الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th October,2003 العدد : 34

الأثنين 1 ,رمضان 1424

اتساع الهامش.....وإمكان المثقف!!
سالمة الموشي
* القديم يحتضر والجديد لايستطيع أن يولد بعد..
تنبني العلاقة بين الهوية والهامش على تأويلات تنطوي على حقائق تراتبية لحقائق ليست إلا جزءاً من المجتمعي، والفردي، من العمل والفعل الواقعي والمتخيل، فالهوية بنية موجودة في كافة المجتمعات الإنسانية، عرفت بمنطقها الرمزي تارة والتاريخي تارة أخرى، فالهوية الإنسانية لم تعد اقتصارا على البنى التاريخية المؤسسة على الضرورات الاجتماعية، بل أصبحت تتغير في استقلال الفرد وذاتيته والهوية الثقافية هي الآلية الافتراضية لتحقيق وتمثل هذا الانوجاد.
فكما أن الهوية الثقافية خطاب يبحث عن امكانية، فإن الهامش ذريعة تاريخية اسقاطية لفشل الخطاب المتوهم الذي لم يفصح عن نفسه ومطلبه للإقامة في الزمن بمستلزماته الآنية، مما يجعل البحث في قضية امكانية الهوية الثقافية/ والهامش شكل العلاقة الملتبسة بينهما أمراً يتطلب مغامرة استقصائية تنطلق من علاقة الكائن بسياق التنظيم الفكري والمجتمعي وانتقال الدلائل المجتمعية على نحو ما إلى التشكل كفعل واعي نتيجة الاندماج الذي ليس من قبيل الصدفة بين شكل الهوية المتاحة والنزعة المؤسسية التي تغالي في التسامق كصيغة وجود غير قابلة للمس أوالانكار.وتظهر سطوة الهامش وجاذبيته كحيلة لا شعورية لتنقذ صيغة ما ليس مبررا..؟ فكم تبدو صنيعة الصيغ، والبنى، مقنّعة عبر التاريخ!!
فما السؤال الذي يمكن طرحه حينما يبتلع الهامش ثقافة الهوية، ويصبح إمكان الهوية هو السؤال؟!
كيف روج عنّا في غفلة من الزمن ما نحن عليه..؟ وكيف توقفنا عن الفعل على نحو فاضح؟ كيف وقفنا شرط الراهن على بطولات الماضي؟ كيف نكون (نحن) من هناك من إمكان تشكل هوية ثقافية حقيقية في ظل متغيرات الواقع وعولمته للإنسان بآليات نظام عالمي جديد!!.
ما الذي يتطلع إليه الإنسان/ المثقف/ أو الفرد المتمثل في الكل..؟كيف يعرف أنه في قلب التاريخ، والتحول، أو انه على الهامش يمضي قدما، أو أن الاتساع بينه وبين الفعل أصبح واسعاً ويصعب ردمه!! كيف يبدو الهامش؟أأنت من الذين يشاهدون العرض، أم من الذين ينجزون عملاً ما بأنفسهم؟ أم من أولئك الذين يغضون الطرف يتنحون جانباً؟ هذه هي إحدى حالات الوعي التي يراها نيتشه والتي يمكن أن تتبنى الافصاح عن ما هية الذي نسير إليه، شكل الإجابة عن اتساع الهامش، امكان المثقف فالمثقف ليس إلا جزءاً من الكيان المعرفي لثقافة ما، في مكان ما، وزمان ما، وإذ يعول كثيراً على المثقف الرسولي أو البطولي، بصيغة أخرى، فإنه سيبدو متواضعاً وصغيراً أمام إشكاليات المرحلة الحالية التي تسير دون هوادة إلى عولمة الثقافة وتدعي في الوقت عينه أنسنة العولمة كخيار أخير للإنسانية الرازحة تحت سطوة الآلة والرأسمالية ومبدأ الفكرة الواحدة والثقافة الواحدة لإنسان واحد، ربما لن نندهش إذا ما وجدنا أننا أمام كائن أسطوري قادر على تمثل الروح الباردة، والمؤدلجة التي ألغت الإنسان وآماله في الفردية وأقحمته في قالب منمذج لثقافة راهنة وحتما سيكون لهذه التحولات بدل الذريعة الواحدة ألف ذريعة. وحتما سيكون لها متمثلوها، ورافضوها في خضم هذا التطرف العولمي وتجسيداته كيف يبدو المثقف؟ وكيف تبدو الثقافة التي هي موقفنا تجاه الامحاء والتحنيط والأدلجة ما المعيارية المعرفية التي يبني عليها مرجعيته وسط صخب أنسنة العولمة، والهامش الذي لا يكف عن ابتلاع الضعفاء، والمهادنين، والمتوارين خلف الحجب؟! من المسؤول عن الخروج من عنق الزجاجة ومن فجاج المسافة؟ أيعول على مثقفنا الرسولي أم على تبني ماهيات العالم الجديد والاصطدام به وخلق هوية لها معيارها الصارم.
إذا كانت الهوية الثقافية الآنية منجزا في زمن الهيمنة المطلقة للآخر فكيف تبدو أولوياتها حيال المفهوم المعلن؟ وغير المعلن للهوية والتي يتموضع فيها وأصبحت خياره الأول والأخير، في ظل مقاييس عولمة الإنسان، والتقدم الحضاري والمعرفي؟ مع كل ما يحدث ضمنا يرى أحمد حجازي في رؤيته النقدية للمثقف المعاصر بأنه يعايش عالمين متناقضين حاملا في شخصيته ثقافتين متباعدتين يصعب التقريب بينهما، ثقافتان غير متكافئتين ثقافة تراثية مفعمة بالمواطنة الأصلية والأخرى عولمية تغريبية تسلبه الأولى وتدفعه نحو عصرنة فردية كونية مصطنعة، وبين العالم الأول والعالم الثاني يقف العربي عاجزا عن الوصل بين ماضيه التراثي وبين عصرنة الآخر المغتربة عنه فيصبح شأنه شأن غيره في دول الجنوب الفقير منفصما في ذاته، مغتربا في ثقافته، لا يعرف كيف يواجه تجليات العولمة وإشكاليات الخصوصية فيعيش في عالم من الوهم ونسق من الخيال يصنعه لذاته إما هرباً من واقعه أو عجزا عن الفكاك منه فلا يجد بذلك مخرجا..
وهو هنا ما ارتبط بمفهوم الصراع بين (الأنا) و (الآخر) وهو شبيه بإشكاليات العلاقة بين العولمة والهوية لا صراع الحضارات كما عبر عنه هنتنجتون الذي استنتج من خلاله أن الحضارات تسير إلى خلق هوية ذات بعد احتمالي وان تعزيز الهوية العالمية وخلق عالم بلا حدود ثقافية مجرد وجه واحد للعولمة الثقافية التي تتجه نحو الهيمنة الثقافية لثقافة واحدة... وبإمكان بسيط ندرك أن تشكل الهوية هو مادة العولمة التي طالت البنية الثقافية للمجتمعات، فمتى حدث الاستلاب؟ ولماذا حدث؟ وكيف نتأمل ضرورة الفعالية عبر التاريخ الذي ننتهجه ونسير إليه بإغراء الواثق.. كيف نستخلص إرادتنا من فهم منجزنا الإنساني الذي سوف نكونه لا ذلك الذي كوناه..؟


salmoshi@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved