الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th October,2003 العدد : 34

الأثنين 1 ,رمضان 1424

من قديم أوراق الأديب الراحل
عبدالله بن إبراهيم الجلهم رحمه الله
أعدها للنشر أ.د. عبدالكريم الأسعد
النوادي الثقافية والمنطلق الجديد

ما من إنسان في هذه الحياة إلا وهو يتقلَّب بين ألوانٍ من الآمال وضروب من الآلام تضيقُ وتتسع حسبما توحي به إليه حياته العملية وبيئته الاجتماعية والإقليمية.. فلولا الأمل لشقينا في جحيم اليأس والقنوط، ولولا الألم والنَّصب لما تذوقنا للسعادة طعماً وللنعيم حلاوة..!!
والظاهرةُ الحية التي صاحبت الإنسانَ في مسيرته الحياتية، أن الطبع الغريزي للبشر، ينشد الكمال ويهفو إليه في رحلته الكونية ويرنو إلى الصعود إلى المعالي تحت مظلَّة الزمن الصاعد ليصيب منه مقوماته ويترسَّم خطاه وأضواءه.. وفي كلتا يديه نبراسٌ ساطع من الأمل والرجاء يتعلل به ويرقب صداه وهمسه.. وقديماً عبَّر «الطغرائي» الحكيم عن هذا الأمل بقصيدته اللاَّمية فقال:
«أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»
والذي يعنينا ويعلينا كأمة أخذت قافلةُ حياتها مسيرتها إلى التغير والنهوض أن نمد هذه القافلة بالوقود والخطى المتزنة والمبصرة لتواصل سيرها ويمتد بثُّها وصوتُها لتستقرَّ في مواطن المجد ومشارق النماء والخلود.
بالأمس القريب والعجيب كانت الجهالة تقوم بدورها الخطير على أنقاض وموروثات الماضي العتيد تبدِّد أنواره وتشتِّت شمائله وتفرِّق جمعه ومعالمه.. وإذ ذاك كانت المعرفة نازحةً في منفاها البعيد، تستسلم للونى وتسترسل مع أحلام الكرى.. وبعد حينٍ طويلٍ من الدهر والمعاناة، دار الفلكُ بإذن الله وقدره دورته.. وأرسل الصبح وميض أنواره فاستيقظت النفوس واستجابت والهةً لداعيها الجديد..!!
وإذا كان لكل زمان لبوسه كما يقول سلفٌ لنا صالح فخليق بأمتنا بصفة عامة ومجتمعنا بخاصة أن يخلعا عن كيانهما ما تبقى من رداء التخلُّف والكسل وأن يرتديا لباسهما الزمنيِّ المعاصر بلُبابه ومنافعه لا بقشوره ومضارِّه . وأن ينظر إلى منطلقاته الجديدة بمنظار العقيدة والقيم فما وافقهما استقبلاه وقبلاه، وما مال عن منهجهما وأخلاقهما رفضاه وأبعداه.. فإذا سار ركبنا على هذا المنهج القويم، وصحَّ فيه العزمُ وتوفر فيه وله الإخلاصُ والعمل وتطهر أفرادُنا ومجتمعُنا من التخاذلِ والمذلةِ والأنانيةِ وسوءِ التقدير والتدبير والإدارة أمكن بتوفيق الله وعونه أن نستعيد مجدنا ونصلح حالنا ومستقبلنا وجميع شؤون حياتنا وأن نكتب على صفحات الزمن سطوراً جديدة ومجيدة من التضامن والسيادة والخلود..!!
والنَّوادي الثقافية التي نتحدث عنها الآن، ذات صلة وثيقة بالمستقبل المرجو لحياتنا الجديدة فلها إذا أُعدت وأُحكمت صلة الوالد بالولد.. ولها علاقة الرأس بالجسد.. فليست رسالة النوادي للتسلية ولا لأن تضاء فيها الأنوار وتتلألأ بين جوانبها الشموع لتمثل دور «ذكاء» إذا برزت من خِدرها.. ولا أن تذاعَ فيها الخطبُ وروائعُ الشعر ليُقال مَنْ ذا قالها؟ ولكنها من قبلُ ومن بعدُ أداةُ تثقيف وتعليم.. ولسانُ توعيةٍ وتوجيه .. ومحلُ اجتماع والتئام للتعارف والتآلف وتبادل الآراء والتفكير.. وحسبنا وعياً أنها انبثقت من الأسواق العربية العتيدة منذ قرون فكانت لسانها الناطق وإعلامها الصادق.. ثم تلقاها الغرب عن المشرق العربي بعد أن تخلَّى عنها وزهد بها ولم يدرك رسالتها ودورها في الحياة الفكرية والإنسانية والمصير الاجتماعي المأمول.. على أن النوادي في الفكر الحضاري الحديث لون من ألوان الخدمات البشرية والذاتية التي لا تستغني عنها أي أمة من الأمم لما تقدمه من غذاء فكري وعقلي وما توصله لمجتمعاتها المتفتحة من تطور اجتماعي وشعبي وإداركي.. وإلا فما قيمة الحياة إذا تعدَّت من التوجيه والوعي والإدراك لشؤونها.. وما ميزة المجتمع إذا تجرَّد من صفاته وتكافله وتآخيه.
ورسالة النَّوادي في مفهومها العميق لا تنحصر في طبقةٍ دون طبقة ولا في مستوى اجتماعي أو ثقافي دون آخر.. بل هي صوت بعثٍ وتجديدٍ وتنوير، يصافح الشيوخَ ويعانق الكهول ويحي الشباب والشُّداة والأجيال.. ويقف وقفاتٍ طوالاً مع كل منتمٍ لوطنه، مخلص له بأن عليه واجبات مقدسة نحو وطنه وأرضه وساكنيه.. فهو الذي رعى طفولته واحتضن صباه وشبابه، وقوَّم عوده وسلوكه، فمن البرِّ فيه والوفاء له أن يسعى لخدمته وأن يلتف تحت لوائه وأن يستلذ المكاره والصعاب في سبيله، وأن يبتغي له العزة والسمو أينما وجدت وتحقَّقت بطموح لا يلين ودأب لا يتوقف:
«أبارك في الناس أهل الطموح
ومَنْ يستلذُّ ركوبَ الخطرْ
وأمقتُ مَنْ لا يماشي الزمان
ويقنعُ بالعيش عيش الحجرْ
ومن لا يُحبُّ صُعودَ الجبال
يعشْ أبدَ الدهرِ بين الحفرْ»
والسُّنة الكونية؛ أن كل عمل لا بد أن يولد ضئيلاً مهزولاً ثم يشبُّ وينمو ويزدهر ولكنَّ نموَّه وشبابه يحتاجان إلى عطاء متضافر، وبذل من الجميع متكامل.. والجميعُ أسرة واحدة وسدنةٌ مخلصةٌ لهذه الأرض الطيِّبة.. ولعل ما يُستقبل من أيام تحقِّق ما نودُّه منها من عمل فإن الحياة في نظر المتفائلين والعاملين ليست متاعاً زهيداً تتقاذفه الأيدي والأقدام، وليست في مفهوم المستبصرين وَحَلاً آسناً لا تستسيغه الأبصار والأفهام.. ولكنها أملٌ وعطاءٌ وسعيٌ ورجاءٌ وميدانٌ واسعٌ رحيبٌ لكلِّ المصلحين والمستثمرين قواهم ومداركهم لخير الإنسان وعمارةِ الكون وتزكيته وإصلاحه..
ضل من يحسب الحياة متاعاً
يتفيا ظلاَلَه كلُّ غادِ
يا رعى الله للبلاد شباباً
سامي النفس عبقريّ المبادي
عاهد اللهَ أن يواصلَ سعياً
باذلاً روحَه لكلِّ البلاد


عنيزة عبدالله البراهيم الجلهم

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved