الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th February,2005 العدد : 95

الأثنين 19 ,محرم 1426

علاقات الشرق والغرب بين النملة وهنتنغتون!
د. عبدالإله ساعاتي
عقب حرب تحرير الكويت وبالتحديد في عام 1993م أطلق المفكر الأمريكي الشهير (صاموئيل هنتنغتون) طرحه الصارخ الموسوم ب( صدام الحضارات) The Clash Of Civilazations تحدث فيه عن صراع محتدم بين حضارة الشرق وحضارة الغرب وخص بالذكر الحضارة الإسلامية العربية.
واستغل (هنتنغتون) بعض الطروحات المتطرفة التي رافقت حرب تحرير الكويت لتأييد طرحه.. بل سرد مقتطفات من أقوال وتصريحات بعض الفعاليات المحسوبة على الإسلام.. يقول في ذلك: رغم أن (صدام حسين) غزا دولة عربية مسلمة واستحلها ورغم أن القوات الغربية ذهبت لإنقاذ الشعب الكويتي العربي المسلم والحماية الوقائية للشعب العربي السعودي المسلم.. إلا أن هناك من أهل هذين البلدين من صرح بأنها حرب صليبية وأن الحضارة الغربية تخطط لغزو معقل الحضارة الإسلامية.. وأنها جاءت لتقويض أركان هذه الحضارة الرائدة ومحاربة أصحابها.. وأن الدافع وراء قدومها إنما هو دافع حضاري نصراني.
طروحات (هنتنغتون) التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية السياسية والتاريخية.. وفي الأروقة الإعلامية الدعائية ظلت تتشبث بالجانب السلبي للعلاقات بين الحضارتين.. وبرؤية ظلامية لمعطيات التلاقي بين الشرق والغرب.
وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أي بعد نحو عقد من صدور مقولات (هنتنغتون) عادت طروحته إلى الظهور في قلب الأحداث لتأكيدها من خلال حادثة الحادي عشر من سبتمبر وللاستدلال بها وبرهنة صحتها.
وتفجر بركان من الهجوم في شكل إرجاف وجهه ضد الشرق والإسلام والعرب.. حيث أصبحت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية الغربية ساحة رحبة لحرب كلامية تجاوزت حدود الموضوعية والعقلانية مرسلة نصالها إلى العرب والدين الإسلامي.. وذلك إلى الحد الذي دفع الكاتب (ريتش لوري) لكتابة مقال في مجلة (انترناشيونال ريفيو) الأمريكية.. يطالب فيه بضرب الكعبة المشرفة قاتله الله بقنبلة نووية انتقاماً من هجوم 119.
** وفي المقابل استفحل أمر التطرف لدى بعض الفئات الضالة ضد كل ما هو غربي في صورة تتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وآدابه السمحة.
** ورغم أن الأمور هدأت نسبياً في الطروحات العدائية في وسائل الإعلام الغربية.. وتقلصت كثيراً في ظل جهود الحكومات المسلمة في مواجهة الفكر والفئات الضالة.
إلا أن الحاجة ظلت ماسة جداً إلى تناول علمي فكري يتلمس جوانب الالتقاء بين الشرق والغرب.. ويبلور مرجعيته وضرورته وحضاريته وأهميته لشعوب وأمم الشرق والغرب والإنسانية جمعاء.
** ومن هذا المنطلق فإن الكتاب الذي أصدره معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة بعنوان (الشرق والغرب.. محددات العلاقات ومؤثراتها) يستقطب أهمية كبيرة.. حيث يأتي في وقت بالغ الصعوبة والاحتياج.
وتزداد أهمية الكتاب في المنهجية العلمية التي التزم بها المؤلف التي تميزه عن الكتب العربية المعدودة التي صدرت عقب أحداث التاسع من سبتمبر التي تمحورت حول انطباعية الرؤية وذاتية التصور.
لقد تناول الكتاب بالتحليل العلاقات بين الشرق والغرب على مدى التاريخ.. واستخدم منهجية علمية تمثلت في تأطير التناول لهذه العلاقات من خلال محددات معيارية شملت: الجهوية، الإرهاب، الحقوق، العرقية، الحروب، اليهودية، الاستعمار، التنصير، الاستشراق، الاستغراب، الاغتراب، البعثات، التغريب، العلمنة، العولمة، الإعلام، الحوار. وهي محددات أثرت في العلاقات حسب المؤلف سلباً وإيجاباً.
واستهل المؤلف كتابه بالآية الكريمة التالية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
يقول المؤلف في التمهيد: (تتعرض العلاقات بين الشرق والغرب إلى قدر كبير من الشد والجذب الفكري والديني منذ قرون، وقد دارت مساجلات فكرية طاحنة حولها ونشأت مدارس فكرية وتخصصات أكاديمية، وظهر على الساحة مفكرون من الجانبين نذروا حياتهم وفكرهم لإعمال النظر في هذه العلاقات نشأةً وتطوراً وتجاذباً بين عوامل التقارب والتعايش أو الفرقة والعزلة والصراع).
ويوضح قائلاً: (ويوظف النقاش حول هذه العلاقات بحسب الرغبة في الالتقاء، أو تعميق الفجوة بين الشرق والغرب، وقد أسهمت عدة محددات في هذا التوجه أو ذاك.
ويأتي هذا الكتاب في محاولة لرصد هذه المحددات التي أثرت في وجود شكل من أشكال الحوار بين هذين المفهومين).
ولقد ركز المؤلف من بين المحددات على (الحوار) ليؤكد من خلاله بالذات على أنه مهما قامت بين الشرق والغرب من مؤثرات سلبية في الماضي والحاضر، إلا أن عوامل الالتقاء والتفاهم والتعايش تفوق تلك المؤثرات التي توحي بخلاف ذلك.
ولقد خلص المؤلف في كتابه إلى النتيجة التالية:
(التأكيد على أن الشرق والغرب ورغم كل شيء يظلان لا يستغنيان عن بعضهما في البناء الحضاري، وفي إسعاد البشرية، وهما شريكان في ذلك، وأن أياً منهما يظل بحاجة إلى الآخر، وأن فرص التعايش والتلاقي بينهما أكثر بكثير وأقوى من دواعي الفرقة والخصام بشتى أنواع الخصام..).
ويحدد المؤلف الباحث سبل تجسيد الفجوة العلاقية بين الشرق والغرب بقوله: (يمكن أن يتم عبر آليات أتاحتها معطيات الألفية الثالثة وكون العالم أصبح قرية كونية صغيرة).
ومن تلك الآليات والمعطيات استغلال وسائل المواصلات والاتصال الحديثة للتقارب بين الشعوب والأخذ بمبدأ الحوار بين الحضارات والأديان وتصحيح الصور النمطية السيئة في وسائل الإعلام الغربي ودعم الفعاليات الثقافية للجاليات والأقليات المسلمة في الغرب والاستفادة من البعثات الطلابية والملحقيات الثقافية للدول الإسلامية والعربية من أجل تعميق التواصل والحوار بين الشرق والغرب. ويتم ذلك التجسيد أيضاً من خلال العمل على الاستفادة من مقتضيات العولمة واستحقاقاتها).
** هذا الفكر العلمي الذي خلص إليه المؤلف يدعونا إلى تكثيف الجهود وتنظيمها على المستوى المحلي وعلى الصعيد الإسلامي لتفعيل استثمار هذه القنوات والأدوات بجدية وحرص وإسراع.. وعلينا أن نلوم أنفسنا على تأخرنا في تقديم شرقنا كما يجب على امتداد قاعدة عريضة في الغرب. فلقد فشلنا في عرض حضارتنا وقضايانا.. وفي ذلك يقول الإعلامي البريطاني المعروف (تيم لولين): (إن التحيز ضد العرب إنما هو ناتج طبيعي لفشل العرب في عرض قضاياهم على الرأي العام الغربي).
ويقول (روبرت شير) في صحيفة لوس انجلوس تايمز: (لا يمكن توجيه اللوم للرأي العام الغربي، لأنه يرى النزاع من جانب واحد).
** وأخيراً أقول إن الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية عموماً والسعودية خصوصاً، فهو يتضمن فكراً علمياً عميقاً وتناولاً منهجياً شفافاً لقضية من أهم قضايانا بأبعادها وتداعياتها المختلفة.
وآمل من أصحاب الفكر المتطرف في شأن العلاقة بين الشرق والغرب أن يقرأوه ويتمعنوا مضامينه الموضوعية.. عندئذ سوف يغيروا آراءهم.
وأرجو أن يترجم إلى اللغة الإنجليزية ليطلع عليه الغرب.. ولاسيما المتطرفين منهم.. عندئذ سيغيروا رأيهم حول العلاقة الواجبة أن تكون بين الشرق والغرب لما فيه صالح البشر.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved