الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

عبدالعزيز السالم ومشروع الكتابة
أ. د مرزوق بن تنباك
الكتابة المستمرة ملكة توهب وتكتسب وهي موازية في المعرفة مثل العلم الذي ينمو بالمطالعة والممارسة ويزكو بهما وكذلك الكتابة الفنية هي ممارسة معرفية تنمو بالمران والدربة وتنهل من حياض المعرفة والعلم، وقد نجد العالم والمؤلف والخطيب الذي لا يستطيع كتابة مقالة واحدة في جريدة سيارة بينما نجد كتابة المقالة عند آخرين سهلة ميسورة مع أن الجميع يردون منهل المعرفة العامة ويستقون منها. ذلك أن مشروع كتابة المقالة مشروع مختلف عن مشروع التأليف والتعليم وغيرهما. لأن كاتب المقالة يجب أن يتملك أدوات خاصة وملكة تصقلها التجربة وتزكيها الدربة والمعرفة العامة وتنال اهتمام الناس لما يطرح لهم من زاد فكري وغذاء روحي متجدد مع كل مقالة ومتغير مع تغير الأحداث والأيام والمواقف ومتطور مع تطور الزمن واختلاف الحال ولهذا السبب كانت المقالة بل كان كاتب المقالة يعد صاحب مشروع معرفي مستقل وهو غير المؤلف والمعلم والخطيب والواعظ ولهذا تراه مستشرفاً للحال الذي يكتب فيه واصفاً ما يقع بين يديه مستعيناً بآلة الرصد الحساسة التي يحملها بين جنبيه في اهتمامه للواقع الذي يعيشه مع الناس، يرصد حركة المجتمع الثقافية والسياسية والأدبية والنقدية ويراقب التغير الاجتماعي ويناقش الحاضر الذي يجدّ في الحياة أو ما يختفي منها. لهذا السبب كان كاتب المقالة صاحب حضور دائم مع الحياة ومتغيراتها ومع الناس وحاجاتها تملي عليه الأحداث ما يتخذه مادة لمقاله الذي يترتب على كل حال ما يجد من الأحداث.. إذن مهنة كانت المقال مهنة متعبة وغير مريحة متعبة لتجددها وتسارع أحداثها ومتعبة لاعتمادها على غير مصدر إلا مجمل المعرفة التي يتسلح بها الكاتب الراصد الحيوي لطبيعة المتغيرات في الحياة ولهذا بدأت المقالة عندما بدأت الصحافة وكانت هي وقودها والعمود الفقري الذي تعتمد عليه ولا تستطيع العيش إلا به ومعه وفيه. وقد أصبح كاتب المقالة الدائم نادراً بل أقل من النادر وقل أن تجد كاتباً دائماً في الصحيفة إلا متفرغاً للهم الكتابي وللمقالة التي يحررها. أما من يجعل المقالة هواية ويستمر على ذلك بلا كلل ولا ملل فهو القليل بل النادر وعبدالعزيز السالم بعيداً عن كل الألقاب الوظيفية هو كاتب مقالي نادر أدركته حرفة الأدب ومهنة الكتابة وحببت إليه الكلمة الطيبة، وكل قراء هذه الكلمة يعرفون أعباءه ومشاغله وكلهم يقرؤونه في يوميات فكرية استمرت استمرار الزمن الذي يعيش فيه. قرأت له مقالاً نشر في عدد اليمامة الثاني عشر في ذي القعدة 1373هـ الذي خصص لمعالجة قضية اجتماعية صارت موضع نقاش في ذلك الوقت واستُكْتِبَ معه كبار الكتاب في حينه وقد ناقش الموضوع المطروح في عدد من الصفحات وفي لغة مهنية مكتملة الأداة الكتابية محددة المعالم مرتبة الأفكار تقرأ ما كتب في تلك المقالة وكأنك تقرأ لكبار كتاب المقالة المتمرسين بها اليوم وهو لا زال في أول شبابه والأهم من ذلك أنه في مقالته تلك يشير إلى قراءة واسعة واقتباسات من علماء ذلك العصر في البلاد العربية مثل الدكتور جورج طعمة والدكتور قسطنطين زريق، وتشعر وأنت تقرأ ذلك المقال بمفردات ومعاني متقدمة كثيراً على لغة ذلك العصر وكتاباته بين تلك المقالة بتاريخها المنوه عنه في أول هذه الكلمة وبين حاضره مسافة طويلة وتجربة رائعة استمرت وقويت أواصرها حتى صار ما يكتب في يومياته في جريدة الرياض التي استمرت بلا انقطاع أكثر من عشرين عاماً وفي الصحف العربية الأخرى أكثر من نصف قرن صار مصدراً معرفياً وتبتلاً مستمراً في إرضاء الجانب الوجداني عنده وقد تحول ذلك إلى ارتباط شخصي وسمة لازمت مقالاته التي لم تقتصر على فن دون آخر بل اتصفت بصفة مقالات الفكر والمعرفة التي استمرت تتطور مع الزمن بلغة فنية ومقدرة محترف حاذق لما يريد أن يصل إليه أو يعرضه تقف أمام تجربة معرفية واسعة ولغة أدبية مصقولة التجارب ثرة الأفكار وغنية المضامين التي يتطرق لها مترسل سهل المفردات، ظاهر المعاني محيط كل الإحاطة فيما يطرح لقرائه، تشعر بعدم التكلف في الأسلوب والبعد عن التزلف في المضمون الذي يمليه عليه الإيمان القوي بالرسالة الحرة للأديب الحر. لا أشك أن الأستاذ عبدالعزيز السالم يعد أباً للمقالة الصحفية في بلادنا ومهندساً ماهراً للكلمة المقروءة مع التزام أخلاقي رفيع في مهنته الأدبية أما أهم ما في الأمر في ظني هو زهده الذي لا يخفى على أحد في الشهرة التي تتقطع أعناق الكتاب لها والشاهد على هذا الزهد استمراره أكثر من عشرين عاماً يكتب مقالات ثابتة في صحافتنا ومجلاتنا المحلية تحت اسم مستعار هو (مسلم بن عبدالله المسلم) وكان ذلك الاختفاء والتواري رغبة بالبعد عن الأضواء والشهرة وحباً بالكتابة والمعرفة فأبت عليه طبيعة المهموم بقضايا الأمة إلا الاستمرار بما يرى أنه واجب لا يسقط عنه مع القدرة عليه وأبت عليه طبيعة الزهد فيما يكتب إلا أن يضعه تحت اسم مستعار. ولم يقلع عن هذا الاختفاء حتى تدخل عدد من أصدقائه وكشفوا اسمه وتدخلت الصحيفة معهم أيضاً أما اليوم فإن حصيلة خمسين عاماً أو تزيد من الكتابة تستحق النظر والحفظ والنشر فما كتبه لم يكن كتابة صحفية عابرة ولكنها موضوعات أدبية جمعت فنون الأدب المقالي والنقد الأدبي والنظر في الحراك الاجتماعي والسياسي وكل فن من هذه الفنون يصلح أن يجمع في كتاب يحفظه للأجيال ويقرؤه المهتمون بالحركة الفكرية ولا سيما الصحافة الأدبية ولا أظن صاحبنا يفعل ذلك، ولكن الأمل في أصدقاء الرجل ومحبيه وعارفي فضله وهم كثير ولله الحمد أن يجمعوا عمله ويقدموه هدية للمكتبة الأدبية وللأجيال القادمة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved