الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th November,2006 العدد : 178

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1427

كاتبتان وروايتان من السعودية (1-2)
نبيل سليمان

حققت الرواية في السعودية إنجازاً كبيراً خلال فترة قياسية، كما دلّلت روايات غازي القصيبي وعبده خال ويوسف المحيميد وتركي الحمد و... دون أن نبلغ طوشة (الحزام). وقد كان للكاتبة نصيبها في ذلك الإنجاز، كما دللت روايات رجاء عالم بخاصة، وليلى الجهني أيضاً و... وكالعهد بما تألق من الإنجاز الروائي العربي بعامة، من ترديد بعضهم وبعضهن لصدى البدايات، كان الأمر في الحالة السعودية.
ولئن كان المألوف ألا يلتفت النقد إلى مثل ذلك، فقد يكون قدرٌ ما من الالتفات مفيداً، وربما ضرورياً لبعض ذلك، فضلاً عما يحققه من إضاءة المشهد بنتوءاته وتعرجاته ووهاده، ولعل هذا يعلل القراءة التالية لروايتي أمل الفاران وقماشة العليان.
1 - أمل الفاران
روحها الموشومة به (روحها الموشومة به - 2004) هي الرواية الأولى لأمل الفاران، تجلو من عيش المرأة في السعودية زوايا البيت والمدرسة والصحافة، زوايا الأبوة والأخوة والزواج والطلاق والصداقة. ولئن بدت الرواية تعقد الزوايا جميعاً حول الباطن بخاصة من شخصيتها المحورية وسمية، فللظاهر حضوره وفعله أيضاً، مستقلاً أو بتبادل الفعل مع الباطن.
تبدأ الرواية بحلم تحدث وسمية الدكتورة منال عنه. والدكتورة منال إخصائية نفسية، مطلقة وكاتبة.
وقد دأبت وسمية على قراءة تفسيراتها لأحلام مراجعيها في زاويتها الصحفية، قبل أن تتصل بها.
ومنذئذٍ، باتت المريضة تهاتف الطبيبة قبل النوم لتحمل وصاياها بالاسترخاء والتنفس العميق تأهباً للوقوف على بوابة الحلم. كما باتت وسمية تكتب في مقر عملها حلم الليلة الفائتة. وكل ذلك من علاج الطبيبة النفسي لمريضتها.
حين تحلم وسمية أنها تلقت خمس رسائل تفسّر الدكتورة منال الحلم بأن روح الحالمة مختطفة بالبكاء منذ خمس حيوات سابقة. وإذا كان هذا يؤشر إلى لعبة التناسخ أو التقمص، فلوسمية من تسكن في أقصاها مؤشرة إلى لعبة القرين. واللعبتان كلعبة الأحلام تفتحان الباب العريض للعلم نفسي في الرواية، وهو الباب الذي تأتي منه أحياناً رطانة دروس الطبيبة على مريضتها، كما في الدرس الذي يبين أن الحلم طبقات، فما لا تكون الحالمة من أبطاله ولا تكون حاضرة فيه، هو حلم من أعلى طبقات الروح.
من حلم الرسائل الخمس تنبق قصة الأولاد المختطفين الخمسة الذين سيتقدم برء بوسمية بإطلاقهم في أحلام تالية. فحين تحلم مثلاً ب(مطير) تعلن الدكتورة إطلاق الولد الثالث في الرسالة الثالثة.
وحين تحلم بالطفل الصغير (مارق) يشير التفسير إلى الولد الثاني من المختطفين. ومن برء المريضة أيضاً الحلم بقيادة السيارة بسرعة على الطريق المزدحم بالجمال، كلما ناطحها واحد منها صدمته، إلى أن تجرب الالتفاف حولها فيطلع لها جمل أسود ضخم، لكنها تتفاداه وتسلم: هل يحق للقراءة أن تنوب عن الدكتورة منال في التفسير، فتشير إلى انطلاق وسمية في سبيل يعترضه زوج أو أب أو عاشق أو شقيق، لكنها تتغلب أخيراً على كل ما ومن يعترضها؟ ليست الرواية إلا تسريداً لهذا التفسير. فقد نشأت وسمية أنثى بلا أنوثة كما عبرت لها صديقتها مها: مشية عسكرية، انخراط في شلة مطوعات الثانوية، الزواج ممن يجرب فيها أفكاره المجنونة ويعوض فيها خيبة طموحه في أن يكون عسكرياً... بيد أن في وسمية جذراً نقيضاً ومكيناً. فحين أرادت مطوعات الثانوية تدجينها تركتهن وحين بلغ اضطهاد الزوج وأمه لها مبلغه، سعت إلى الطلاق حتى كان لها، ثم سعت إلى العمل الذي حرمها منه الزوج، فكان لها أيضاً.
وها هي بعد ذلك العهد الذي تسترجعه الرواية مقطّعاً، صارت معلمة وكاتبة لها دفتر مذكراتها الذي ستنقل الرواية منه مرة بعد مرة، لتعين الذاكرة على الاسترجاع. على أن الرواية تنوء بما تنقل وسمية من كتابتها في الجريدة، ومنه مقاطع عن بيت لمالك بن الريب. وعلى أية حال فللكتابة عند وسمية ما لها حتى تخاطبها: (أيتها العظيمة: هل أقايض عليك وإن برجل؟). ولسوف تحدثنا بعدما تبرئها الدكتورة منال من كرهها لأمها - التي تذكرها بفترة زواجها - عن معالجة نفسية غريبة علاجها كله بالكتابة، فكلما زارها مريض جعلته يكتب، وعبر الكتابة يعي المريض نفسه ويتغير. فالكتابة تطهير وعظمة بقدر ما هي فضيحة: (يكفيك كامرأة أن تكتبي كلمتين لتصبح سمعتك مشاعاً للقذرين).
وسوف يحاول الزوج استعادة مطلقته مقايضاً بالعمل والكتابة، فترفض بينما تدفعها الأسرة إلى الموافقة، وهي التي تفكر (كم مجتمعنا ذكوري فعلاً) تضطرم: (لم لا تفهمون؟ الزواج لا يعني لي شيئاً. العلاقة الزوجية المشاعر الوحيدة التي تثيرها فيّ هي الرعب).
بعد الزوج الذي سيتزوج صديقة مطلقته (مها)، وبعد الأب الذي تصرخ وسمية في وجهه ب(لا حمراء) حين يعّوق عملها، يأتي الصديق الوحيد الأبيض الذي لا شية فيه في الساحة الثقافية: نواف الكاتب الذي يطول لقاؤه الهاتفي مع وسمية سنوات لم يحاول خلالها (أن يكون ذئباً. لم أحس يوماً أنه ذكر). لكن (العشق الهاتفي) يصيب نواف ووسمية، فنقرأ: (الرجل السعودي على أعتاب أول سر أنثوي يظن أن له الحق في دخول عالمها كاملاً، لذا أردت أن أخبر صديقي الجميل الذي حكيت له الكثير أنني لن أعطيه إلا ما أريد أن أعطيه).
ويتطور حديث العشق، حتى إذا ما طلبت وسمية الزواج، صمت نواف.
فتنضاف صدمتها به إلى صدمتها بزواج صديقتها مها من مطلقها. وتتوج الصدمات بمراهقة شقيقها ماجد الذي فصل من المدرسة بسبب هربه منها وفوح رائحة الخمر منه.
تشير الدكتورة منال على وسمية بقبول اقتراح الأم أن ينضم ماجد إلى الشباب المطاوعة لعله يستقيم. وتقدر الطبيبة عودة ماجد عن سبيل أولاء بعد حين، بينما تتساءل وسمية عما إن كان شقيقها قادراً على تركهم كما تركت هي مطوعات الثانوية: (هل يملك وعياً يجعله في اللحظة المناسبة يغادر ركب... حراس الرذيلة؟). لكن ماجد ما أن يعود من المعسكر الكشفي... حتى يكسر شريط نوال الزغبي الذي تفضله وسمية. ثم يصير مؤذناً، تقوده السبيل إلى الباكستان، وتذهل وسمية: (في هذا الوقت؟ وأمريكا تبحث عن كل عربي هناك، تنبش كل حجر لتصطادهم كالفئران؟) وبعد لأي ينتهي ماجد بغوانتنامو. ويتزامن ذلك مع نهاية الرواية، حيث لم يصدمها قول طبيبتها التي لم تعد تريد سماع صوتها: (لا يجب أن ننتظر من الأحلام أن تترك عالمها الأثيري وتنزل لعالمنا لتحل مشكلاتنا. أحياناً يجب أن نتصرف نحن ونتحمل مسؤولياتنا).
لقد عبّرت الرواية عن طموح كبير سواء في نقد المجتمع أم نقد الذكورة لكن طموح اللعب - من لعبة الأحلام إلى لعبة التناسخ إلى لعبة القرين - جاء مثقلاً بلعبة دفتر المذكرات أو لعبة المراسلات، أو لعبة تضمين الأغاني والأشعار، ولم يكن استحضار محمد شكري ورينيه الحايك وبكيت وكامو في (العشق الهاتفي) أقل إبهاظاً. أما الإبهاظ الأكبر فمثاله جاء في إفراد أربع صفحات لبرج القوس. وليس كل ذلك إلا تعبيراً عن المفارقة بين الطموح الفني والطموح النقدي.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved