الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

أعراف
قل إن أدري ما نحن فاعلون!!
محمد جبر الحربي
تعوّل الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً على مسح هويات الأمم والشعوب، وعلى هدم الحضارات، لإنشاء دول ممسوخة، وهويات مزوّرة باهتة لا مرجعيات لها. وهي تستخدم في ذلك كل المعاول الممكنة لها، وكل ما يمكن أن تستعيره من معاول ممن يدور في فلكها، أويحتاج إلى أوراقها الخضراء، أو يرغب في احتلال أي موقع في الوطن المسخ الذي تنشئه على دماء وركام ورماد الأوطان الأصيلة العريقة. ومن هؤلاء في الطليعة بطبيعة الحال مثقفو وإعلاميو الترويج والترويح.
وهي تستند في ذلك إلى تراث استعماري خالص لا تزال شواهده حاضرة في محيطها الجغرافي. ومن ذلك الإبادة الجماعية (الهنود الحمر، والرق، والاستعباد، والتمييز العرقي (السود)، والاضطهاد الطبقي العرقي والامتهان (الهسبانك)، وغيرهم.
وشواهد أخرى حاضرة عبر العالم كما حصل في اليابان، وكوريا، وفيتنام، وأفغانستان، والعراق، وربما سوريا، وإيران.. وغير ذلك كثير تثبته الأيام، ويأتينا به من لم نزوّد.
أما لتحقيق أهدافها فهي تعتمد على سطوتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية، وإن كانت الأخيرة قد بدأت تصبح سلاحاً ضدها لا لها، مع ثورة علوم الاتصال وأدواته، وقد بدا ذلك جلياً في حربها الأخيرة حين لم يستطع احتكارها للإعلام، وتزويره للوقائع، منع ظهور الصور القبيحة عبر العالم مما أفقدها سيطرتها، وفضح تجاوزاتها حتى أمام مواطنيها، فلجأت إلى تهديد الجهات الإعلامية التي لا تتبع هواها. ثم أفرزت مشروعاً إعلامياً للمنطقة بقيادة كولن باول أثبت فشله الذريع، وسقط سقوطاً مدوياً، ومن ذلك قناة الحرة التي ليس لها من اسمها نصيب، فلم يكن لها بالتالي أي حضور لدى المتلقي العربي كما أثبتت ذلك استطلاعات الرأي الغربية.
ومن معاول هدم الثقافات الأخرى، والهويات، معول الثقافة الاستهلاكية بدءاً من السينما وانتهاء بالمطاعم.
فثقافة الكوكاكولا والهامبرجر وبقية (الجنك فوود) ضارة رغم بريقها وحلاوتها الظاهرية، بل والمتعة السريعة المصاحبة لها. وهي رمز لثقافة هولويوود المعتمدة في الغالب على الجنس، والجريمة، والمخدرات، وهذا لا ينفي وجود نوعية جيدة من النتاج، إلا أننا نتحدث هنا عن السائد، وليس عن النشاز.
وقد عملت دولٌ أوروبية كثيرة، وأخرى كالصين، وكوبا، وفنزويلا، بل وحتى دول عربية كما في المغرب العربي على تحصين نفسها، وحماية ثقافتها، وخصوصيتها، وهويتها من هذا المد التتفيهي الماسخ لقيم الحياة والحضارة، ومن هذا الاستعمار الجديد الممهد للهيمنة الكلية الشاملة.
بينما فتحت دول أخرى كانت مركزاً للثقافة العربية الإسلامية، بوّاباتها وعقولها وكل شيء تقريباً للمستعمر الجديد أياً كانت أدواته، وارتأى منظّروها عبر منظمات ومراكز وصحف باتت معروفة ومكشوفة في هذا الغزو خير سبيل لنماء بلدانهم، (وتحررها)، ودخولها العالمية، على حصان العولمة الهجين. ولكم يبدو منظرهم تعيساً وهم يضعون العربة أمام الحصان، ويقودون بهذه الغشاوة أوطانهم نحو الهاوية السحيقة.
وجميع من قرأت له، شاهدته، أو استمعت إليه منهم يصيبه العمى والصمم عندما يضرب له ما حل بالعراق على سبيل المثال لا الحصر، من تدمير لكل البنى، ونهب للمتاحف والمكتبات، وتزوير للهوية العربية الإسلامية حتى قولهم بأنه ليس بعربي، وتهيئة للتقسيم بدءاً من العلم الكردي، وتأجيج للطائفيات، وقتل وتصفية لآلاف العلماء والمثقفين، ونهب وتهريب منظّم للآثار، وتحريض رخيص عبر إعلامه ضد الدول الحدودية وأولها السعودية، فالأردن، وسوريا، ما عدا إيران بطبيعة الحال، ومهاجمة منظمة لأي صوت عاقل ضد ما يجري..وجعله في النهاية قاعدة لكبح طموحاتنا المشروعة.
هذا هو نموذج الديموقراطية، والهوية، والثقافة الجديدة، والعولمة كما تريدها أمريكا، ويقلقنا بها مروجاً خليط من الكتّاب العرب اليوم، وتلك هي مرجعيتها الاستبدادية التدميرية الماسخة.
فبربّكم ما نحن فاعلون للحفاظ على هويّتنا، قيمنا، ولغتنا. وما الذي نحن فاعلون للحفاظ على وطننا، وقد لاحت هجمات التتار الجديد، وبدت طلائعهم التبشيرية بأقلام من تعلمون، ومن لا تعلمون؟!


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved