الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

أنموذج البطانة الصالحة
د. محمد بن صنيتان
أعرف الشيخ الأديب (معرفة وجه) كمدير لمكتب وزير الداخلية، حيث كان لي شرف الامتياز الحصري في مرافقة والدي رحمه الله الذي يتردد كثيراً على كبار الأسرة المالكة ومكاتب الوزراء بحكم مسؤوليته الاجتماعية، هذه المرافقة أكسبتني معرفة كبار العلماء وكبار شخصيات الأسرة المالكة ومشايخ القبائل الذين كثيراً ما يتحلقون حول كبار الأسرة المالكة وعلى رأسهم الملك فيصل الذين عادة ما يتناولون معه طعام العشاء بعد المغرب مباشرة.
أما أول مقابلة خاصة أذكره بها، ولعله لا يذكرها لكوني مجرد رقم ضمن أرقام كثيرة يخدمها بدون معرفته لهم. فكان عام 1392هـ حين تخرجت من الثانوية العامة الطريق المؤدي إلى بوابات الكليات العسكرية والمدنية، وكانت إجراءات قبولي تسير حثيثاً في كلية الملك فيصل الجوية إلا أنني غيرت رأيي بمشورة من شقيقي مرزوق، حيث ذهبت إلى كلية قوى الأمن الداخلي ملتفا (ببشت) مما أثار استغراب ضباط الكلية، فوجدت القبول موصدا والدراسة قد بدأت منذ شهر. فاتجهت رأساً إلى المطار وأخذت أول رحلة في خطوط القوات المسلحة إلى جدة، وقد كان جيبي عامراً في (الفوتشر) من مكتب الأمير سلطان وذهبت إلى مكتب وزير الداخلية (خادم الحرمين الشريفين) في طريق الميناء. واتجهت إلى مكتب السالم الصغير في حجمه الكبير في عطائه بالنسبة إلي..... وكان غاصا بالناس (7 أشخاص) وكان بجانبه كرسي خشيب وأجلسني عليه وعندما تفرست وجوه القوم وكل منهم متأبط ملفا منبعجا قلت هؤلاء (الحمران) سيأخذون وقتا طويل العمر. وبيت النية أن أسبقهم على الأمير وكان وزني وعمري كفيلان في إحراز السبق. حيث أبلغت سموه أن الكلية لم تقبلني فقال أنت ولدنا ندرسك لو بالخارج. ثم كتب بقلم رصاص عبارة مقتضبة لم أعرفها وكان الشيخ السالم على يمينه إذ التقطها بسرعة ورأيت الفرحة على محياه مما لفت انتباهي ثم ناولها أحد موظفيه وهمس بأذنه وخرجت وجلست أنتظر في مكتبه ولم يصل المكتب إلا والموظف واقف بين يديه بالخطاب، ثم نظر إليه بعجل وقال للموظف هذا صيغة خطاب، والأمر يتطلب برقية لضيق الوقت وأدبر الموظف لتعديل صيغة الخطاب فاستدعاه وقال نرسلها برقية بصيغتها ثم ركنها ونهض مستعجلاً لسمو الوزير ورجع بها موقعه وأعطاني رقمها.فرجعت للرياض من يومي. وفي الصباح الباكر أصبحت طالبا في كلية قوى الأمن الداخلي حيث استمرت الخدمة ثلاثين عاماً تسلقت الرتب بها حتى وصلت رتبة لواء وانتهت بإحالتي على التقاعد بناء على طلبي.
الأديب السالم رغم مهامه الوظيفية النخبوية غير الروتينية التي تصرفه عن مشاغل بيته يطل على القارئ ليس بعمود يحكي الحكوات أو لينتقد الدائرة الفلانية ويشتم المسؤول الفلاني ويمتدح فلاناً (والرزق على الله) ولكنه درس أسبوعي بالفكر أو الفلسفة التي لو كتبها أكاديمي لقضى ساعات طوالا لقراءة الكثير من المراجع.
هذا المسؤول الظاهرة فهو ما تحتاجه البيروقراطيات النامية.
احتكيت بالشيخ الأديب ولمست عن كثب إنسانيته وحبه لفعل الخير وتواضعه الجم هو بهذه الصفة إنموذج للبطانة الصالحة التي يتضرع الخطباء أسبوعياً إلى الله أن يرزقها الحكام لخير المحكومين.
وبعد هذا كله فهو أهل للعفة التي شحت في هذا الزمان، فلم أسمع أن عبدالعزيز السالم ضمن مجموعة (فلان وشركاه) وما أكثرهم في زمن لم تصدق نظرية ابن خلدون إلا عليهم في هذا الزمان.. والله المستعان.


* رئيس مركز ساس الوطني لاستطلاع الرأي العام
والاستشارات الاجتماعية والإدارية

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved