الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

الأديب عبدالعزيز السالم: مجموعة إنسان!
عبدالرحمن محمد السدحان
تجاذبتْني هواجسُ عدّة وأنا أرحب بالدعوة الكريمة التي نقلها إلى أسماعي عبر الهاتف قبل أيام الأديب الأستاذ محمد الدبيسي، للمشاركة في هذا الملف الجميل، احتفاءً بالسيرة الشخصية والأدبية لمعالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السالم، أمدّ الله في عمره، تدفّقت أولى تلك الهواجس شلالاً من الفرح في أعماقي وأنا أستعيدُ في خاطري اسم المحتَفَى به، وهوامش ممّا أعرفه من سيرته العطرة.
* *
قلتُ لنفسي مناجياً: إنّ أبا عصام أهلٌ لهذا التكريم من لدن رفاق الحرف الجميل، وربَّ قائل يقول إنّ هذا التكريم جاء متأخراً، وأقول: هبْه كذلك، لكن.. أنْ يحلَّ تكريمُه الآن.. خيرٌ من ألا نشهده إلا بعد حين، وقد قلتُ مراراً وأقول الآن إنَّ تكريم المرء المبدع منّا حيّاً خيرٌ ألف مرة من تكريمه بعد أن يطوي الأجلُ صحائف عمره، ويغدو ذكرُه لدى الآنام.. ذكرى!
* *
* أما الهاجسُ الآخر فهو أنني اعتدت أنْ لا أهابَ القلمَ أو أخشاه حين يحلّ (مخاضُ الكلمة) في خاطري، وكنتُ أحسَب أنّ الأمر كذلك حين هَمَمْت بالكتابة عن أديبنا الكبير (أبي عصام)، لكنّ القلم تمرّد هذه المرة معلناً العصيان على صاحبه، وهو الذي لم يعْصِه قط، ولم يخنْه أو يتّخذ له من دونه ولياً! كانت نفسي تمورُ بالمعاني والرُّؤَى والذكريات عن هذا الرجل الفريد في معدنه الشخصي والأدبي والأخلاقي، وازْددْتُ مع الأيام قَلقاً وهيبةً من المواجهة مع الكتابة عن رجل أتقاسمُ معه منذ نحو عقد من الزمن ساعات طويلة من العمل اليومي، بسرّائه وضرائه، وعُسْرِه ويُسْرِه، وموقفٌ كهذا تغدُو معه الكتابةُ عن مثل هذا الرجل مغامرةً محفوفة بمظنَّة الإخفاق!
* *
* كيف السبيل، إذن، لرصد مشاعري ونثْرها على الورق؟! التمستُ لقلمي نزراً من عذر، قائلاً: ربَّما هاله الكمُّ الكبير من تلك المشاعر.. التي تمارس (الركض) المحموم في فضاءات نفسي المحبة لأبي (عصام)، فكيف لها أن (تهبطَ) بسلامٍ على (سطح) الورق؟!
* *
* عرفتُ (أبا عصام) بادئَ الأمر عَبْر حرفه الأنيق في صحيفتي (الرياض) و(الجزيرة) قبل أن ألقاه بشخصه أوّلَ مرة منذ نحو عقدين من الزمن! وسبق ذلك اللقاءَ اتصالٌ هاتفي من معاليه يعلّق فيه على مداخلة لي في مجلة (اليمامة) حول المرحُوم الشاعر نزار قباني، أثارت في حينها قدراً من إعجاب وعجب، وشيئاً من عتب، وكان لبُّ تلك المداخلة ان استنكارنا لشاعرية نزار (السياسية) لا يجب أن تحجب عن أبصارنا وأفئدتنا ملامحَ (عبقريته) الشعرية لأغراض أخرى، حتى لو تَخلّلها شيء من غلو في اللفظ أو المعنى، متذكِّراً أنّ كثيراً من الشعراء، باستثناء أبي الطيب المتنبي، لا (يعاقرون) السياسة (شعراً) إلا وهم كارهون، وإذا فعلوا فهم في الغالب ومن تبعهم من الغاوين!
* وقد عاتبني أبو عصام عتاباً جميلاً عبر ذلك الاتصال الهاتفي الرقيق لما رآه في كتابتي عن نزار من (تَشيُّع) له لا يُؤَازرُني فيه كثيرون، واعتبرتُ ذلك (العتابَ) الأبويَّ درساً من دروس الأدب اعتزّ به!
* *
* كان أبو عصام يذِّيلُ إطلالاتِه الأسبوعيةَ في صحيفة (الرياض) بتوقيع (مسلم بن عبدالله بن مسلم) ولم يكن أحد يعرف هُوية صاحب ذلك التوقيع، واستمر كذلك زمناً طويلاً حتى نحو منتصف التسعينات من القرن الماضي (الميلادي) حين أماط اللثام عن اسمه الصريح، ويُقال إن سببَ ذلك هو أن أديباً ظريفاً من المتابعين لما يجود به قلم أبي عصام تناولَ ذات يوم مقالاً كتبه معاليه تعليقاً على حدث من أحداث الشأن العام، فكشف بقصدٍ أو بدونه عن صاحب الاسم الصريح لتوقيع (مسلم بن عبدالله بن مسلم) وأُسدِل منذئذٍ السِّتارُ على ذلك التوقيع.
* *
* وأشير في هذا السياق إلى أنني حين تشرّفتُ بمباشَرة العمل منذ نحو عشر سنوات في مجلس الوزراء نائباً لمعاليه، طرحتُ عليه (مازحاً) فكرة استئناف الكتابة في الصحف مستتراً خلف توقيع (مؤمن بن عبدالله بن مؤمن)، فابتسم معاليه مدركاً بذكائه القَصْدَ المرادَ، واعتبرت ذلك الموقفَ الفَطنَ من معاليه لفتةَ تشجيعٍ وحثّ لي على الاستمرار في مشوار الحرف باسمي الصريح، ولم أخرج منذئذ عن نطاق تلك النصيحة الغالية.
* *
* بعد هذه المقدمة الطويلة عن أبي عصام، الأديب والمفكر والإداري والإنسان! ماذا أقول عن هذا (الأب) الجليل الذي يُبْهرُك تواضعاً، ويأسرُك نبْلاً، ويشُدّكَ إثراءً في الحكمة، وثراءً في التجربة حين (تلقاه) مستمعاً له أو قارئاً؟!
* *
* إنّه في الحقيقة (مجموعةُ إنسان) يجتمع فيه الضدُّ وضدُّه على بساط من صلابة الهمة، وعفوية الخاطر، ودقّة الانضباط، ورحابة الحلم، تؤطّرُه عاطفةٌ من حنان، وتسيِّرُه مقاييسُ من عَقْل، بلا إفراط في هذا أو تفريط في ذاك. وهو نادر الغضب إلا عند التفريط في واجب لا عذر لصاحبه معه، وهو رؤوف بالمخطئ مع اجتهاد، فيقوّم خطأه بالنصيحة، فإن أجاد وإلاّ فلا مكان له عنده، لأنه بذلك يكون قد تجاوز هامش (التسَامح) بما قد يشبه الإصرار والعمد!
* *
* وهو الأديبُ الذي عَشِقَ الحرفَ أو عشِقَه الحرفُ منذ نعومة صباه، فلم يهْجرْه أو يخذله يوماً، والمتتبعون العارفون لسيرته الأدبية عبر هذا الملحق الفريد سيذكرون ذلك، وحسبي هنا القول إنه من أشد الملتزمين بثقافة المعرفة وأخلاقياتها: أصالةً في الطرح، وقدرةً في التعبير، وثَراءً في المفردات، واجتناباً لما قد يخلّ بهذا أو ذاك، لا أذكر أنّه خلال متابعتي لعطائه الأدبي عبْر مسَاحةٍ من الزمن تقرب من ربع قرن قد (ورّط) قلمه للنّيل من أحد، أو الردّ على أحد بما يكرهه، عبر (مناورة) ظاهرُها الأدب وباطنُها (سُوءُ أدبٍ) يحْرجُ خُلقَ صاحبه، كان يتسامى في اختيار موضوعاته سموّاً يقربه من الناس ولا ينفّرهم منه، وكان في كتاباته يجسِّدُ دوماً نبرَة العقل وسلطتَه وسلطانَه!
* *
* وبعد،
* أعود هنا من حيث بدأت فأقول إنه لأمر عسير عليّ أن أكتب عن رجل في قامة معالي الشيخ الأديب عبدالعزيز السالم.. لا لجهل به، ولكن لحميمية المسافة التي تربطني به، فهو (وليّ أمري) في العمل، وهو (قدوتي) في الأداء، وهو (أستاذي) في التعامل مع مفردات الوظيفة وحيثياتها وتحدياتها، وهو أخيراً وليس آخراً، (مثلي العالي) في (ثقافة البيان) الأصيل والأنيق معاً.
* *
واختم هذه المداخلة المتواضعة بأمنيتين على معاليه:
* الأولى: أن يجمع شتات حرفه في كتاب أو أكثر، ينعم به المحبُّون لأدبه.
* الثانية: أن يشْرَعَ في كتابة مذكراته التي تنتثر على ضفاف نصف قرن من العمل الجاد، فقد خدم وما برح يخدم بلاده على كل المستويات في هذا البلد الأمين، بدءاً بالتدريس بمدرسة الرحمانية في مكة المكرمة، مروراً بمكتب سمو وزير المعارف ثم سمو وزير الداخلية (الملك فهد بن عبدالعزيز أيده الله)، ثم مجلس الأمن الوطني أميناً عاماً له، قبل أن يحطَّ عصا الترحال الوظيفي أميناً عاماً لمجلس الوزراء، منذ نحو واحد وعشرين عاماً.
* واعتقد يقيناً أنه قد تراكمت في ذاكرته وخاطره عبر مشوار عمره المديد قوافلُ من الرؤى والمواقف والذكريات، تَتَرقّبُ (الإفراجَ) عنها تدويناً ونشراً، فقد كان وما برح (قارئاً) للأحداث، التي شاهدها وطننا الغالي، والوطن العربي وما وراؤه، تأملاً وعبرةً واستنتاجاً!
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved