الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

الثقافة والعمل
د. صالح زيَّاد
كان ملمح الانفصال بين الفكر والعمل أحد أبرز وجوه أزمة النهضة في المتجمعات العربية الإسلامية لدى مالك بن نبي في إطار معالجاته لمشكلة الثقافة والنهضة، إذ نجده يقول: (إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة، ولكن منطق العمل والحركة، وهو لا يفكر ليعمل، بل ليقول كلاماً مجرداً، بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيراً مؤثراً من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط. ومن هنا يأتي عقمنا الاجتماعي، فنحن حالمون ينقصنا المنطق العملي). ويهمنا أن نقف في ضوء قول مالك بن نبي على ثلاث دلالات:
1 العمل يستدعي التفكير، ومعنى التفكير، هنا، استخدام العقل في تأليف تصور ذهني للوسائل والأدوات والخطط التي تصل بالغايات وتفضي إليها في ضوء معايير الواقع وإمكانياته. فالعمل بلا تفكير تتبلور من خلاله الوسائل والغايات هو حركة مفرغة من الفاعلية ومعزولة عن المعنى الإنساني، كما أن التفكير المجرد عن العمل هو كلام مجرد، هو أحلام، وأشعار، وشعارات تبحث عن معنى يبقى مؤجلاً إلى حين تطابقها مع الواقع وتبلورها في عمل.
هذا العمل الذي يقتضي التفكير ويستدعيه هو الذي ينشئ مع فكر المفكرين وإبداع المبدعين علاقة توالد وتكامل وتلازم، وقد قالوا قديماً: (الحاجة أم الاختراع).
فالاختراع من حيث هو كشف يصل إليه العقل، وثمرة لفعل التفكير، يتولد عن الحاجة التي هي مدلول لطلب ووجه لغرض عملي.
3 التنافر بين العاطلين والعاملين، أو بين أصحاب التفكير المجرد والشاعري وأصحاب التفكير المنطقي العملي والواقعي وتلك ملحوظة تكشف عن طبيعة إشكالية في علاقة الواقع العاطل بالعمل وفي انفصام العمل عن التفكير. خاصة ونحن أمام مسلك ذي بعد جماعي يتجاوز الفرد إلى الأمة، كما أنها ناشئة بالاختيار وناتجة عن الميل والهوى، وتلك هي المعضلة.
3 إن هذه المعضلة ليست عالمية، ولذلك يمكن تمييزها عما يحدث في الأمم الحية والناهضة ذات الحركة المتصلة والافتنان بالعمل الذي يخرج باستمرار عن الرتابة إلى ما يصنع بالاختراعات والاكتشافات علامات في تاريخ حياة البشر، لم تعد في السنوات الأخيرة تفصل حقبة عن حقبة، بل تفرق سنة عن سنة.
هذه الدلالات هي التي ترينا في العمل والحركة بمدلولها الجسدي ترابطاً واتصالاً مع الثقافة من حيث هي الوسط الذي تتكون فيه جميع خصائص المجتمع، وتتشكل فيه تفاصيل وجوده وأخلاقه.
كأن الحركة والعمل الإنساني إذن مفعول لفاعل ثقافي يتجاوز فردية العامل وفاعليته المباشرة، إلى المجموع، أي إلى المناخ الذي يمثله المجتمع ذاته، بما يتضمنه من عادات، وأوضاع اجتماعية، وآثار فكرية، وأساليب فنية وعلمية وتقنية.. بحيث تغدو الثقافة جهازاً لإنتاج حياة الجماعة.
وأعتقد أن الثقافة التي لا يجد الفرد فيها حريته، ولا العقل والخيال وظيفتهما، ولا الوقت قيمته ستغرق في الرتابة والسكون، وسينام مجتمعها على هامش التاريخ.
ولقد كانت شعلة الحركة والعمل والنشاط التي صعدت بالحضارة العربية الإسلامية إلى ذروتها، ثمرةً لمركب الثقافة التي أشعّت في العالمين، بفعل الدين، إشعاعاً انفعلت به وتفاعلت معه البشرية، عبر منظومة من القيم لا تستلب وجود الإنسان بقدر ما تعززه، ولا تذله بل تكرمه، ولا تنفيه فرداً لصالح إثباته جماعةً، ولا تغلق عليه دائرة المكان والزمان بل تفتحهما على الدنيا.. على الحاضر والآتي.


zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved