الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات
أديب.. قوس قزح(2)
بقلم/علوي طه الصافي

قلت في الحلقة الماضية عن الأديب المعروف (عبدالله نور) إنه يمتلك ذاكرة حافظة جيدة مستشهداً بما سمعته في أحد المجالس وهو يلقي قصيدة (الشنفرى) عن ظهر غيب، وقد أكد ذلك في الحوار الذي أجرته معه مجلة (اليمامة)(1) حيث قال إنه يحفظ ديوان عنترة بن شداد إلى اليوم رغم مرور عشرات السنين على حفظه للديوان لإعجابه بالفارس الشاعر (عنترة) حتى أنه يعتز باللقب الذي أطلق عليه (ابن السوداء) لأنه كان الوحيد في حارته لونه أسود، مما يجعلنا نضيف صفة (راوية) عليه في زمن ندر فيه الرواة الذين قرأنا عنهم في كتب التراث من أمثال (حمَّاد الراوية)، وإن وجد في عصرنا راوية يمني هو (أحمد الحضراني) الذي تعرفت به قبل ثلاثة عقود في الطائف، وكان في أخريات سني عمره، وكان راوية أعجوبة كما قال عنه الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله، ومن حسن حظي أنني أجريت معه حواراً نشرته في مجلة (اليمامة) حين كنت أعمل فيها متعاونا في الفترة المسائية، وسوف أنشر هذا الحوار مع غيره من الحوارات التي أجريتها مع أدباء عرب في كتاب إذا مد الله في عمري.
معذرة لهذا الاستطراد الذي جره الحديث عن ذاكرة (عبدالله نور) الحافظة، لكنه فاجأني بعكس ذلك، وأن ذاكرته بدأت ربما مع تقدم السن تنفلت، فقد ذكر في حواره مع جريدة (البلاد) الذي أشرنا إليه في الحلقة السابقة أنه من مواليد عام (1357هـ) بينما ذكر في حواره مع مجلة (اليمامة) أنه من مواليد عام (1350هـ) والفرق بين التاريخين سبعة أعوام!! فإذا كان هذا التناقض في تاريخ ميلاده قد ورد على لسانه، وهو ما يزال على قيد الحياة، فأي التاريخين نأخذ به، وماذا سيكون عليه حال الدارس لحياته وأعماله في المستقبل؟ وهو يعرف أن تواريخ ميلاد ووفاة كثير من الأدباء ما تزال قضية جدل بين الباحثين والدارسين!!.
وحين ألمحنا إلى تشتت اهتماماته، وتعددها فقد أضاء من خلال الحوارين أن تنقلاته في حياته بين مكة، والطائف، وبدوها، والرياض والقصيم ربما أثرت على عقله الباطني فأفرزت شخصيته القلقة التي يحكمها المزاج الذاتي الذي ذكرناه، بل كشف عن داخله في حوار (البلاد) حين قال:إن (روحه تميل إلى الصعلكة) مفسرا ذلك بأنها طبيعة العالم والفنان الحساسين الرقيقين!!.
وهو حر في هذا التفسير الذي لا نستطيع تعميمه على إطلاقه بحيث يشمل كل علماء العالم وفنانيه، لهذا لا نستطيع أن نأخذ تفسيره على علاته، لأن غالبية علماء العالم وفنانيه لم يكن من طباعهم الميل إلى الصعلكة، فلو كانوا كذلك لما استطاعوا أن ينهضوا بعلومهم وفنونهم الكثيرة والمتعددة والمتنوعة والمتجددة، ولما كان للبشرية هذا التراكم المعرفي الواسع، والإرث الحضاري الذي كان معطى لأعمالهم على اختلاف الأجيال، وإفرازات ذهنيات علمية وفنية!!.
العلم تقنين و(لوغاريتمات) وأرقام حسابية، وخطوط ودوائر هندسية، وتقعيد وتأصيل، وهذه الأدوات تحتاج إلى عقلية منظمة، وإلى ضبط وانضباط، وهي لا تتحقق إلا بالنظام والتنظيم في الصعلكة،.
والفن إبداع وتجدد وتجديد له روافده التي يستمد منها توهجاته، وتألقه، وتلألؤه، وسطوعه، وإشراقاته مما يتنافى مع روح الصعالكة، والفنان كما قلت أيها العزيز (عبدالله) عنه بلسانك (طاقة متفجرة)، طاقة جامحة وقوية ونشطة، وهو كلام عقلاني ومنطقي نشاركك فيه، لكن لا نوافقك إذا أخذت صفة (جامحة) بمعنى الانفلات والصعلكة والفوضى!!.
ولكي لا نأخذ قولك مبتورا فنتهم بأخذ ناقص، ولأننا نبرأ بأنفسنا أن نأخذ جزءا من نصك لتوظيفه بما يتناسب وما نريد قوله، لأن بتر النصوص بأخذ بعضها عن سياقه الأصلي مسألة تخرج صاحبها عن الأمانة العلمية التي تفرض علينا أخذ النص كاملاً، وهذا هو نص قولك كاملاً:
(أما الاتهام الذي يوجه إليَّ من بعضهم بأنني كسول، فإنه اتهام غبي، اتهام بليد، الفنان طاقة متفجرة، طاقة جامحة وقوية ونشطة، لكنه رغم ذلك عندما ينظر إلى عمله بعين الاحتقار والازدراء، يميل إلى الاكتئاب الأسود، الاكتئاب الانتحاري، وتعتريه عوامل الاحباط والوساوس من صميم قلبه، وأرجو من القائمين على الثقافة في البلاد العربية أن يهتموا بهذه النوعية من الناس، هؤلاء الفنانين الضائعين المتجولين الهائمين الطيبين الندامى. ينبغي أن ينظر إليهم بعين الإجلال، وأن نعطيهم حقهم، وينبغي من الأكاديميين أن يتحرروا من المصطلحات البليدة حينما يوجهون تهمة الكسل إلى من لم يؤلف، أو إلى من لم يصدر كتابا، فينبغي عليهم أن يقوموا بدورهم، وأن يشرحوا للمعنيين في البلاد العربية القائمين على الثقافية، وأن يشرحوا لهم أن للفنان طبيعة طفولية تحتاج إلى رعاية، وإلى احتضان. إن الفنان العربي ضائع، فلا تسألني لماذا لم أطبع؟).
إن كلامك الطويل هذا يا أخ (عبدالله) يحتاج إلى نقاش أطول تضيق به مساحة النشر!.
ولقد صعقت حين قلت لليمامة إنك رضعت من ما يقارب (50) امرأة!!.
أي طفل أنت؟ هل أنت محظوظ إلى حد أن ما يقارب (50) امرأة يتهافتن على إرضاعك؟ أم أنها زلة لسان؟ أم مجرد خطأ مطبعي بزيادة الصفر على الرقم (5)؟ ألا ترى أن الأمر مثير للدهشة والاستغراب، ولاحترامي لك سأصر على أن أعد المسألة لا تخرج عن كونها خطأ مطبعيا، فهل تتقبل مني هذا الإصرار الحميم، أم أن ما نشرته المجلة صحيح، وكيف حدث هذا؟
أما مخطوطاتك التي مضى عليها عقد من الزمن هل ترى فيها ما يعانق أحلام هذا الجيل، أو يتعايش مع همومه وقضاياه التي تشغله، وتؤرق نفسه، وتغتال تطلعاته، وتزرع متاهات السراب الخلب في طريقه المفروشة بالهزائم وهل ستثير حراكاً في جسد ثقافتنا وأدبنا؟ أضع هذا السؤال مع تقديري لجهودك في مجال تلك المخطوطات التي ذكرتها وأعلم أنك تعلم أننا نعيش عصر الغابة حيث لا أمان ولا حياة فيه للضعيف.
وأعلم أنك تعلم أيضا أن (فخ العولمة) أو سيلها الجارف يتطاول بعنف وقوة ليلتهم الضعفاء دولاً وشعوباً.. فماذا أعددنا لها بصفتنا ندعي أننا (مثقفون)؟! أليست هذه (العولمة) هي الأخطبوط الاستعماري الجديد في شكل جديد، وبأساليب متلونة كالحرباء؟!
إنني معك أن ما يحدث لنا وحولنا هي ليست مسؤوليتك وحدك، أو مسؤوليتي وحدي.. إنه مسؤولية قرون من اليباب والكسل والاتكال والدعة التي ورثناها من التاريخ جيلا بعد جيل مع شديد الأسف،
الجديد أيها العزيز (عبدالله نور).
وبعد هذا (التوهان) الذي جرنا في (دهاليز) أفكارك في حوارين فقط معك وما أكثر الحوارات التي أجريت معك نشرا في جريدة (البلاد) ومجلة (اليمامة) كما أشرنا الى أعدادهما وتواريخما للتوثيق والأمانة والمودة!!.
قلت بعد هذا (التوهان) الذي شرَّق وغرَّب اهتماماً منا بك، وبدورك الأدبي، وتقديراً لمكانتك في أذهان القراء يسعدني أن أهديك قصيدتك (اليتيمة) لأنني لم أقرأ لك غيرها، وهي بعنوان (كتبت اسمك على صوتي) هذا العنوان المأخوذ من قصيدة الشاعر المعروف الأمير (بدر بن عبدالمحسن) وغنَّاها الفنان الراحل (طلال مداح) رحمه الله ثم أضفت تحت العنوان عبارة (مائة صوت لهارون الرشيد، مهداة للذؤبان، ومشعل السديري).
ويلاحظ القارئ عليها نقاطا مقوَّسة لا ندري فيما إذا كانت لمفردات حذفها الأخ (محمد الحجلان) المشرف على صفحة (مشوار السبت) المنشورة بجريدة (الرياض) تاريخ 98 1395هـ أي قبل (30) عاما لعدم مناسبتها للنشر، أم أنك أنت الذي وضعت النقاط داخل الأقواس لسبب في بطن الشاعر كما يقال؟!
وآمل أن تعدها هدية أقدمها مع (طاقة ورد) رمزاً للود والاحترام الذي بيننا منذ منتصف الثمانينات الهجرية بعد القرن الـ(13)، وهذا نص القصيدة كما نشرت رغم مداعبتك العنيفة الواردة خلال القصيدة:
الجد كندة والبنون أنا..(؟؟)
وأنا البنون كتاب صوت خطه شيخان..
قد جفا من العرق
وخبأناه في العينين.. لكن ضاع في الطرق
وقد قيل الذي قد قيل يا كندة
(عطيل) قال: إني صوته.. وأنا (...)
و(ماكبث) قال: إني خائن.. وأنا (...)
و(مشعل) يستعيد (مهندساً) عنده
جمعتُ الليل في صمتي
ولفقت الوجوم الرحب في (صوتي)
وقلت وداع
وأقسم لم أكن صادق
وكان خداع
ولكني قرأت رواية عن شاعر عاشق
أذلته عشيقته
فقال: وداع
إذا بك أنت صدقت..،
وهاأنذا كعنترة أضيع بضيعة الفرسان
أضيع كما يضيع الصوت في الورق
ودربي..
(كالجحيم من الجحيم إلى الجحيم)
و(مشعل) خائف يخشى من الغرق
ويسرق كل ما قد كان من رفده
ويعطي كل ما قد ليس من عنده
إذن
فالجد كندة والبنون أنا
سنبني هاهنا مدناً
ونهدم هاهنا مدنا
ونضحك كلما (الحجلان) غالط في الجوى السفنا؟
ومن يدري لعل (الصافي) المجنون (2) لا يدري
لعل (الماجد) المشغول بالعذري
وعل لعل، هذا الصاحب (الجفري)
عساه اليوم (يستشري)
وبح الصوت كا(لخمعان) وكلهم أنا
وكلهم (دانا)
وأنت وكلهم (صوت)
وأنت وكلهم (موت)
وأنت وكلهم (فوت)
ونحن جميعنا في الشرق نبلع قصة الشرق
وجوى كندة وأنا البنون
أنا البنون أنا
وأنا البنون كتاب صوت خطه شيخان
قد جفا من العرق..
وخبأناه في العينين.. لكن ضاع في الطرق
ويبقى في الدجى العمل المعتم في كوى الدرق.


alawi@alsafi
ص.ب (7967) الرياض (11472)
(1) العدد (1086) تاريخ 2631425هـ
(2) سامحك الله.

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved