الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th December,2004 العدد : 89

الأثنين 15 ,ذو القعدة 1425

قراءة في شعر البارودي
سلوى أبو مدين
يرى الكاتب والمفكر العربي زكي نجيب محمود (أن محور شعره هو حاسة السمع) حتى الصور المرئية تكثر في ديوانه وبذلك يخالف الدكتور محمد حسين هيكل في رأيه الذي أورده في مقدمته لديوان البارودي الذي قال فيه (إن البارودي اعتمد في تصويره على حاسة النظر أكثر من اعتماده على سواها). فشعره مطبوع بحسٍ مرهف متأثر بالرنين الموسيقي وذلك بما جرى عليه لسانه من نسق انطبعت في مسمعه وها هو يقول:
ويكني البارودي نفسه بابن الأيك أي الطائر المغرد الذي يترنم ويغرد ويغني، واهتم البارودي بقراءة الشعر ومشاهير الشعراء من العرب وحفظ منهم دون تكلفة، إذاً كان البارودي يسمع ثم ينطق بالسليقة المطبوعة بعيداً عن التكلف. يقول:
أقول بطبع لست أحتاج بعده
إلى المنهل المطروق والمنهج الوعر
ويعني بالمنهج المطروق والمنهج الوعر، هما منهل ومنهج معاصريه في الشعر، فشعره يتصف بالجمال والبساطة ويجري على سجيته.
وقيل عنه (إن المحاكاة للشعر القديم صادرة عنده عن طبع لا عن تكلف، فهو ينساب في يسر كما ينساب الماء من ينبوعه) وقالوا إنه يترنم بطبعه كابن الأيك.
فالبارودي عندما يسترسل في شعره كأنه يتحدث ويصف الشعر الجيد بقوله: وهو لم يكن بحاجة لحفظ قواعد النحو والعروض لنسج شعره في مقتضاها. فالإبداع الشعري عنده (فكرة، فقلب، فلسان) ان الشعر لمعة خيالية يتألق وميضها في سماوة الفكر فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب، فيفيض بلآلئها نوراً يتصل خيطه بأسلة اللسان فينفث بألوان من الحكمة ما أئتلفت ألفاظه وائتلفت معانيه وكان قريب المأخذ، بعيد المرمى، سليماً من وصمة التكلف بريئاً من عشوة التعسف غنياً عن مراجعة الفكرة، فهذه صفة الشعر الجيد، فمن أتاه الله منه حظاً فقد ملك أعنة القلوب). بهذه العبارة الموجزة قالها الشاعر الكبير محمود سامي البارودي، وكان يطلق عليه في عصره رب السيف والقلم. والذي قال عنه الشيخ المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) إنه لم يقرأ في فنٍ من فنون العربية، غير انه لما بلغ سن التعقل، وجد ميلاً لقراءة الشعر وعمله، فكان يستمع لبعض من له دراية وهو يقرأ بعض الدواوين، حتى تصور في براعة .
فشعر البارودي يتصف بقوة اللفظ والبساطة وها هو يقول:
تكلمت كالماضين قبلي بما جرت
فلا يعتمدني الإساءة غافل
به عادة الإنسان أن يتكلما
فلا بد لابن الأيك أن يترنما
فكيف أكتم أشواقي وبي كلف
تكاد من مسّه الأحشاء تنشعب؟
أم كيف أسلو ولي قلب إذا التهب
بالأفق لمعة برق كاد يلتهب
إذا تنفست فاضت زفرتي شررا
كما استنار وراء القدحة اللهب
لم يبق لي غير نفسي ما أجود به
وقد فعلت فهل من رحمة تجب؟
فهذا هو الشاعر الكبير البارودي الذي اعتمد في تصويره على حاسة النظر أكثر من اعتماده على حاسة السمع أصبح منزل البارودي ندوة الأدباء والشعراء وذوي المكانة، يأنسون اليه ويأنس إليهم، ويستمتعون بحديثه، في مجالسهم فإذا خلا إلى نفسه رتب مختاراته وعنى بتنقيح ديوانه يريد إعدادها للطبع، وقد بذل مجهوداً يدل على حبه الشعر وإيمانه به.
وقضى في مصر أربع سنوات ذهب أثناءها ما بقي من بصره.. وفي عام 1904 (السادس من شوال عام1322) توفي البارودي. ولم يكن قد طبع المختارات ولا الديوان، فتولت أرملته التي تزوجها بسرنديب طبع المختارات على جزءين الأول والثاني من الديوان، ويعد ديوانه تراثاً للأجيال بعده وديوانه تمثال عبقرية خالدة لشاعر ملهم نبض شعره بالحياة وأنغامها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved