الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

أعراف
نبتة الصقيع الحكيمة
محمد جبر الحربي
لن أكتب هنا عن مجموعات حكيمة الحربي القصصية التي سعدت مكتبتي باستضافتها، وهي (حلم في دوامة الانكسار) في طبعتها الثانية، الطبعة الأولى 1998، (قلق المنافي)، وقد طبعتها مطلع العام 2004، و(سؤال في مدار الحيرة)، (نبتة في حقول الصقيع)، وقد صدرتا أواخر العام.
لن أكتب عن هذه المجموعات، ولن أتعالم، وسأترك ذلك للعالمين بعوالم القصة ونقدها لأن ما يحفزني للكتابة هنا هو حكيمة الحربي، بمثابرتها وجلدتها وتطور قدرتها المتسارع، ورغبتها في التجاوز وحماسها لمشروعها، وعنادها للظروف المحيطة بإبداع المرأة، وحرصها على التغلب على مثبطات الحياة، والحواجز التي يضعها الآخرون امام المرأة بشكل عام، والمرأة العاملة المبدعة بشكل خاص.
وحكاية حكيمة هي حكاية العشرات من النساء اللواتي تقابلهن الحياة، وبعض البشر العاجزين من الجنسين، بتجهم وحقد وحسد لا مبرر له إلا الجمال والجلال الذي يتمتعن به.
ولعل ذلك يشبه ما قاله الشاعر:
(وفراشة لا حق لي في قتلها
لكنها كانت هناك من الجمال
بحيث يصعب ان ترى كفيك دون جريمة...)
أو لعله يشبه من ناحية الرغبة لدى القبح في تدمير كل ما هو جميل، وما يتعارف عليه في التاريخ البشري برجم الشجر المثمر.
وحكيمة تكتب من هناك.. من أرشف بقعة في الأرض، من المدينة المنورة، حيث الصفاء الروحي، والبعد النسبي عن مرارات الساحة الثقافية.
وقد يلاحظ المتابع أنها هي مبتعدة بوعي عن الساحة الثقافية بكل تقلباتها، وذلك مما يحمد لها..
والابتعاد الواعي، والصمت المدروس، والحضور المناسب خيارات في يد الفنان تدفعه بهدوء وثقة نحو تحقيق مشاريعه وأحلامه.
وهذا ما كنت أتمناه ل(نبتة في حقول الصقيع)، و(سؤال في مدى الحيرة).
أي أن يكون هناك فارق زمني بين المجموعات لتأخذ حقها الكامل من المتابعة، وليكون لدى الكاتب وقت كاف لتأملها، والانعتاق من أسرها، لكن حكيمة في مقتبل العمر وما زال امامها الطريق والقياس والتجريب الهادف.
وكلنا قد مررنا بأحلام الاصدار الجميلة، والرغبة الملحة في التأسيس خصوصاً عندما نجابه بالإحباطات والمثبطات.
ولعل في ذلك نوع من التحدي واثبات الذات وهو ما يحتاجه المبدع للاستمرار، ويمنعه من الانكسار وبالرجوع للمجموعات نجد ان حزناً عميقاً يغلفها، وان الوانا سوداء ورمادية تظللها، وان حالات اليأس والانكسار والعزلة تحاصرها، وقد يتجلى ذلك في عناوينها:
كنبتة في حقول الصقيع، وحلم في دوامة الانهزام، وقلق المنافي، ومن ذلك:
آه ما اشقى ليالي الشتاء حين تباغتك وتغرسك نبتة في حقول الصقيع، تمنى النفس بليلة دافئة أو برداء يقيك صفعات تيار بارد!!)
أو: (ما أقساك يا ريح الذكرى حين تهبين من أقصى الذاكرة لتعبثي ببقايا أعصاب مهترئة، في أي وقت تتوقع السقوط في بئر الانهيار).
فتحت عينيها.. وقد تمنت لو بقيت زمناً غائبة عن الوعي.. كي لا تبصر واقعاً تمثل لها على هيئة شبح مخيف، لقد غابت الابتسامات، وبهجة الطفولة، وفراشات الاحلام التي تحوم حول ضوء أمانيها وتوقعها، لم يبق الى صدى كلمات طاعنة تنتفض كلما رنت بأذنها:
انت كنت كتلة لا اسم لك ولا رسم.. جذورك مطموسة تحت تربة النسيان، وسياج الكتمان...
واذا ما كان الأديب يكتب واقعه مهما حاكي وتخيل، ويرسم داخله وذاته مهما وارى، ويترجم مكنوناته وان قيل ان اجمل الشعر اكذبه.
فإننا سنقف على الجمر الذي يحرك كتابات حكيمة الحربي.. والمعاناة التي تعيشها هي وغيرها من الكاتبات اذا ما اردن ان يحققن احلامهن ومشاريعهن المشروعة، وان ينلن حقوقهن المحفوظة لهن أساساً دون استلاب.
ومن ذلك حق الاحترام والتقدير لهن من قبل الساحة الثقافية، والجهات الإعلامية الصحفية، والوقوف معهن بصدق كأديبات.. لا كمجرد اصوات نسائية نسعى لسماعها.. او امتلاكها.. او كفراشة الشاعر الذي قتلها لجمالها.. او لانها لم تكن له.
بقى هنا ان نقول: مبروك لحكيمة الاصدارات، ولعلنا نراها في المستقبل القريب، وهي تفتح نوافذ الامل والجمال.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved