الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

النار لا تحرق نفسها
غادة عبد الله الخضير
(1)
كان يشعل الفكرة..
كما يشعل النار..
وفكرة على فكرة..
كجمرة على جمرة..
يخرج بقصيدة..
ويخرج برائحة الشتاء والجمر..
كان يحب الكتابة..
ولازال يحب إشعال النار في الشتاء..
كان يكتب ويقيس وهجه بوهج النار..
لكنه الآن يشعل النار ليختبر مقدرتها على التهام الورق والكتابة معا..
صار يتأمل النار ويعرف أنها وجه الكتابة الآخر..
ولهذا لم يبخل عليها بمزيد من الورق...!!!
اكتشف أن الحبر ليس ماء يطفئ النار..
إنما هو وقود يشعل غريزة الكتابة فيها...!!!
صار يعرف كيف يغري النار بالحطب.. ليصبح صوت الكلمات أعلى..
ويصبح شكلها ملونا بالأزرق والأحمر والأصفر..
ويقصد كيف تصبح مكتوبة باللهب....
هو يشعل النار كل مساء..
عندما تصبح الكتابة عصية..!!!
وفوانيس الروح مطفأة.....!!
والكلمات أيضاً تطفئ نفسها ولا تأتي..!!
لكنه ظل يفكر: لِمَ هي النار لا تحرق نفسها؟
(2)
(صار يحزنك أننا لم نعد نجد الكلمة التي نحتاج صارت الكلمات بعثرة ملل أو شيء يشبه ذلك صارت لعبة نلونها ونرصفها ونبتسم أننا مافهمنا شيئاً منها لأننا لم نعد نشعر بوهجها أو أنها صارت تنقش نقشا من روح باردة..
يحزنك أننا لم نعد نشتاق أو نتلهف أو نحزن أو نفرح أو صار يقتلنا الغياب عن ما يحفز الحياة بداخلنا.. يحزنك أن الحضور والغياب تساويا كجناحي طائر وأنه ما عاد يغري رؤوسنا شيء أو لا شيء..!!!
يحزنك أن الزمن الذي هو أقصر من التفاتة خاطفة صار يلفه الفراغ أو الغرق في اللاشيء، صار الفراغ ينتشر في عروقنا ينتشر في الهواء الذي نتنفسه صار في رغباتنا أو أمنياتنا التي شيدنا ذات نهار.. فراغ ينتهي بالأسئلة الفارغة بدورها..!!!!
يضحك أن الذاكرة (مخزن التاريخ والحكايا) لم تعد تغري، لم تعد حبر أوراقنا أو دموع نحيبنا صارت عرضاً ساذجاً يجعلنا نغلق ستائرها بخجل مضاعف..
تقولين: إن الفرح والحزن انجبا الدهشة ذات امتلاء لكنهما الآن ينجبان في كل دقيقة اعتياد حضورهما كأنما يؤثثان لفراغ قادم تسكنه الدهشة..!!
تفكرين أنه ابتداء من العين التي نحب إلى القلب الذي نشتهي.. فقدنا لمعة اللقاء وطراوة الحديث وابتداءات الشجن والانتهاءات إلى النبض..!!!
تقريرين بحزم فارغ أن حناجرنا صارت أعشاس ببغاوات مطفأة اللون والريش تردد دون غاية أو معنى كلمات نقولها كي نسحب ستار الليل وينتهي النهار..!!
كأننا متنا: تقولينها بمثابرة من يمطئن على نبضه.. هي أجسادنا قبورنا.. هو ضجيج الحياة تراتيل تقرأ لننجو من عذاب الانطفاء الذي نسميه موتا ويسمينا موتى وقبورا..!!!
تقولين:
لا أدري لعل الغد رحب وبراحه متسع.. لعل الليل مخاضه قريب فينجب لنا نهارا وشمسا..!!
لكن أهذا الغد لايأتي؟
أهو الولادة المؤجلة؟
أم أننا فارغو الصبر.. صابرون على الفراغ..!!
ألمك هو إذن أن العالم يتسع وصدره يضيق.. نفسه يتقطع في محاولات بسيطة لهرولة صباح ووجهه الذي يستيقظ من التعب كل فجر صار يسكنه الانتظار.. هو رجل هرم كلما كبر وازدادت خبرته وصور الوجه في ذاكرته كلما اقترب من حافة قبره: هو العالم يقترب من حافة قبره.. أنه يموت ببطء أو هو ينتحر بإبداع...!!! الكلمات لم تعد تقول شيئاً.. ولم يعد وجودها على بياض الورق مخرجا أو متنفسا..هي الأخرى دخلت في كسل المقدرة على الصدق وصار وجودها على البياض (استرخاء) فقط لراحة طويلة...!!!!
الكلمات لم تعد تقول شيئاً.. والأبجدية تشيع نفسها حرفاً.. حرفاً إلى.. الصمت..!!)


ghadakhodair@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved