الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th November,2006 العدد : 178

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1427

حول كتاب (الوأد عند العرب )
قراءة على قراءات الحلقة الأخيرة
مرزوق بن تنباك

في الحلقة الثالثة المنشورة في الملحق الثقافي في يوم 23-5-1427هـ الموافق 19- 6-2006م. يورد الأستاذ الفتحي أربع فقرات هي سابعاً وثامناً وتاسعاً وعاشراً.
سابعاً: ينقض ما أورده الكتاب من سؤدد قيس بن عاصم والدليل عنده أن السيد عند العرب لا يمكن أن يهجو ابن عمه ولا يقلل من شأنه كما فعل قيس بن عاصم مع ابن عمه عمرو بن الأهتم عند الرسول? وفي مواقف كثيرة فيقول نصاً ونقلاً: (ثم أورده نقلاً عن تلك المصادر القديمة ما يشوه الصورة الجميلة لهذا السيد العربي الكبير، حتى انه ليحتقر ابن عمه عمرو بن الأهتم الذي تركوه في رحالهم لصغر سنه...).
لا أقول غابت عن أخينا الفتحي عادات العرب وأمثالهم وأقوالهم وما ملئت به دواوين شعرهم ونثرهم من عداوة الأقرباء عندما يتعلق الأمر بالسيادة والزعامة القبلية، وإلى القراء بعضاً من ذلك، أما أخونا الفتحي فهو أعلم بها.
تقول العرب: مَنْ عدوك وعدو عدوك؟ قيل ابن عمك، وأظن المعنى واضح الدلالة، ثم أذكر القراء بالمناظرات الجاهلية وهي المنافسة الشديدة بين أبناء العم التي تقود إلى التقاضي على الشرف والسؤدد ويصحبها الهجاء والتحدي بكل الوسائل الممكنة، منها مناظرة هشام بن عبد مناف وابن عمه أمية بن عبد شمس، ومنها مناظرة مخزوم وبني أمية، وأشهر تلك الخصومات على الإطلاق وآخرها هي خصومة عامر بن الطفيل وابن عمه علقمة بن علاَّثة العامِريين على سيادة القبيلة بعد أن ضعف عنها عامر بن مالك ملاعب الأسنة.
إنك يا أخي الفتحي تعتسف الأمور في مثل هذه القضايا ثقة منك أن قراءك لا يعرفون بواطن الأمور، وإلا فأنت أعلم بذلك منَّا، فلا تكون المنافسة على السيادة إلا بين الأقرباء وقد يصل الأمر بأحدهم إلى القتل أو الحرب، فلماذا - حفظك الله- تجعل قيساً استثناء من الماضي كله والحاضر الذي تراه وتشهده بأم عينك وليس بما تقرأ في تراث العرب، والكلمة أمانة والقراء يعرفون ما يقرؤون وهم أذكياء لما يسمعون.
ولا يذهب أخونا الفتحي عن قيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم حتى يأتي بأمر مثل سابقه وهو قوله: (لو ثبتت قصة العداوة، فإننا مع ذلك لا ننتظر من عمرو بن الأهتم أن يهجو قيساً بالوأد، لأن عمراً من تميم، وتميم قد ثبت في حقها أنها تمارس عملية وأد البنات، فالقضية مشتركة، وليست خاصة بقيس).
والمؤلف مع أنه يورد قضية الزعم بأن قيساً أول الوائدين وأن هذا كان مجالاً واسعاً لهجاء قيس وتميم لو صح عنه، لكنه في قضية قيس بن عاصم وعمرو ابن الأهتم يأتي بالنص الذي يخص قيساً وحده ويفرده عن تميم أمام خصمه عمرو بن الأهتم وهو اختيار نسائه حتى السباء على العودة إليه، فيقول المؤلف بعد أن أورد كل الاحتمالات: في ص 23: (وأن نساءه قد اخترن حتى السباء عليه، أيغيب هذا كله عن عمرو بن الأهتم، وهو يرى قيساً ينال من سيادته، ومن نفسه أمام الرسول?، وفي موقف حافل عظيم ، فلا يجد إلا أن يعيره بأنه من الروم، وممن يبغض العرب، وأن سؤدد عمرو وقومه عزُّ وسؤدد قيس مؤخرة منبوذة. لا أظن ذلك ولا يظن ذلك من يعرف نحائز العرب وطباعهم إذا نال أحد من سيادتهم أو مست كرامتهم).
فالمؤلف كما ترون يشير إلى قضية خاصة بقيس، وهو اختيار نسائه للسباء على العودة إليه، وهذا لا يخص القبيلة التي ينتميان لها جميعاً، وحتى لو كان ذلك صحيحاً فإن هجاء الإنسان بما فعل لا يعد عاراً على القبيلة ولا تهجى به وإنما يكون الهجاء لفاعل العار ومرتكبه ولا سيما إذا كان الهاجي من القبيلة نفسها مثل عمرو بن الأهتم وقيس، ولعل القارئ يعرف أن هناك دواوين وعشرات القصائد هجاء من أبناء العم لأبناء عمومتهم وأشهر ذلك هجاء الفرزدق لابن عمه مسكين الدارمي وغيره مما لا نود أن نثقل به على قراء الثقافية، لأنه لا ينكره إلا من يريد المماطلة في حجج ضعيفة واهية.
ثم يأتي ثامناً عنده: وهذه المرّة يتناول الحديث الذي عقد المؤلف له فصلاً كاملاً في الكتاب حدد فيه رؤيته للحديث اليتيم الوحيد الذي ورد في مسألة الوأد واستعرض المؤلف كل النصوص التي اقتسمتها كتب السنن والمسانيد، وقال رأيه فيها على ضوء ما يعرفه أهل الحديث بحجج إن لم تكن صحيحة فهي علمية لم يتجاوز فيها ما عرضته كتب الأحاديث نفسها، وكان الأولى بأخينا الفتحي أن ينقض رأي المؤلف بالحجة الدامغة والنص القاطع ويظهر للمؤلف وللقراء رأيه في هذا الحديث الوحيد ويناقش عرض المؤلف له واستعراضه لكتب الحديث التي نقلت هذا النص واختلفت فيه أيما اختلاف، كما أشار المؤلف.
أما اعتراض أخينا محمد العامر الفتحي فتح الله عليه وحجته فهي خطبة إنشائية عصماء هاكم بعض فقراتها وقارنوها بحجج المؤلف وعرضه.
يقول لا فض فوه: (يجد الدكتور بين يديه نصوصاً صريحة في تحريم وأد البنات وهي نصوص أوردتها كتب بلغت شأواً بعيداً في المصداقية والدقة، كتب شهد لها الدهر كله بالدقة والإصابة والصحة كتب لا تقارن بالمصادر القديمة التي تعامل معها وفق هوى نظريته).
ونحن نشهد معه لهذه الكتب في جملتها ولكن هذه الجمل الإنشائية التي يوردها أخونا محمد العامر الفتحي وهذه الكتب التي رددها في سطرين أكثر من مرة لم يطعن المؤلف ولا الكتاب بها ولم يقلل من قيمتها العلمية ولم يجحد فضلها وإنما ناقش حديثاً واحداً جاء فيها بروايات متعددة ونصوص مختلف بعضها عن بعض، حذف من الحديث بعضها وأسقط النص موضع الشاهد من بعضها وأورد ذلك كله كما جاء في هذه الكتب.
والعدل الأكاديمي الذي أشار إليه محمد العامر الفتحي في الحلقة السابقة مطالباً الدكتور مرزوق بن تنباك به هو ما نطالبه به الآن عند هذا الحديث لماذا لم يتناول الحديث الذي أشار إليه المؤلف وعرضه عرضاً علمياً حسب قدرته، وقد يكون أخطأ أو جهل أو أغفل شيئاً ضد رأيه فلماذا لم تأتِ أنت بتصحيح الخطأ الذي وقع فيه مرزوق بن تنباك وتعلمه ما جهل منه أو تُبين له وللقراء ما أغفل.
هكذا تكون الأمانة وهكذا يكون العدل الأكاديمي وأنت قدير عارف بمناهج البحث وقادر على تمييز القضايا العلمية وبيانها للناس بياناً مقنعاً مدعوماً بالدليل والحجة الدامغة حتى يعرف الجميع ما تريد أن تقول عما جاء في الكتاب.
لكنك لا تجد شيئاً تقوله غير ما قال المؤلف في الحديث وفي غيره فأتيت بهذه العبارات الخطابية تعدد فضل كتب الحديث وتعدد فضل أئمة الجرح والتعديل وتلوم المؤلف على أنه يكيل لجامعي الحديث ما سبق أن كاله للمفسرين، ولا بأس أن نورد مقطعاً من خطبتك البتراء معجبين ببلاغتها وبيانها لكنها لم تقدم لنا حقيقة واحدة تساعدنا على إثبات الوأد الذي ينفيه المؤلف والكتاب، وهذا المقطع الذي لا يمكن إلا أن يعجبنا ويثير عواطفنا ضد الكتاب وصاحبه فجزاك الله خيراً: (فكيف ونحن نتحدث عمن جمع حديث رسول الله)، وكيف ونحن نتحدث عن سادة علمي الجرح والتعديل، وكيف ونحن نتحدث عمن كشف الموضوعات واحتاط غاية الاحتياط حتى تصل إلينا أحاديث المصطفى سالمة من كل ما يطعن في صحة روايتها).
لا يفضض الله فاك ياأخي محمد، وجعل الله جزاءك على قدر ما أردت من هذه الكيفيات التي رددتها، ولكننا نريد منك مرة أخرى أن تثبت لنا علمياً وأكاديمياً كما ناديت بذلك فيما سبق ما وضعنا فيه الكتاب وصاحبه من أمر حيرنا، فنحن نريد منك بدل هذه الخطبة العصماء نصاً لم يأتِ به المؤلف ولا أورده الكتاب، ثبت فيه أن العرب يئدون بناتهم، بل إن واحداً من العرب في كل جاهليتها وأد بنتاً واحدة، سمّه لنا فهو خير من كل الخطب الرنانة والطنانة التي نرددها وراءك وقد لا تفيدنا شيئاً وإن أراحت عواطفنا الملتهبة بما لا نستطيع منعه بعد أن سبق به القلم ونشر الكتاب.
المزلق التاسع عند الأستاذ محمد العامر الفتحي إعادة لما قال المؤلف في كتابه وليس شيئاً يمكن مناقشته، لكن لا بأس أن نورد النص الذي ختم به هذه الفقرة بعد أن استعرض كلام المؤلف عن سيادة قيس بن عاصم وقيادته لحروب انتصر فيها على خصومه، وهذه هي العبارة: (فمن الغريب أن يعود ليقول عنه - يعني ما قال مرزوق بن تنباك عن قيس بن عاصم - لم يصنع ما صنع صعصعة ولا قارب ذلك ولا شابهه (ومعلوم أن العرب لا تسود فيها إلا من اكتملت خصال الرجولة الكاملة فيه، لكن هذه النقطة من بحث الدكتور تحتاج إلى دليل عقلي ينفي الاستنقاذ، وبالتالي ينفي الوأد وقد سبق إيضاح أن مدح الشعراء لصعصعة بما فعل فيه كثير من الوقوع في المحذور).
هذا الكلام الذي نقله الفتحي عن كتاب الوأد يقارن المؤلف فيه بين سيادة قيس وحلمه وفضل ما زعم الزاعمون أن صعصعة بن ناجية قام به وهو إنقاذ أربعمئة موءودة من بني تميم وقبائل العرب، بينما زعم الزاعمون أن قيساً وأد اثنتي عشرة بنتاً له أو ثماني بنات.
فالروايات التي تجعل قيساً وائداً وتجعل صعصعة منقذاً لا شك أنها تجعل صعصعة يصنع من الجميل ما لم يصنع قيس مثله، فمن أنقذ أربعمئة نفس لا يمكن أن يقارن صنيعه بكل ما لقيس من أمجاد مهما بلغت من السؤدد والكفاءة والحلم والشجاعة وهذا هو ما فهمنا من كلام المؤلف ولك أن تفهم ما تشاء أو أن تقول ما تريد.
***
آخر حلقات سلسلة أخي الفتحي نشرت في الملحق الثقافي في 30-5- 1427هـ الموافق 26-6-2006م فيها المزالق التالية: الحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر.
في هذه المزالق تعب أخونا الأستاذ محمد الفتحي فتح الله عليه وبدأ يصب ويحقن ماجاء في الكتاب دون أن يضيف كلمة مفيدة غير ما جاء في عرض المؤلف واعتراض الناقد عليه، ولا بأس أن نورد للقراء ما ختم به أخونا الفتحي مزلقه الحادي عشر بهذه الجملة: (ويعود الدكتور للاعتماد على ما سماه (كتب الأدب) فيقول: (تروي لنا كتب الأدب أن الفرزدق قدم المدينة...) إلى أن يصل إلى هدفه من الاستشهاد وهو تأكيد جهل جرير بما قاله الفرزدق عن قضية الوأد.. وإلا لكان نقضه.. وبين بطلانه.. وهنا نعود للتذكير بأننا نأخذ على الدكتور أنه يصدق كتب الأدب في الروايات التي تدعم موقفه التنظيري.. ويكذبها في الروايات التي لا تدعم موقفه.
إن كتب التفاسير وكتب اللغة وكتب الأدب والسير لا تساوي عند الدكتور مثقال ذرة في مسألة إثبات قضية الوأد.. فهي عنده إما كاذبة وإما واهمة وإما مستغلة. ولكن الكتب ذاتها تصبح عنده مصدراً موثوقاً حين يتعلق الأمر بقضية قد تعطي ملمحاً - ولو من بعيد - يؤكد ما أراد الدكتور تأكيده. ولست أرى في هذا التناقض ما يخدم أساليب البحث العلمي الرصين، ولا المنهج الأكاديمي العادل).
في هذه الفقرة قولان لأخينا الفتحي تعقيباً على كتاب الدكتور مرزوق بن تنباك الأول أن المؤلف يعتمد على كتب الأدب وهو لا يأخذ كل ما جاء فيها على علاته بل يمحص ما يريد منها ويأخذ ما يخص قضيته التي يناقش وهي قضية أدبية دينية مصدرها كتب الأدب وكتب التفسير والحديث.
والباحث الأكاديمي لا يأخذ كل ما جاء في مصادر بحثه ويوردها حتى يكون بحثه علمياً رصيناً على رأي أخينا الفتحي بل الباحث الرصين من يجد في مصادره ما يناقشه فيقويه أو يضعِّفه بالحجة والبرهان. ولو نقل كل باحث كل ما جاء في مصادره مما يوافق موضوع بحثه وما يخالفه لما سمي ذلك البحث أكاديمياً ولا علمياً ولا رصيناً.
ولقد رجعت للكتاب لأرى ما أشار إليه أخي الفتحي من تكذيب للمصادر عند المؤلف فلم أجد كلمة واحدة في كتابه كله تكذب المصادر، وإنما جاء فيه عرضاً لما ورد في مصادر التراث كله عن قضية الوأد ومناقشة لها مناقشة علمية تقيم الدليل على ما يذهب إليه المؤلف وترفض ما يراه ضعيفاً أو غير قوي الحجة والدلالة، والمرَّة الوحيدة التي ورد فيها تكذيب هو نقله نص بعض أئمة المفسرين الذي وصفوا المفسرين دون تبعيض بأنهم يكذبون على العرب، وهذا نص المفسر الذي نقله الدكتور مرزوق بن تنباك: (من بدع المفسرين تفسير الجزء بالإناث، وادِّعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث، وما هو إلا كذب على العرب، ووضع مستحدث منحول، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه أجزأت المرأة؛ ثم صنعوا بيتاً وبيتاً.
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب
قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا


انتهت

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved