الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th February,2005 العدد : 95

الأثنين 19 ,محرم 1426

هوس البوح في مجاميع القاصة السعودية حكيمة الحربي
عبدالحق ميفراني المغرب *
في قصتها (قلم مكسور) تقول الساردة ان (بنات العوائل لا يثرثرن في الجرائد أمام الملأ)، لكن القاصة حكيمة الحربي أو لميس منصور اختارت عبر مجموعتيها: سؤال في مدار الحيرة نبتة في حقول الصقيع، الكتابة كثرثرة للبوح، ضد النسيان والاغتراب. وإذا كان السؤال الأجناسي يطرح بقوة بحكم ان القاصة لم تحدد على غلاف المجموعتين أي جنس إبداعي أمام أيدينا، مما يعمق من اختيار (هوس البوح)، لكن وفق أي تركيبة سحرية تقترح حكيمة الحربي مدارات هذا الاختيار؟؟.
في سؤال في مدار الحيرة 25 نصا قصصيا، و 24 نصا قصصيا احتوته نبتة في حقول الصقيع.. يذهلنا هذا التطابق التركيبي في عنوان المجموعتين، وتوحد تيمة الانكسار معالم بوحها.. فلا الحيرة أو الصقيع، إلا تعبير مباشر وإشارية قصدية تؤكد معالم التيه المفتوح للقراءة، لهذا تعدنا المبدعة حكيمة الحربي لدسم هذا التيه من أول عتبة تقترحها، أما الشخصيات فيتخذ المؤنث والمذكر تقطيعا متواليا بشكل تظل معه الساردة متحكمة في مسارات الحكي، إذ أن البناء التقليدي يخضع جُلّ هذه النصوص لشروط محددة غالبا ما تتخذ الصدفة خرقها المتواتر..
فالساردة تظل وفيّة لمنطق البوح حتى في أقسى اللحظات التي تكون فيه مجبرة على تمرين كتابي، ولو أن الاقتصاد الملاحظ يفضح حس الرقابة التي فرضته مرغمة كي تظل النصوص لا تجيب على سؤالها بقدر ما تقتصد الثرثرة إلى الحد الذي تصل فيها الشخصيات إلى السقوط والاغماءة:
نمذجات قصص
سراب: فسقطت في هوة سحيقة ص 85
انكسار: أخذتني من دائرة الصمت إلى صخب الموت ص 44
الجسر: واندفع، فسقط.. غارقا بدمائه ص 31
دفتر وردي: فسقطت مغشيا عليها ص 30
طوق الهزيمة: ووقعت مغشيا عليها ص 24
شلال من نور: فلتغادر الروح الجسد ص11
صرخة: ابتلعها الطريق الطويل ولم يبق لها أثر ص 17
الخريف: وزمن السقوط: عاش ومات وحيدا ص 42
قضبان الخوف: بعد ان هربت من لهيب المعاناة.. إلى جحيم أبدي ص 81
إن تيمة الانكسار رؤية جامعة لمعالم النصوص جميعها، ولأن اختيار الكتابة جاء ليعكس هذا الألم الشفاف والاغتراب المضاعف، فقد ظلت الساردة تنطلق من انكسارها لتنتهي فيه سواء عبر شخصية المعلمة، المبدعة، الخادمة، المتزوجة، الحالمة.. وحتى حين اختارت شخوصها الأخرى فقد ظلت مسكونة بنفس الرؤية، مع تحيين هذا السقوط بتوابل غالبا ما يكون سؤال الهوية، والمعنى هو خدرها الأساسي كما في قصص (شوك الألم، شبح الغربة، حنين الماضي).
إن الخروج من شرنقة التيه والسجن الذي يكبل جُلّ شخوص المجموعتين يعني دفعها إلى البوح، وبما ان اختيارها مرجعي وأساسي في كنه معنى الكتابة، فقد اختارت حكيمة الحربي القاصة، أن تكتب ترياقها الاختياري والذي يعبر بالضرورة على بنية عامة تتحكم في السارد النسائي العربي عموما لكن وفق خصوصيات تتمايز من خلالها صوت الأنثى وضمير المؤنث، ولعل هذا الأخير يفصح عن وعي ملحوظ بجدوائية المعنى فيما تذهب إليه نصوص مبدعات عربيات، وهنا يمكننا فَهْم طبيعة العملية الابداعية في الكتابة النسائية.
وبما أن المبدعة هي وليدة فضاء سوسيو ثقافي معين، يخضع لمنظومات خاصة، فإننا نخلق صيغة التسامح الضرورية لقراءة النصوص، ولا يهمنا ان نخضع قراءتنا لمقولات جاهزة، خصوصا أن اليومي يتمتع بسلطة أقوى داخل هذا المسار، وبعلاقة بهذا اليومي نكتشف انذغاما كليا مع الرغبة في البوح كعنوان عريض في كتابات حكيمة الحربي، وإذا كانت مجموعة نبتة في حقول الصقيع تشهد تطورا ملحوظا في تقنيات الكتابة عند هذه المبدعة السعودية فإنها ظلت مسكونة بهواجس المجموعة السابقة: سؤال في مدار الحيرة، إنه الدفتر الوردي الذي ظلت تبحث عنه الساردة في إحدى قصصها بعدما اكتشفت ان النظام المجتمعي يضيق بخناقه حتى في أدق التفاصيل خصوصية.
ولعلها أحد أهم نصوص المجموعتين، والتي عبرها نكتشف ان الكتابة ليست بالضرورة اختيارا واعيا عند حكيمة الحربي بقدر ما هي نزوع سيكولوجي يظل الغرض منه التنفيس عما يجيش في الذات من آلام اليومي بكل حمولاته الايديولوجية والأخلاقية والفكرية.. تقول الساردة في نص زفة الموت:
(سوف تغادر تلك الأسوار التي تحتجزها، وتلك الكهوف التي تسقيها كؤوس المر والعلقم، وتلك الأصابع التي وشمتها بالحزن والألم، وتلك العيون التي ترسل سهاما قاتلة بنظرات ذات معانٍ جارحة ومغزى مؤلم، (امرأة).. أتت بديلة لأمها) ص 108.
وما يزيد من انكشاف هذا العمق هو اختيار الساردة للموت كسراح للخروج من شرنقة هذه الحمولة المعقدة السجينة:
(الليلة موعد زفافها إلى قبرها لتغادر زمن عذابها) ص 108. إن الخلاص يوحده الموت والسقوط والإغماءة والنوم.. وكأنه اختيار قدري وحدته المبدعة في جُلّ اختياراتها، لنجد أنفسنا أمام متاهات العدم كاختيار لهذا البوح الاضطراري والذي ينتهي دائماً بهذه السوداوية القاتمة. إن القاصة حكيمة الحربي أو العصفور الذي بلله المطر تؤثث شمس حريتها داخل نصوصها عبر تكسير أول القيود التي جعلت منها نقطة لا عودة، والأكيد ان النصوص المستقبلية قد تفصح عن حرفية أكثر في تطويع اختيار الكتابة، لكن مع ذلك أفصحت المجموعتان معا عن نقط إشراقات بإمكاننا أن ننتظر دعامة أخرى تضاف إلى حركية وحراك الجسد الثقافي السعودي في راهنه، بصيغ متعددة، أبرزها ضمير المؤنث.


* شاعر وناقد من المغرب
abmifrani@maktoob.com
* زنقة 52 رقم 1 حي أنس اسفي 46000 المغرب
* (سؤال في مدار الحيرة) مجموعة قصصية، حكيمة الحربي، دار الكنوز الأدبية لبنان، ط1 2004
* (نبتة في حقول الصقيع) مجموعة قصصية، حكيمة الحربي، دار الكنوز الأدبية لبنان، ط1 2004

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved