنوعة، ومن ثم فإن في حرمانها من المشاركة بذلك أمر لا مبرر له؛ فالأخذ بأصواتهم، وعدم تجاهلهم فيه تعزيز وتقوية لمسألة الانتخابات بصفة خاصة وللجمعية بصفة عامة، ولا سيما إذا ما أرادوا المشاركة بالتصويت، من خلال استخدام شبكة الإنترنت، والذي لا أعتقد أن ثمة تزويراً سيكون في ذلك، إذا ما وضعت ضوابط ومعايير تحكمية توصل إلى النتائج المرجوة؛ فالوسيلة ناجعة ومستخدمة على نطاق أكبر بهذا الخصوص. هذا بالطبع إلى جانب استخدام آلية التصويت بالحضور الشخصي.

وتظل لي هنا مناشدتان هامتان، الأولى لسعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، الرجل الدؤوب الذي يقف بكل جدارة واقتدار وراء إنشاء ودوران هذه العجلة الثقافية الحيوية، وبات الأقرب إلى وجهات نظر وقلوب التشكيليين, لمعايشته همومهم، وتقديره لمعاناتهم. وذلك بمطالبته بإعادة النظر في تأجيل مسألة الانتخابات بهدف إعادة احتواء أكبر عدد ممكن من المرشحين لعضوية مجلس الإدارة، بعد تعديل بعض لوائحه، وتخصيص معايير ومواصفات لترشيح أعضائه، مغايرة لمعايير عضوية الجمعية التأسيسية. وبالرغم من أن رأياً واحداً قد لا يحمل على التغيير أو التأجيل، إلا أن ثقتنا بأن هذا المطلب الحيوي سيكون على طاولة سعادة الدكتور السبيل لإعادة النظر فيه ودراسته الجادة، فهو أمر مصيري؛ إذ من خلاله تنطلق قاعدة تصحيح المسار، وتتشكل خريطة مستقبل حركة تشكيلية سعودية ذات خصوصية عالمية.

فيما تأتي مناشدتي الثانية، والتي هي في واقع الأمر تشكل نداءً أوجهه إلى كل المعنيين بالأمر من تلك النخبة، الحريصين منهم والمخلصين والغيورين على أمر فنهم التشكيلي، بالتراجع عن قراراتهم السابقة، والعمل على إعادة ترشيح أنفسهم من جديد لعضوية مجلس الإدارة، فيما إذا تم بالفعل إعادة فتح باب المشاركة للترشيح، للمساهمة الجادة والفعلية، في تحقيق جمعية تشكيلية متكاملة النمو، وبالله التوفيق.

التشكيلي نايل ملا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة