الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th February,2005 العدد : 95

الأثنين 19 ,محرم 1426

الزيارة
عبد الرحمن المحسن
حملته السيارة إلى الموعد الذي انتظره طويلا ، تاركا خلفه زمنا من الألم وبعضا من قصاصات الذاكرة ، وسار عبر المدينة التي تمنى لو أنها خالية من الزحام ذلك اليوم .. توقف بجانب الرصيف ، نزل وهو ينظر إلى المبنى نظرة أجبرته على الابتسام ، أغلق الباب بقوة محدثا صوتا بدا كنداء أخير من دموع ماضيه وأحزانه ، ذاك الماضي الذي سيزول عند دخوله.
صعد الدرج الذي بدأ بلا نهاية ليقوده إلى الدور الثالث الذي توجد به العيادة ، استجمع ما لديه من جرأة وتقدم إلى غرفة الاستقبال التي أمامه ، كانت هناك وجوه كثيرة كلها تشترك في الأنوثة ، والكل مشغول بما لديه من أوراق ومكالمات ، جال بنظره في أرجاء الغرفة ، إنها ليست هنا ، تقدم إلى إحداهن وانتظر بصمت أمامها إلى أن أنهت مكالمتها ثم وقفت وهي تسأله :
أي خدمة سيدي ؟ .. فرد أهي موجودة ؟
من هي ؟
الدكتورة
وهل عندك موعد ؟
لا .. أجل .. لا بد أن أقابلها للضرورة
وهل تعرفك .. اقصد اسمك ؟
أجابها وهو يحس بنشوة تجري في جسمه : نعم تعرفني
حسنا انتظر هناك ..
واتجه نحو غرفة الانتظار وذهبت هي بدورها لمكتب الدكتورة ، اسند ظهره إلى الكرسي الذي بدا مشابها لمثيله الذي في المنزل واطلق العنان لأفكاره ، ترى هل ستنزعج من زيارته ؟ أم ستجامله كغيره من زائري العيادة ؟ أم ستغلق جرحا قديما بداخله تقودها غريزتها لذلك ؟
قطعت الممرضة أفكاره وهي تسأله بابتسامة متعبة مللت من ترديدها.
عفوا هل أنت محمد ؟
نعم نعم .. أنا
تفضل .. ذلك الباب
شكرها واتجه نحو الباب الذي بدا مفتوحا فرآها وهي تتحدث إلى المريض الأخير في قائمتها ، التفتت إليه ، رمقته بنظرة اتبعتها بابتسامة ، حاولت أن تكسر بها البداية الخجولة لهذه المقابلة.
تقدم نحوها ومد يده لها وهو يتمنى من أعماقه أن لا تخذله ، وقال في لهجة حاول فيها إخفاء توتره :
مساء الخير دكتورة ..
ابتسمت وردت بلباقة اعتادت عليها وأشارت إلى الكرسي بجانب الجدار ، جلس وهو يبادلها عبارات المجاملة ، لكن داخله كان يعصف بالأسئلة !
لماذا يبدو وجهها مألوفا لديه ؟ لماذا يشعر أنه يعرفها منذ زمن بعيد ؟
لماذا تحاول أن توقظ فيه حلما تركه نائما في ذاكرته ؟ أهي الصديقة التي لم يعرفها ؟ أم هي حبيبته التي نسج صورتها في أحلامه الماضية ؟ .. لا يدري كل ما يعرفه انه يرى في عينيها نبوءات لم تكتمل ، وأحلاما لم يسعفه تفكيره في فهمها.
قطعت أفكاره بسؤالها : ما رأيك في عيادتي ؟ .. فأجاب : انها جميلة .. جميلة ، فردت عليه مجاملة : شكرا لك .. وتابعت بابتسامة لم تخفها : لقد طلبت رؤيتي وها أنا ذي أمامك كما طلبت ، قام من على الكرسي واتجه نحوها وهو يقول في لهفة استغربها : نعم واشكرك على ذلك ، نظر إليها وهو يعلم أن وقت الدوام في العيادة قد أوشك على نهايته ، وخيل إليه أن زمنا طويلا قد انقضى لكنه استمر في نظره الذي لم يقطعه إلا رنين الهاتف ، فاستدرك قائلا :
معذرة عن زيارتي في هذا الوقت غير المناسب ، يجب أن ارحل ولم ينتظر ردها بل مد يده لها مودعا ، فمدت يدها معلنة قبولها وهي تشكره على الزيارة.
هبط الدرج إلى أسفل العمارة وهو يلوم نفسه ، لماذا لم أبق مدة أطول ؟ لماذا لم أستطع أن أكلمها ؟ لماذا أنا هكذا دائما ؟ .. اتجه نحو سيارته وادار محركها .. وقبل أن يتحرك نظر لوجهه في المرآة ، فرأى في عينيه نظرة حزن ودموعا بقيت من الزمن القادم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved