الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 27th November,2006 العدد : 178

الأثنين 6 ,ذو القعدة 1427

رؤية
الخطراوي وأسرة الوادي المبارك1-3
الرائد لا يكذب أهله ..!!
محمد الدبيسي

إذا كان من شبه المقرر في التعاطي مع (النماذج الأدبية) اعتبار التماهي أو التمازج بين الذات و(الموضوع).. الذي يعد مظهرا جليا لأصالة التجربة وحيويتها.. فإن الكتاب الذي بين أيدينا.. يحقق تطبيقاً فعلياً لذلك المقرر..!
فالخطراوي (المؤلف - الذات).. و(أسرة الوادي المبارك).. (الكتاب -الموضوع).. يتجاذبان أواصر التلاحم.. ويتقاطعان في الإصرار على توكيد حقيقةٍ ما..! هي الحركة الثقافية.. عندما نعيد قراءتها في سياقها الموضوعي.. ونشتم عبيرها بجارحة لا تخطئ الإحاطة برائحة الأشياء وجواها الحقيقي وعلاماتها المائزة..
ولعلنا في قراءة هذا الكتاب ومقاربة مضامينه ومستوياته النصية.. وأبعادها في ضميرنا الثقافي.. نستعيد رائحة الزمن والناس الذين سجلوا حضورهم مبكراً في ذاكرتنا الثقافية.. ليشكلوا آنذاك فصلاً من فصول القيم المعرفية والأخلاقية.. نتصل بها إلى ما ألفينا جهود أعضاء هذا النادي.. وإرهاصات وجوده المبكرة المتمثلة في الأسر والجماعات الأدبية التي شكلت عبر التاريخ القريب في المدينة المنورة حيث كان حضورها المؤثر في الحركة الثقافية مكانا لكل واحد من أعضائها إسهام فيها وفق رؤيته وقدراته.
والكتاب الذي بين أيدينا.. ليس سفراً ثقافياً أو أدبياً فقط.. وليس مدونة تستوجد قيمتَها من قيمةِ مؤلِّفها! أو تتشكل أهميتها من موضوعِها فقط..!
إنه - أو كما أراه - تحريرٌ لقيمة ثقافةِ الإنسان والمكان.. وتعبير عنهما..!!
أو هكذا تكشف مضامينه ودلالاته..! عابرة بنا الحيز النسبي لحضور المؤلف.. إلى الفضاء المطلق لحضور المكان.. كقيمة ثقافية وحضارية..
فالخطراوي هو المرتكز الموضوعي الذي يحتل مكانته في سياق مشروعه الثقافي منذ أصدر (الحياة الاجتماعية الأدبية والسياسية بالمدينة في العصرين الجاهلي والإسلامي).. و(عارف حكمة حياته ومآثره).. و(مدرسة العلوم الشرعية والموقع التاريخي الرائد)..
وكذلك تحقيقه لأربعة دواوين شعرية لشعراء مدنيين هم (محمد أمين زللي وعمر بري، وإبراهيم الأسكوبي، وفتح الله النحاس).
وترجمته وجمعه لإنتاج ثلاثة من أدبائها هم: (محمد عالم أفغاني ومحمد سعيد دفتردار وعبدالرحمن عثمان). كما خص المدينة بمجموعتين شعريتين هما (ثرثرة على ضفاف العقيق) و(على أعتاب المحبوبة).
فهذه المؤلفات تستقل وتأتلق عبر منظومة معرفية واحدة.. أو ما يمكن وسمه بوحدةِ الموضوع فهي عن المدينة المنورة.. ماضيها وحاضرها أدبها وأدباؤها وحركتها الثقافية. وهو ما يؤكده المؤلف بقوله: (وقد بدأت الفكرة رغبة في إكمال حلقة مهمة من تاريخ المدينة المنورة الأدبي) ص3.. ذلك التاريخ الذي عني به مبكراً منذ أكثر من أربعين عاماً..
وفي سياق هذه المنظومة من المؤلفات.. يتجلى لنا الاعتبار الذي احتل مكانته في رؤية الخطراوي، ووعيه بقيمة المكان المعرفية.. والتزامه القيمي بما يترتب على ذلك المبدأ من استحقاقات التزمها وحاول تحديد مكوناتها واستنطاق ثرائها والتعبير عنه.
و(أسرة الوادي المبارك في الميزان) ليس إلا وحدةً في هذه المنظومة من المؤلفات.. ودليلاً على وعي المؤلف بأهميتها وسألخص قراءتي لهذا الكتاب.. عبر مستويات أزعم أن الكتاب قد استوفاها وحققها.. وهي كما يلي:
المستوى الأول: (الأخلاقي) القيمي:
فالمؤلف يذكر في المقدمة أن من ضمن البواعث التي قادته إلى تدوين هذه المسيرة إلحاح صديقه ورفيق دربه (محمد هاشم رشيد) عليه في التاريخ لأسرةِ الوادي المبارك. وكلاهما من مؤسسيها وأعضائها الفاعلين..
فقيمة الوفاء لذلك الصديق تتجلى في الاستجابة للرغبة المشتركة في التأريخ لأسرة الوادي المبارك ومن ثم الشروع في التأليف.. ورصد مسيرة الأسرة.. وتوثيق تاريخها ومراحل نشأتها للأجيال.
وقد تولَّد عن هذه القيمة من سبب قد يُعد (مفارقة) في هذا الشأن.. فالسبب الذي يورده المؤلف في المقدمة هو (الموت) موت أعضاء الأسرة كما يذكر الخطراوي واحدا بعد الآخر..؟
(كان التأريخ لأسرة الوادي المبارك بالمدينة المنورة حلما يراود أعضاءها.. وأملا يداعب أجفان بنيها، وبخاصة حينما تلقف الموت مؤسسيها واحدا بعد الآخر ولم يبق منهم إلا أقل القليل) ص3
فالموت هنا.. ينزاح من دلالته الوجودية كسنةٍ كونية.. تنسحب على الأشياء كما الأشخاص، وبه ينتهي وجود الاشخاص والأشياء.. إلى دافع نحو الحياة.. فالكتابة عن الاشخاص والأشياء حياةٌ لها.. وذكر يبقى بعدها.. تَرِكتِها التي يتلقاها الأجيال بلا وصايا تقصى أو تحور أو تجحد، بل مشترك يعم نفعه ويتنامى ويتفاعل ويبقى.
فالكتابة حياة.. والموت هو الدافع نحو هذه الكتابة الحياة.. تدوين سيرة حياة (الأسرة) يمنحها إشراق البقاء في ذاكرة الإنسان بمعنى أنه يمنحها حياة جديدة.. وعنصرا خلاقا يبدع ويضيف.
كما حرر المؤلف خطا للوفاء بحق أصدقائه الذين رحلوا وأعضاء أسرته الذين تلقفهم الموت.. بأن أعاد كتابة سيرةٍ للمشترك الثقافي الأدبي.. الذي وحدهم وجمع بينهم.. بل كان أباً لهم.. أو هكذا كان الوادي المبارك.. منذ اختاره محمد هاشم رشيد وحسن صيرفي ومحمد العامر الرميح رمزاً لهويتهم الأدبية. ووعياً بالقيمة الرمزية لهذا الوادي في تاريخ المدينة وسياقها الحضاري بعد ذلك.
وكأن الكتابة تعد تحقيقا للحلم الذي يذكر المؤلف أنه ظل يراود أعضاء الأسرة ويداعب أجفانهم..!! يؤزه الموت على سرعة تحقيقه ويدفعه إلى التعجيل بالقيام به..
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
أوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved