فاروق يا راوي الأيام من شعري |
خطابُك العذب أندى العشبَ في الصخر |
البعضُ حيٌ.. ولا حيٌ يراسله(1) |
وأنت تكتب لي حتى إلى القبر |
أرسلتَ تخبرني عن خلقكم لغةً |
للشعر مشبعةً بالفن والسحر |
نصالُها في عمود الشعر يغرسها |
من حرّرَ الشعرَ من وزنٍ ومن بحر |
حتى القوافي رأوها حاجزاً سمجاً |
يَحُدُّ من دفقة الإشعاع في الفكر |
فالشعرُ أيُّ كلام.. كلُّ خاطرةٍ |
تموج في الرأس.. نُلقيها على الحبر |
وكلما ضاق مهمومٌ بزفرته |
أو صاح من ضُره يا كاشفَ الضر |
أو مالَ نحو طبيب الجلد يخبره |
عن حكّةٍ.. صار فيكم شاعرَ العصر |
لا تحسب الشعر يعلو النثر في شرف |
قد شرَّفَ النثرَ آيُ الله في الذكر |
نَهجُ البلاغةِ.. قسٌّ.. في فصاحته |
وأكثمٌ(2) غُررٌ.. تبقي على الدهر |
ما عَلّمَ اللهُ نَظْمَ الشعر مُرْسَلَهُ |
لكنْ.. حديثُ رسولِ اللهِ.. كالدر |
الفكرُ ماسٌ.. ويغدو حين ننظمه |
عِقْداً تُعلِّقهُ الحسناءُ في النحر |
مكثفٌ.. مثلما خبأتَ متئداً |
حقلاً من الزهر في قارورة العطر |
وشاعرٌ كلُّ من تكويه فكرتُه |
إنَّ البخور.. يبوحُ الطيبَ في الجمر |
مَنْ نحن.. لولا زهير قام ينصحنا |
أو لم نذق حسرةَ الخنساء في صخر |
ولم ننل من أبي تمامِ نشوتنا |
وما أفاق أبو نوّاسَ من سحر |
لا بحتريّ إلى الإيوان يُدخلنا |
أو منبجيٌّ(3) يناجي الورقَ في الأسر |
نسمو مع المتنبي اعتلى قمماً |
الغصنُ للطير.. والعلياءُ للصقر |
فاروقُ.. من للقوافي حين نهجرها |
والشعر كالمهر.. إن قيدته يجري(4) |
ما جدد العطرَ كسرٌ في زجاجته |
بل إن نلونَ ما نجنيه من زهر |
الشعرُ صنعةُ من عانى ليسعدَنا |
وكابدَ الليلَ في جَهدٍ وفي صبر |
وقام في غده.. بالفنِّ يُمتعُنا |
والنقشُ يُظهرُ كم عانيتَ في الحَفر |
قد حرروا الشعرَ من وزنٍ وقافيةٍ |
ووصمةٌ أن يُسمّى الفنُّ بالحُر |
ما حرروا الطبَّ من تعقيم آلته |
ولا المهندس مستغنٍ عن الجبر |
إن القيودَ مطايا مَنْ يُطوعُها |
وتترك الهاويَ المسكينَ في خُسر |
ودون وزنٍ له.. يعلو.. وقافيةٍ |
يظلُّ في النثر ما يدعونَ بالشعر |
إن الرتابة إيقاعٌ يرافقنا |
ما دام يُسمع نبضُ القلب في الصدر |
والشعر كالرقص، والإيقاعُ يُسعفنا |
في نقرة الحزن أو في دبكة(5) النصر |
فاسحبْ نصالكَ إنَّ الشعرَ ما رفعوا |
عموده.. فوق أبراج من السحر |
حفيدُ شوقي.. فزدْ في زهر روضته |
ومرتعُ الشعر مثلُ النيل في مصر |