الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

تأملات في كتاب (حكاية الحداثة) للغذامي«1»
عندما يتحول المشروع الثقافي إلى أزمة
سهام القحطاني
يضعنا كتاب (حكاية الحداثة) وجهاً لوجه أمام مواجهة علائق جدلية الرفض لتجديد المشروع الثقافي داخل المجتمع السعودي، محللاً مسوغات هذا الرفض وتصادميته مع التجديد، بادئاً من البنية نحو خطية النسق والنظام والعقل الجمعي.. أو كما أوجزها أستاذنا الكبير الغذامي بقوله: (هي قصص تحكي قصة مجتمع وقصة ثقافة وهي قصة صراع الأنساق، ولهذا قررت أن أرويها) ص9.
عندما نريد فهم التاريخ الماضوي لأي مجتمع، علينا أن نفكك ظواهر ذلك المجتمع وصياغتها في أفكار رئيسة (فعلم الأفكار) يساعد في دراسة آلية تكوين الأفكار في الذهن الإنساني ويسعى إلى كشف أوهام المطلق للرؤية، التي تهيمن عليها التقاليد والمعتقدات والأفكار الموروثة.
إن محاولة إيجاد علاقات ترابطية بين ذهنيات المجتمع وتنظيماته المختلفة، ومواقفه من التغير الفكري يساعد على معرفة أسباب أزمة الرفض لأي مشروع إصلاحي أو ثقافي.
وهو بذلك يوجد أولوية اعتمادية للعلاقة بين السلوك والفكر ومتتاليات التغير، باعتبار أن التغير (انتقال من حالة إلى حالة مختلفة)، والأمر في ذلك ليس باليسير، أقصد عملية الانتقال، لأنها تحمل جدلية مترامية الأطراف تتوزع بين المتغير والثابت للحامل الأساسي وموقف التصور الجمعي من الناتج، الرفض أو القبول، التآلف والتنافر، فالتغير دافع للتحول والتفاعل أو التبدل والانتقال، والحالة كونها جسم التجربة الخاضعة للتغير قد تمثل للمجتمع نظاماً أو نسقاً، باعتبارها التشكل الخاص للشيء إما في ذاته أو في علاقته مع البيئة المحيطة به، وهذا بالتأكيد مفهوم غالباً غير صحيح لأن الثبات لا يخضع للتغير في حين أن المتحول (جسم التجربة الحالة) هو الخاضع للتغير وهذه من المبادئ الأولية للسنة الكونية، إذن جوهر التطور كونه ناتج التغير يسعى إلى إيجاد اتفاق فعال بين الثابت والمتحول، إضافة إلى أن التغير مرحلة لاحقة تستلزم إعدادات مسبقة مقصودة من خلال الخطاب الديني والتعليمي والثقافي والاجتماعي.
الإشكالية أننا محكمون بتصور جمعي، أو دعوني أخرجه التصور الجمعي من دائرة الإشكالية، لحيز مسألة الاستسلام، لماذا نحن نستسلم للتصور الجمعي فيما يتعلق بمضمون التغير وبأشياء أخرى؟
لاشك أن التصور الجمعي يمثل مرجعاً مهماً في تشكيل هوية الفرد الاجتماعي، والمثقف مهما بلغت مسافات انفصاله عن ذلك التصور ورفضه لهيمنته لا يستطيع إلغاء أثره عليه على الأقل على مستوى السلوك الاجتماعي واللغة الاجتماعية والشكل الاجتماعي، وأحسب أن الدكتور الغذامي الرافض للتصور الجمعي كان متمسكاً في ذات الوقت ببعضه كالسلوك واللغة والشكل، هذا إذا تجاوزنا اللا وعي المستوطن الأساسي لذلك التصور.
والتصور الجمعي لا يمارس هيمنته على غير المتعلمين، بل والمتعلمين أيضاً، فما الذي جعل أساتذة مثل (الشيباني وباقادر وتنباك) يتراجعون عن مناقشة قضية الحداثة وطرح جدلياتها أمام المجتمع في رأي الغذامي تعود (إلى قراءة كل واحد من هؤلاء للظاهرة الاجتماعية، واعتقاده بعدم استعدادها لقبول أسئلة بحثية يرى كل واحد هنا أنها أسئلة شائكة ومحرجة، وبما أنها شائكة فإن ضررها الشخصي والاجتماعي أكبر من نفعها)، (إن وعي الفاعل البشري) هو الذي يحول الظاهرة الاجتماعية إلى نظيمة، وأظن أن موقفهم هو موقف (حكيم) لعلي أجد هذا الوصف أقرب وصف لتحليل موقف هؤلاء الأساتذة، لأنهم فهموا الخطاب الاجتماعي السائد، فهموا أن تغير التصور الجمعي نحو الحداثة ليس مجرد مناظرات منبرية ولا مقالات فلسفية تقريرية، المجتمع لن
يستوعبها كوسيلة تعليمية، إنما يحتاج الأمر إلى تفكيك البنية التحتية لثقافة المجتمع، وهذا أمر يحتاج إلى خطط ومناهج طويلة المدى، إضافة إلى (لب المشكلة) مفهوم الحداثة، الذي همشها أستاذنا الغذامي مكتفياً بمفهومه الخاص، قافزاً من فوق حاجز تراكم المعرفي لهذا المفهوم، أو ما يسميه الدكتور عبدالله العروي القطيعة المنهجية التي تتم عبر (القفز فوق حاجز معرفي، حاجز تراكم المعلومات التقليدية) ولم أستوعب هل هناك تناقض بين العبارة السابقة وما ذكره الدكتور العروي في ذات السياق (أن الخطاب الذي يتسم بالتكامل والشمول يتضمن حتماً خطابين، أحدهما تاريخي والثاني منطقي بالتاريخ يتكون المعقول، وبالمعقول ينتظم الواقع).
إن الحداثة كفكرة أوروبية تقوم على إنكار الثابت في معتقدات الأمم وهذا ما صبغ تواجدها في المشروع الغذامي باللون المحرم، ولم يشفع للحداثة مقصد الدكتور الغذامي منها (التجديد الواعي) وهنا خرجت الحداثة من زيها الثقافي لترتدي الزي الديني لتمثل وجهاً من وجوه الإلحاد والتحالف مع الشيطان، وهذه نتيجة منطقية لتخلف الثقافة السائدة في ذلك الوقت، إن (معالجة التخلف والذي في جوهره تخلف ثقافي لن يكون يسيراً ويستلزم التعرف العلمي الدقيق على خصوصية الثقافة السائدة وبناء الهوية الذاتية للمجتمع والذين حاولوا الإصلاح والتغير من خلال البحث عن ثقافة جديدة مفصولة عن جذور المجتمع وذاكرته التاريخية أصيبوا بالفشل الذريع) عبدالله القفاري
إن مقاومة التغير لكل ما يمس الاتجاه العام للمجتمع بتصوره الجمعي وظواهره الاجتماعية هو قياس لضبط مدى تمسك المجتمع بالموجود الاجتماعي بكافة أشكاله وهكذا تصبح (ردود الفعل المضادة على أساس أن الفعل المضاد هو الذي يكشف الحس الاجتماعي، بما أن الرفض له أسبابه الجوهرية وبما أنه علامة على طريق تفكير المجتمع وتصوره لنفسه وموقعه التاريخي.. أن القصص الاجتماعية حكايات وهي في ذات الوقت رموز كاشفة.. بما أنها علامات ثقافية تخبر عن نسق ثقافي وعن المضمر الاجتماعي) حكاية الحداثة ص9 إذ أن تلك القصص هي البنية الباطنية للمنظومة الفكرية التي تعكس النظام الاجتماعي والنمط الثقافي المعبر عن الرأي العام قوة الرفض ومقاومة عدم الاستجابة.
ولنبدأ الأمور من دلائل (التجديد الواعي) أي من مبتدأ صياغة رسمية لمفهوم الدولة والوطن والمجتمع والأمة، ولا شك أن هذه الصياغات كونت رموزاً ثقافية، رغم أهميتها إلا أن الخطاب الثقافي لم يتبناها بشكل سليم، ولذا لم يكن لها تأثير مهم في تفعيل التجديد الواعي على مستوى التصور الجمعي طبعاً
باستثناء مجهود العواد في قصيدته الوطنية، وحمزة شحاتة.
إن مشروع إنشاء جماعات وظيفية (توطين البدو) خطوة إجرائية واعية لخلق مجتمع بمفهومه العلمي أي النظمية (مجموعة من النظم الاجتماعية التي تتفاعل مع بعضها وترتبط وتتعاون لتحقيق أهداف اجتماعية من أجل التنمية الشاملة) والنظام الاجتماعي (النسق المنتظم من الممارسات والأدوار الاجتماعية التي تدور حول قيمة معينة أو مجموعة من القيم) رويتر هو البطل في الخطاب الاجتماعي لأنه ممثل السلطة.
كان توحيد الخطاب السياسي للدولة من خلال مشروع توطين البدو خطوة مهمة بعد توحيد خطابها الديني من خلال الدعوة السلفية على يد شيخنا رحمه الله محمد بن عبدالوهاب، والتفاف مجتمع شبه الجزيرة العربية حول المشروع الإصلاحي الديني الذي تبناه رحمه الله واعتناقه ومناصرته، مثل خطوة مهمة في مرحلة تأسيس مفهوم المجتمع الواحد، والانتقال من مرحلة المجتمع التعاقدي إلى المجتمع التراحمي وهي الخطوة الأولى نحو تغير العقل الديني والاجتماعي الذي كان سائداً في شبه الجزيرة العربية، وبذا أصبح المجتمع بعد توطين البدو يتمتع باستقرار ديني وسياسي.
وهذا بدوره حول المجتمع السعودي إلى مجتمع ديني، مع مركزية شبه مطلقة للسلطة الدينية.
لذا لا نندهش عندما تتبنى السلطة الدينية في المجتمع دور المعارضة للحداثة وتجند لها وسائلها المختلفة من كتب وشرائط كاسيت وخطب دينية وتربط فكر الغذامي بمدى التزامه الديني وإخراجه من دائرة السلطة الدينية الثقافية السائدة في المجتمع سلوكاً كقول الأستاذ رضا لاري (الغذامي زعيم الحداثيين لكنه يصلي) وتغير اسمه من (عبدالله إلى عبد الشيطان).
إن نموذج التوطين أسهم بلاشك في وحدوية عامل التواجد والهوية للبنية الأساسية للمجتمع السعودي الذي حول الأفراد في شبه الجزيرة إلى وجود ميكانيزمي ذي وحدة عضوية، لكنه في المقابل أسهم في خلق الانعزال الثقافي للطبقة الاجتماعية الجديدة، ليخلق لدينا ثنائية ثقافية (بدو وحضر)، والحضر بدورهم كانوا جماعات من أجناس عربية وآسيوية مختلفة استوطنت منطقة الحجاز منذ عهد الأتراك والتبادلات التجارية المختلفة، إضافة إلى طبقة العبيد المحررة، اختلاف الجذور في المجتمع السعودي، كانت له إيجابيات وسلبيات، من إيجابياته أنه أسهم في دفع الحركة العمرانية والاقتصادية والفكرية في المجتمع السعودي ما قبل عهد الطفرة، أما سلبياته فقد أوجد فجوة ثقافية كبيرة بين العقلية البدوية والحضرية في ذات المجتمع، مما أدى فيما بعد إلى الصراع الفكري في قضية التجديد والقديم، إضافة إلى خلق التعنصر القبلي، ورجعية الفكر البدوي الذي سيطر على المجتمع السعودي حتى اليوم وهذا ما يفسر لنا (الانكفاء) من خلال العودة إلى أشجار النسب والعصبية وتغيير الأسماء، كل تلك الأشياء قد تبدو حالات استثنائية، لكنها في حقيقتها تمثيل مباشر للتصور الجمعي الذي تعود جذوره إلى البنية البدوية، وهو ذاته الذي أوجد الفجوة الكبيرة بين التحديث الشكلاني للمجتمع والتحديث الفكري. وغياب (الإنسان الحديث).
سيقول البعض إن هناك مجتمعات متعددة الأجناس متقدمة مثل أمريكا.. ولكن رغم الأجناس في أمريكا لم تكن هناك ثقافة مسيطرة.. بل ثقافات اندمجت مع بعضها البعض فكونت الثقافة الأمريكية، لكن المجتمع السعودي كانت مشكلته سيطرة الثقافة الواحدة (البدوية) والتي ما زالت تسيطر حتى اليوم واندماجها مع السلطة الدينية، وهو ما يسبب أزمة لأي مشروع ثقافي نهضوي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved