الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

نصف أنثى
فوزية الحربي
أحاول فتح عينيَّ بتثاقل.. كل شيء يبدو حولي غريباً: الغرفة باردة جداً، وإخوتي يلتفون حول سريري، وهذا صوت بكاء أمي يصل لمسمعي.. زوجي يقف عند أقدامي.
الغرفة لا أعرفها، والملابس التي عليّ لا تخصني.. أصوات تتعالى.. تمتزج بعنف مع طنين الأجهزة، والأسئلة تسقط على مسمعي لا أستطيع ترجمتها... أخي الأكبر بصوته الهادر يردد على الطبيب: هل يعني ذلك انتحاراً يا دكتور؟ قل لي بالله عليك هل هي حالة ........ انتحار؟؟؟
يااااه ماذا يا ترى حصل؟..... أحاول أن ارتفع عن السرير، لكن كانت الإبر تمص دمي، وصدري مربوط بالأجهزة التي تقيس نبضاته المتهالكة.. كانت عيون اخوتي سياطاً من نار أشعر بكيها يلهب ضلوعي.
كان أحدهم يمرر يده على جهاز قياس نبضات قلبي ويتمنى أن تفضح له خفاياها.
أمي تمسح دموعها (بشيلتها) الملفوفة بإحكام على وجهها الطاهر، وبعيوني المثقلة بالهمّ والألم أقرأ حزنها عليّ، أعرف كم هي نادمة على شبابي الذي سيضيع مع هذا الذي يحمل أوراق تثبت ملكيتي.. أتمنى أن أرفع صوتي وأقول لها:
أقسم بالله بأني لم أخطئ بحقكم، واعلمي أني شريفة طاهرة
إلا إذا كان تلمسي لنبض قلبي جريمة
أو كانت مصافحتي له ذات مساء خطيئة.
كان هو يثبت وجوده بوقفه عند أقدامي، لا يبدي أي مشاعر، لم يزعجه أن الطبيب قال محاولة انتحار، ولم يكن ينتظر الإجابة، كل ما يهمه أن يكون هذا الجسد الطري ملك يديه، وليذهب قلبها للجحيم.
يقترب مني أخي، أنتفض خوفاً.. يشد شعري المتناثر بفوضوية على أكتافي بكل قوته وجبروته وملامحه الغاضبة يقول: لِمَ الانتحار ؟؟
هل تريدين أن نكون حديث الناس؟ أنت ساقطة ؟؟
أطبق الحصار على لساني أكثر، وأشيح بوجهي عنه.. هل أقول له بأني أخذت علبة المنوم لأني فقط أردت أن أنام أنام أنام أنام؟ أريد أن أكون في اللا وعي.. أريد أن أخرج من حصارهم لملكوت آخر من الخيال لا تمسه عيونهم وألسنتهم... تقترب أختي تبعد يده عني، تمسح العرق الذي يتفصد من جبيني،
تلمّ شعري وتعقده خلف ظهري، تحاول إقفال أزارير ذلك اللباس الخشن وتستر ألمي المفضوح أمامهم منذ ليلة البارحة في طوارئ المستشفى..
ينسلون واحداً تلو الآخر.. ما عدا هو، ما زال ينصب نفسه حارسا شخصيا، قبل مغادرته يمرر نظرة باشتهاء على جسدي، ويهمس بأذني: كم تبدين مغرية اليوم !!!!
اقتربت أختي مني أكثر، قبلتني، طلبتها ان تتصل به لتقول (تريد أن تموت على صدرك قبل أن تذوب في عالمهم المقفر)، لكنها تهز رأسها بالرفض، وتردد: لا أحد يستحق أن تغرقي بالدموع.. ويرتفع صوت رفضها: لا أحد يستحق منكِ هذا الألم..
كنت أرجوها بكل ضعفي وهواني، قلت لها: ما دام يملك نصف روحي وعمري ونصف سعادتي ونصف ضحكتي ونصف أنفاسي، فهو يستحق.. فأنا لا أستطيع العيش مبتورة.. لا أستطيع العيش نصف أنثى..
وعندما أحرقت دمعتي كفها تناولت هاتفها، طلبت الرقم..
جاء الصوت سريعاً (غير موجود بالخدمة).. لحظتها بدأ طنين الأجهزة يخفت ويتلاشى.. بدأت أنوار الغرفة تغرق بالسواد.. ودمي الأحمر بالأنبوب يتجمد.. وأعود للا وعي مرااااات عديدة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved