الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

الأستاذ عبدالعزيز السالم.. صورة كلية
حيدر الغدير
حين دعاني صديقي الفاضل الأستاذ عبدالرحمن المعمر للمشاركة في الملف الصحفي الذي تعده جريدة الجزيرة الغراء عن الأخ النبيل الشهم العف الفاضل معالي الأستاذ عبدالعزيز السالم حفظه الله وجدت نفسي بين مخافتين:
الأولى: أن كتابتي قد تؤوّلها ظنون سوداء، تتهمني بالانحياز والثناء رعاية لحقوق الأخوة والزمالة والصداقة الطويلة لا أكثر.. أي أني أقول أشياء لا أؤمن بها، وهذا أمر يقع باستمرار في الحياة عامة، وفي الصحف والمجلات خاصة، والدوافع كثيرة، منها المحمود، ومنها المذموم، ومنها ما بينهما.
الثانية: وأن اعتذاري سوف يمنعني من قولة الحق فيمن يستحقه، وإزجاء الثناء حيث ينبغي أن يزجى، وفي هذا إحجام مرفوض، وحساسية مفرطة، خاصة إذا انتفت الدوافع الدنيا وتأكدت الدوافع العليا لدى القائل والمقول فيه.
ظللت بين هاتين المخافتين حتى استطاع أخي عبدالرحمن المعمر بدعاباته المعهودة، وذكائه، ومودته، وحسن تأتيه للأمور، ودالته عليّ، ومعرفته الطويلة بنا نحن الاثنين أن يحسم الأمر معي، فأغلق جميع منافذ الاعتذار، وفنّد كل الظنون السوداء، وأبرز كل الدواعي الحميدة، فأقنعني بالكتابة، وحسناً فعل.
بدأت الصلة في قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1380هـ 1960م، حيث كنا طالبين متفرغين للدراسة تماماً، اخترنا تخصصنا فيها عن قصد سابق، واختيار مؤكد، وحُبّ للعربية يبلغ درجة العشق، وحماسة للدراسة أوصلتنا إلى التفوق؛ ذلك أننا كنا ولا نزال نرى العربية ديناً يُصان، وعرضاً يُحفظ، وسياجاً للهوية، وحارساً للتراث، فضلاً عما فيها من غنى، وخصب، وامتداد، وجمال باهر.
كان هذا هو الخيط الأول الذي بدأت من خلاله الصلة، ثم تكشفت الخطوط الأخرى من ولاء للإسلام واعتزاز به، وحُبّ للعروبة وإشادة بمكارمها، ونفور فطري أصيل من المبادئ المنحرفة التي كان لها يومذاك صولة وسلطان.. وبذلك وقعت الألفة بدون كلفة، والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف كما جاء في الحديث الشريف.
هو مسلم عميق الإسلام بدون إفراط ولا تفريط، لم يحرص كثيراً على الشكل وإن لم ينتقص منه، لكنه حرص على الجوهر كثيراً، وحسناً فعل، فكانت عقيدته صحيحة سليمة، وإيمانه نقياً، وعباداته كما يفعل الأخيار، وأخلاقه كما يحب الصالحون، نقي السريرة، نقي العلانية، ولعل الأولى خير من الثانية.
سوي الفطرة، يكره التكلف والشذوذ والتشدق والادعاء، يعيش بوضوح ويعمل بوضوح ويتحدث بوضوح ويكتب بوضوح.
يكره النفاق والمنافقين، ويضيق ذرعاً بهم، ويراهم عبئاً على الحياة عامة وعلى الدعوة خاصة، وتزداد هذه الكراهية حين يلبس هذا المنافق أو ذاك لبوس الدين، ويتحول الدين عنده إلى حرفة لا رسالة.
فيه ميلٌ فطري إلى الزهد، لاحظت أنه آخذ بالازدياد في السنوات الأخيرة.. ومما يجدر أن يُروى ها هنا أنه لقي الشيخ صالح أبا الحسن الندوي رحمه الله في منتدى الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله وكانت عنده فكرة كاملة عن زهد الشيخ وعفته ونقائه وترفعه، وتحدث الشيخ ما شاء الله تعالى أن يتحدث، والجميع مبهورون به مشدودون إليه، وحين انتهى سمعته يكلم نفسه بصوت خفيض، وكان مقعدي إلى جوار مقعده، فيثني على الشيخ وينهئ أي مسلم يموت فيسكن قبراً مثل قبره. وقد سررت بهذا المعنى كثيراً، وفرحت به، وحين تُوفي الشيخ الصالح أكرمني الله عز وجل بقصيدة موفقة فيه، أودعت هذا المعنى فيها.
عصامي صبور، بدأ السلم الوظيفي من درجاته الأولى، واستطاع بعون الله تعالى قبل كل شيء، ثم بالصبر والأناة والإتقان، وحسن الخلق، وكتمان السر، ودقة العمل وحسن التأتي، ونظافة العقل والقلب واللسان واليد، أن يبلغ ذروةً لعله زانها أكثر مما زانته.
في مناصبه الدقيقة الحساسة، استطاع أن يحقق التوازن الحكيم والمطلوب والذكي بين أمرين: بين حقوق هذه المناصب بما تستدعيه من دقة، وسرية، وأمانة، ووعي، وحقوق مراجعيه وزائريه من بشاشة الوجه، ولين الحديث، وخفض الجناح، وقضاء الحوائج.. فظفر بثقة رؤسائه وحبهم، وظفر أيضاً بحب الناس.
هذا النجاح المشهود له به في هذا الميدان يذكر بأسماء أخرى ظفرت بمثله مثل معالي الشيخ صالح الحصين، ومعالي الدكتور عبدالله نصيف، وسعادة الأستاذ عبدالرحمن العبدان، وسعادة اللواء جميل الميمان.. وأنا لا استقصي، ولكني أتحدث عمن عرفت. لقد كان هؤلاء نماذج مشرفة لهذا النجاح، وقبل ذلك كله وبعده نماذج للاستقامة والإخلاص، وقوة الأمين، وأمانة القوي، وزهد القادر، وعفة الشريف، ممن يراقب سلوكه قبل أن يراقبه الآخرون، ويخاف على دينه قبل أن يخاف من القانون، ويضع نفسه حيث يدعوه الحق والشرف، وينأى بها عن مزالق الضعف والهوى، وبذلك سار بنفسه ولم تسر به، وقاد رغائبه ولم تقده، وتلك سمة المعادن العالية، والنفوس النبيلة.
محب للخير مفطور عليه، صنع الكثير منه في الخفاء والعلانية، ولعل ما صنعه في الخفاء أضعاف ما صنعه في العلانية.
فيه تواضع أصيل يصدر عن نفس سوية أصيلة، لذلك تراه يعامل مَنْ دونه معاملة الأنداد.. وفيه إباء مرده إسلامه وعروبته واستقامته، لذلك بقيت له شخصيته المستقلة وهو يتعامل مع رؤسائه، يحفظ لهم أقدارهم ويحفظ لها قدرها.
منظم، ملتزم، دقيق في حياته كلها: في النوم، واليقظة، والطعام، والعلاقات الاجتماعية.. وقد أعانه هذا على إدراك ما أدرك من النجاح في عمله الوظيفي الطويل، وفي التزامه بالكتابة الدورية المستمرة في الصحف، لكن هذا النجاح جار على جانب آخر من شخصيته، هو جانب الأديب الدارس فانصرف عنه، ذلك أن في برديه الإمكانية المطلوبة لذلك، فهو طالب متفوق، وهو قارئ دائم، وهو متابع للجديد، وهو حريص على الوقت، ثم إنه قادر على التركيز وضبط الأولويات.
وبعد، فمعاذ الله أن أدعي لأخي النبيل، أو لأحد من الخلق أجمعين، كمالاً أو عصمة؛ فالكمال لله عز وجل، والعصمة للأنبياء الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام وحدهم، ولكني أقرر وعن معرفة تقارب نصف قرن من الزمان أنه مسلم صادق الإسلام، عربي نقي العروبة، حاز مجموعة من الفضائل الوهبية والكسبية سكنت شخصه في إطار من التوازن والاعتدال، فزانته وجعلته شامة بين الناس.
أخي الأعز: هذا حديث النثر، أما حديث الشعر وهو أعز وأغلى فله موعده بإذن الله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved