الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th November,2006 العدد : 178

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1427

وجوه وزوايا
إبداع
أحمد الدويحي
للتي لم تزل شعلة في دمي كلما انتابني شبح الانطفاء نضحت جبهتي برذاذ النجوم وانبرت تتوهج شوقاً، وقالت:
أنت لي
أنت لي
ملك من ضياء
شعر: عبدالله السميح
- 1 -
جميل أن تكون هدية العيد كتاباً، والأجمل أن تكون قصائد جميلة، تحرث فيافي وجه الروح، إذن في البداية لابد من الصدق، والصديق الشاعر المبدع عبدالله السميح، يعرفني بإرادة الله كذلك، فما داع شاعر يتدثر وهو يمتلك الموهبة الشعرية، وأعرف من قبل ومن بعد أن عبدالله شاعراً، ولا أعرف لماذا يتدثر بهذه الأشكال من المسميات والإهداء والمكاتبات؟، الشعر وحده يكتب شاعره، وعبدالله أولاً وأخيراً كذلك، ومن تلك الأشكال التي تدثر بها، سكرتير منتدى جماعة السرد الأدبي بالرياض، مسرحية هزلية لليلة واحدة أنا أحد شهودها، ووحدي ما زلت أقول لفصولها الممتدة كفاية، ولخدمة فن السرد، أقول لا.
شعر أخي وصديقي كان كافياً، ليكون بياضاً وحده، ونيابة عن كل تلك الوجوه والمسميات والأشكال، الشعر وحده سيد الفنون يتبرأ منها، وكان يمكن أن يكون ما أورد هنا في ما بين السطور، بيني وبين عبدالله مع تهنئة وقبلة خاصة بصدور الديوان البكر، لكن عبدالله لن يرضى، وما تحمله الكلمات ليس شأنا خاصاً بيني وبينه، بقدر ما هو شأن ثقافي.
الديوان البكر صادر عن مطبوعات نادي الطائف الأدبي، يحمل بين ضفتيه ثمانية وأربعين نصاً، توزعت في المدى الجمالي، وإذا كانت القصائد مفاتيح للنص، تتضح هذه السمة وهذا الملمح من بعض العناوين، توقيعات على اللحن القشيري، وترتيله لصباحات الرياض، موكب الطفولة، هبة الكهف وعرس السمادير، الوطن المخبوء وقصائد أخرى، ويلاحظ العفوية والثقة التي يكتب عبدالله بها قصائده، مما ينم عن شاعرية متمكنة، ويلفت أيضاً هنا هذا التنوع في الخطاب الشعري، والحمولة التي تتوزع هموم الشاعر، عكس ما هي عليه إيقاع القصيدة، ما بين العمودي والقصيدة النثرية بلغة جزلة، تستحق قراءة منفردة، وهذا ما سأعود إليه متى كتب الله.
- 2 -
كان وجه (أبو يعرب) بهيجاً صباح العيد، وهو يناولني نسخة من هذا الكتاب الدرة، (المقامات البلدانية) رواية أبي ناصر النجدي عن أبوزيد الخيالي، كأجمل ما يهب الصديق لصديقه في يوم العيد، ومحمد القشعمي هباته الأدبية علي كثيرة، أما هذا الكتاب فله خصوصية نادرة، فكاتبه هو الشيخ محمد بن ناصر العبودي، ولن أقع في ما حذرت صديقي السميح منه، فأعدد مناصب الشيخ وهو غني عن التعريف، لكن في ما سأورده له صلة بذلك، وأعني موقعه كنائب لرابطة العالم الإسلامي، وهو ما قد يسر له الترحال إلى كل هذه البلدان، وتدوين مقاماتها بأسلوب شيق ومبدع، وهو وهنا مربط الفرس، فلا يزعم ولا يدعي الخروج من أوساط الجزيرة العربية للدعوة، فلو فعل فلا غبار عليها، وهو بحول الله أهل لذلك ونحن معه، ولا هو تنكب صورة الإرهابي الصورة الأكثر حداثة عنا، ولا صورة الرجل النفطي المتعالي العابث المبذر، وإنما أراد أن يتواصل مع الآخر، وثقافة الشعوب والمعطى الحضاري الإنساني، فجاء تواصله من خصوصية نجدية، لتكتب بهذا الجنس الأدبي (المقامات)، فقال أبو ناصر النجدي، حدثني أبو زيد الخيالي قال: سأقص عليك يا أبا ناصر ما جرى لي، في بعض السنين الخوالي، حين مرت علينا ثلاث سنين عصيبة، لأنها كانت جديبة، قد احتبس فيها المطر من السماء، ووقف الزرع عن النماء، وماتت الماشية، وتفشت في الناس غاشية، واجتمع المرض والجوع على الناس، وذاقوا من ذلك أشد البأس.
(الهند هندك إن قلّ ما عندك)، كانت هذه العبارة المتوارثة في الذاكرة النجدية، مفتاح لرحلة طويلة وبلدان كثيرة، تحمل وعانى أهوال السفر والبحر، وأخبار البلدان وعجائب الزمان، ويقول في المقامة الهندية، قبل أن يهزه الوجد إلى نجد، علمت بعد ذلك من إقامتي في بلاد الهند والسند، أن الفتاة التي يقبلها رجل أجنبي ليس من الأهل، لابد من أن تقضي عشر سنوات قبل أن يقترب منها بعل، وكأن حرماني من العيشة الرغيدة، يعادل جزعي مما سببته لتلك الخريدة، التي أحببتها من كل قلبي، وكنت أدعو ربي لها بالسعادة والولادة.
وقال أبوناصر النجدي، عن أبي زيد الخيالي، أصابتني الحسرة، فسافرت إلى البصرة، وبقيت فيها فترة في غاية الحسرة، لأنني لم أعد أملك قرشاً ولا ريالاً، ونمت من التعب عشاء، فرأيت في المنام فيما يرى النائم، أن ملكاً يقول كاللائم، إن رزقك ليس في البصرة وإنما في الصين الحصين، وحينما صار أبو ناصر النجدي جليس السلطان، قال له السلطان: لقد فهمت الآن، أيها الوزير (شن رير)، أعطه منشورية، وأخرى كورية، ولتكن الأولى حمراء والثانية صفراء، وأضف إليهما ثالثة تايلندية فطساء، ذات منخرين ضيقين وعينين مائلتين، ثم قال السلطان: تحتاج إلى رابعة، فمطالبك مطالب متواضعة، لأن لدي في قصري الف وصيفة ووصيفة، كما ذكر لي عن الخليفة، الذي كان في بلادكم على عهد أجدادكم، فدعوت له وانصرفت، بعد أن عرفت أن ذلك كله حقيقة لا منام، وأنه ليس وهماً من الأوهام.
نقرأ في هذه المقامة البطولة غير المعقولة، ونتعرف على بلاد النساء، والرجال التعساء، وبلاد الملحدين في الدين، وأولاد العنز والشاة، وبلاد القاقاو، والولوج في الثلج، وجار القصار، لنتعرف على هذه العجائبية والغرائبية المدهشة بذاكرة نجدية.
وتأتي المقامة البرازيلية أيضاً متنوعة ومدهشة في تفاصيلها وعالمها، تحتاج كل المقامات الصادرة عن نادي الرياض الأدبي إلى قراءة جادة، وتبصر واسع لنزيف ووجع وخطاب هذه المقامات، قبل أن يعود أبوزيد، الفقير المحتاج الذي يبحث عن فقره لعلاج.


aldw17y1000@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved