الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th September,2004 العدد : 78

الأثنين 13 ,شعبان 1425

نداءات تحت الركام..!
سلوى أبو مدين
برعونة الموقف الذي حاصرها وقفت بشموخها تتصدع من الداخل..!
وهمشت كل شيء جانباً، حياة باردة لا حس فيها ولا مذاق لها، جافة مثل ورقة خريف.!
جراح تنزف ولا تتوقف.. مطوقة من جميع الجوانب.. سجن أبدي بقضان آدمية..!
هاهي السنون تهرول من حولي وكأنها تودعتني سنة بعد أخرى وتنفك مني..!؟
سجني الذهبي طوق حياتي ارتباط فاشل، لنمط حياة باردة. لحظات المرار أقوى من أن تنسى.!
وفجأة.. ألقت بي في غياهب الظلام..!
تبدل سريع بدون سابق إنذار..!
ابتلعت ذلك كله على مضض وواصلت مشواري مكرهة..!
وأضحى المرار يسيرني حيث أمضي رغم كل المحاولات التي بذلتها لأعيد قريني توازنه، فزادت أعباؤه المادية، بعد ما أبعدوه عن دائرة عمله.. وبين عشية وضحاها أصبح عائلا على الحياة.!
تفاقمت الأمور أكثر مما ينبغي.!
أعباء المسكن، ومستلزمات الحياة التي لا تنتهي وغيرها من الأمور.. أخلينا المسكن لصاحبه، وعدت إلى منزل والدي بروح منكسرة أجر أذيال الخيبة ورائي..!
تحملت وخز تألم في نفسي.. في كل مرة كنت أرتق أحلامي معك.
أما أنت كنت كريما في نزفك كبحر..
قاسيا. عنيفا.. شرساً كالعاصفة..
وحان نذير الوداع بيننا في صمت كمأتم.!
ويا لها من حياة وأنا أحمل عبء ثلاثة أطفال..
بين ليلة وأخرى..
أضحيت كورقة خريف يابسة توشك أن تسقط في أية لحظة..!
حتى حجرتي التي طالما توسدت جراحي قبل أن أزف إليك..
غدت بألوان قاتمة..
ولا زلت أذكر ما عانيت نتيجة حبي لك، هناك رقص قلبي فرحا..
وعند نافذتي غنيت أنشودة السعادة..
وتحت مصباحها تناثرت مشاعري مثل عصفور هوى من فوق غصن عالٍ..!
مشاعر الخوف والرهبة تغتالني عندما أفكر أنك تركتني أصارع العباب تحت قهر الظروف وأنت غير مكترث..!
أدمنت السهر واستبدت بي الهموم!
فلا أدري هل أشرق الصباح أم لاحقنا الليل..!
المرار والملل يغلفان حياتي بطعم العلقم..!
آه من قسوة الحياة.. بين يوم وآخر تبدل كل شيء!
أخذت العزلة مكانا في نفسي، منعت من الزيارات..
الآن أحيا في سجن انفرادي.!
منزل أشبه بمعتقل تجري فيه شتى أنواع العذاب.!
كلما أردت أن استجمع شتات نفسي، ألقى من الصدمات ما لا يطاق.!
ماذا بقي لي أن أحيا من أجله سوى قسوتك تلفني من كل الزوايا..!
والداي جردت العاطفة من نفسيهما فهما يمارسان القسوة..
وها هي تتبلد مشاعري تجاه أية عاطفة..!
لا أعلم هل أندب حظي التعس الذي أفقدني فرصة إكمال تعليمي،
أم ألوم نفسي التي استهين بها.!؟
في لحظة خسرت كل شيء.!
ومضت الأيام بأثقل مما يُقدر.. وتردد خبر ارتباطك بأخرى..!
عندها..
تهاويت على مقعد قريب ومادت الأرض من تحت قدمي..
لسماعي الخبر فأجهشت ببكاء مرير وابتلعت العلقم مكرهة.!
وبعد أيام قلائل عادت أختي الصغرى، وهي تحمل أوجاعها وأنينا يعتصر قلبها..
كانت حاملاً في شهورها الأخيرة عندما سمعت مرارتها تبدل مرآتي وعلمت أن الكثيرين يعانون مثلي وربما أكثر..!
تحول منزلنا إلى جحيم وغطته سحابة معتمة..!
لم تكن الأيام كريمة معها، فقد تركها زوجها مع طفلتها في منزل أبي وابتعد دون أسباب..!
واجتاحت حياتها عاصفة مثلما حدث لي..
ومرت الشهور متثاقلة الزوج لم يحضر للاطمئنان على صغيرتها.
كثيرا ما كان التفكير يؤرق مضجعها، فاقتربت منها للتخفيف عنها، ولكنها كانت تلزم الصمت..!
كان ابتعاد الزوج هو القاسم بيننا، إلا أنها أوفر حظاً مني فهي تنال من والدي معاملة حسنة لم أحظ بها..!
أيامي ثكلى وحياتي تتشح بالسواد، فلم يكن لها معنى بعد ان أغرقتني في هموم أثقل من أن أتحملها.. وتركتني أعاني الويلات..!
أفتعل التجلد أمام الجميع، أما بداخلي فإنها أنقاض وأطلال..!
المد والجزر يقتسمان حياتي..
وأنا سفينة متهالكة في عمق محيط..
وطائر يهوي بلا أجنحة..!
وتسير عجلة وجعي بلا توقف..!
احتسى كأس المرار في المعاملة القاسية التي يذيقونها لي!
حصرت في بوتقة سجني الأبدي.!
غدوت زوجة مع وقف التنفيذ..
فالحرية أمل تلاشى أمام عيني..
والبقاء في المعتقل سرمدي..!
بقوة الجبر والإكراه، وأرغمتني أن تأخذ صغاري.؟
وأعلم يقينا أن العذاب مصيرهم.. فأنت لست أهلا لتربيتهم..!
لم أصدق عندما حضروا لزيارتي دقائق معدودة وكأني سجينة لدي زيارة من أحد أقاربه، فتهيأت على الفور لملاقاتهم ومر الوقت أسرع من البرق!
صدمة عندما رأيتهم كانوا أشبه بالبؤساء المعدمين ويا لها، غصة ابتلعتها..
ومع هذا تظاهرت بالتجلد، وابتلعت ما في داخلي..!
كنت طيلة السنوات الماضية أحتضنهم تحت جناحي، كنت مثل طائر.
وجئت أنت بكبريائك.. وشموخك وتعنتك، وحرمتني من رعايتهم حتى تقهرني بمسلكك القاسي..!
من يتحمل تلك الثقال التي لا تنوء بحملها الجبال..
وتسير سفينتي تصارع العباب المضطرب..
هل تأملت الضباب الذي أحاط بي؟ إنه همومي وأوجاعي..!
سفينتي أوشكت على الغرق فالموج يحاصرها..
وأنا لا أجيد مقاومة تلك الأعاصير..!
هل ستغفو مشاعرك المتمردة بعد أن أرفع الراية البيضاء..؟
وهل بقي المزيد من الآهات والدموع لنبددها..؟
إلى متى نظل نهذي بأوهام وآمال كاذبة!؟
وكما جمعنا اللقاء سيفرقنا لا محالة..!
ستجدني بقايا إنسان..!
أضحيت جسداً بلا نبض.. وعمراً بلا أمل.. ودقات متهالكة..!
وما زال ليلي باقياً، يرفض الرحيل
ولا أثر لفجر جديد..!
وتبقى نداءات ثكلى من تحت الركام!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved