الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th September,2004 العدد : 78

الأثنين 13 ,شعبان 1425

أعراف
كنوز البريد
محمد جبر الحربي

كان البريد كريماً معي طوال الأسابيع الماضية، حيث وصلتني مجموعة من الرسائل الجميلة من بقاع شتى، من الوطن الحبيب من الشمال إلى الجنوب، ومن الخليج، الإمارات والبحرين تحديداً، ومن فلسطين، والأردن، والعراق، واليمن، وانجلترا.
ومعظم ما في بريدي يلامس الوجع العربي الإسلامي، ويثني على طرح ما يتعلق بنا كأمة مستهدفة في حضارتها وثقافتها ووجودها وقيمها.
وكان بودي أن أعطي الجميع كل المساحة والوقت، ولكن ذلك غير ممكن عملياً فليلتمسوا لي العذر.
ومن كنوز البريد ما كتبه الأستاذ الشاعر صالح سعيد الهنيدي، وهو عضو في رابطة الأدب الإسلامي. وقد أثلج صدري بكتابته الإيجابية، وبحصانته ضد محاولات التشويه التي حاولت النيل مني، ومن غيري من أبناء هذا الوطن، وهذه الأمة، وهذه الحضارة الإسلامية والعربية.
كما أنه أسعدني بثلاث قصائد جميلة تتفتق عن حب للوطن، وعن إحساس أصيل بمأساتي العراق وفلسطين. هي: (مأساة جنين)، (أواه يا عراق)، و(مساء الحب يا وطني).
وفي قصيدته (مأساة جنين) التي تتحدث عن طفلة فلسطينية ولدت أثناء الغزو الإسرائيلي الغاشم على مخيم (جنين) فأسماها والدها جنين: يبحر الشاعر بين أفعال اليهود وصمت المسلمين:
(في زمان الصمت والعدو المشينْ
ولدت في لجة الحقد الدفين
طفلة أرهقها الوهن
وأشقاها الألمْ
وعلى وجناتها الحلوة آثارُ سقمْ)
(ولدتْ والعالم المشؤوم ينظرْ
بعيون الصمت يبصرْ
ويرى قصة إرهاب الخنازير
على أرض (جنين)
آه من أرض (جنين)..
(يا جنين..
يا زمان الوعد بالنصر المبين
يا ثمار اللوز
في صحراء دنيانا الدنيّة
يا بشارات الأماني في ليالي اليأس
يا نبع الأملْ
يا عيوناً طرفها من صورة
القهر اكتحلْ
وعلى وجَناتها الغضة ليل الظلم حَلْ).
(يا جنين...
أوما أبصرت قومي
في ذهول المعمعهْ
وتغشاهم سكوت الموت والذلِّ
ولحظات الدعهْ.
فغدونا حائرين
لست أدري
هل على الكافر أم نحن معه؟!)
سؤال موجعٌ، ولكن مثل هذا النوع من الأسئلة ما طرح إلا لأنا:
(يا جنين..
ما نسينا أبداً صبرا وشاتيلا
ودير ياسين كلا
وجراح القدس والأقصى
ولا الماضي تولّى
ما نسيناها ولن ننسى مآسي أمة
تبحثُ عند الغرب حلا)
إن هذه الزفرات من الشعراء ينبغي أن تترك طليقة، وهذه الصرخات يجب أن تدوي، لأن الشعراء لسان حال الأمة، وأصوات الناس، ولا يدفعهم نحو الصراحة الجارحة، أو تعرية
الواقع إلا حبهم الشديد لأوطانهم وأمتهم، وقلوبهم المرهفة الدامية التي تلقّت السهام على السهام. واستقبلت الجراح على الجراح.
والهنيدي واحدٌ من أبناء هذا الوطن، وهذه الأمة.
وعلى هذا المنوال تسير قصائده.
إحساسٌ عميقٌ بمأساة الأمة، حبٌ شديدٌ للوطن والأمة، ألمٌ لواقع العرب والمسلمين، سردٌ لهذا الواقع، أملٌ بِلَمِّ الصفوف والنصر على الأعداء. كل ذلك يأتي ضمن لغة عربية عالية مبينة، وموسيقى شعرية متناغمة، ومنظور إسلامي للواقع، وللأدب.. وكل هذا جميل ومؤثر.
ولكنه يكون أجمل فيما لو انحاز الشاعر أكثر إلى المخيلة، واعتمد على ثقافته وقراءاته، ومنها التراثية والتاريخية لتخفيض درجة المباشرة، والخروج من الإشارة إلى الإحالة.
فشعرٌ بهذه الأصالة، والعاطفة الجيّاشة، والبوح الصادق إذا ما حلّقت به المخيلة، واتكأ على الفنون الإبداعية المختلفة، والمرجعية الثقافية العامة والخاصة، سيكون له فعل أكبر على المتلقين.
ويمكنني هنا أن أحيله على سبيل المثال لا الحصر، إلى قصيدة أبي الطيب المتنبي (كفى بك داء..) ولعل في هذه الأبيات، ما سبقها، وما يليها ما يفي بالغرض:
(وجرداً مددنا بين آذانها القنا
فبتن خفافاً يتبعن العواليا
تماشى بأيدٍ كلما وافت الصفا
نقشن به صدر البزاة حوافيا
وتنظرُ من سودٍ صوادقَ في الدجى
يرين بعيدات الشخوص كما هيا
وتنصب للجرس الخفي سوامعاً
يخلن مناجاة الضمير تناديا
تجاذب فرسان الصباح أعنة
كأن على الأعناق منها أفاعيا
إذاً هو البريد مرة أخرى، من أعزاء لا أعرفهم، ولم ألتق بهم، يدق أبواب القلب، ويدخل حجراته فتقابلهم بنفس الحب، وتعتذر لهم إن كانت الضيافة لا ترتقي إلى الخمسة أنجم، فلا الوقت يكفي، ولا المساحة تفي، ومع ذلك فهي على تواضعها تدوم العمر كله.

mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved