الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th March,2005 العدد : 99

الأثنين 18 ,صفر 1426

تعليقاً على ملف البوهيمية والبوهيميين
هكذا أتصور البوهيمية.. والبوهيميون هكذا أعرفهم!!

(من الصعب جداً استحداث تعريف محدد وحاسم لمفهوم (البوهيمية) لهذا عندما رحتُ أبحث عن تعريف لها.. لم يكن لمصطلح (البوهيمية) أي وجود في أي موسوعة أو معجم معاصر.. ومن هنا لم يستطع المشاركون الذين أدلوا بآرائهم ورؤاهم عبر التحقيق الصحفي الذي أعده الصحفي النشط سعيد الزهراني على صفحات الجزيرة الثقافية لم يستطيعوا الخروج أو الاتفاق على تعريف (البوهيمية) أو الشخص (البوهيمي)، ويبدو لي أنني سأخترع تعريفاً خاصاً للإنسان (البوهيمي) وهو في النهاية اجتهاد شخصي ولكلّ رأيه واجتهاده: (فالبوهيمي) هو ذلك الشخص الذي يعيش وحده بعيداً عن المسؤوليات.. رافضاً كل القيود غير معترفٍ بما تعارف عليه مجتمعه من عادات وتقاليد ونظُم.. وهو يعيش للحظته الآنيّة.. لا أحد يستطيع ترويضه.. ولا هو قادرٌ على ترويض نفسه لتتناغم وإيقاع الحياة وسنن الكون..!) (فالبوهيمي) على ضوء هذا التعريف يبدو عبئاً على من حوله.. لأن غيره لا يفهمه.. بل لا يستطيع أن يسايره في سلوكه وتفكيره وخطواته، وربما كان فيه ملامح جنون لكنه ليس بمجنون ولا يحزنون.. إنما هو أقرب إلى ان يكون عبقرياً.. حاد الذكاء.. مفرط النشاط والحركة.. و(البوهيمي) ليس فوضوياً أو عبثياً.. أو غيرمبال أيضاً.. بل هو ذلك الشخص الذي اجتمعت فيه صفات الفوضوية والعبثية واللامبالاة جميعها.. و(البوهيمي) قد يكون مبدعاً.. وقد يكون من عامة الناس ممن لا حظّ له في التفكير الراقي وفلسفة الإبداع..
إنما المبدع إذا كان بوهيمياً فإنه يستطيع أن يجسِّد بوهيميته ويرصدها.. ومن ثم يبرزها حتى تبدو آثارها على إبداعه العقلي والوجداني.. وإبداع (البوهيمي) في حدِّ ذاته متميِّز إلى درجة التفرد والشذوذ أحياناً..
بل إن إبداعه كثيراً ما يغضب الرقباء.. والأوصياء..!
من هنا (فالبوهيمي) يعيش أو يتصور أنه يعيش في غابة من خناجر.. العيون تراقبه دوماً.. والأيدي تتحيّن الفرصة لاغتياله على حدِّ قول الشاعر الراحل نزار قباني:
لستُ أدري ماذا يقول الشاعرْ
وهو يمشي في غابةٍ في خناجرْ
أطلقوا نارهم على (المتنبي)
وأراقوا دماء (مجنون عامر
ما بوسع السيّاف قطع لساني
فالهوى حاكمٌ.. وعندي أظافر!
وحين علق المبدع الروائي عبدالحفيظ الشمري وقال: إنه كان بوهيمياً في فترة مبكرة من حياته.. فقد كشف حقيقة مرور المبدع بمرحلة زمنية تسمى المرحلة البوهيمية التي لابد أن يتجاوزها المبدع كما يتجاوز مرحلة المراهقة بلا رجعة.. لأن استمرار بوهيمية المبدع وما يصاحبها من فوضى وعبثية ولا مبالاة تحول بين المبدع وصنع مشروع ثقافي عظيم، فالمشاريع الثقافية العظيمة لا ينهض بها غير الجادين المنضبطين بمنهج خاص وتفكير واضح مرسوم.. وهذا لا يوجد عند المبدع البوهيمي!
ولعل الإحباط الذي يصيب المبدع وعدم تقدير المجتمع له ولفنه، ويكون التقدير لآخرين أقل منه منزلةٌ وأهمية هو السبب الرئيس في تحول الشخص المبدع إلى عالم (البوهيمية) واختيار حياة البوهميين كوسيلة هروبية أخيرة كي يخلو بإبداعه ويفجر طاقاته الكامنة.. ومن ثم إثبات وجوده وفرض نفسه بطريقته الخاصة..
أخيراً.. هناك ملاحظة صغيرة على خطأ ارتكبه أحد المشاركين في التحقيق حول وصف (البوهيمية) بالأبيقورية واعتبارهما شيئاً واحداً.. والحق أن (الأبيقوري) يختلف تماماً عن (البوهيمي) لكون الأول يدعو إلى المتعة العقلية وما في تصادم الأفكار في ملذات خاصة كحلّ أخير للاستمتاع بالحياة والشعور بلذاتها المعنوية.. وهذه فلسفة تخالف فلسفة البوهيميين ان كان ما يفعلونه يسمى فلسفة حقيقية (فالبوهيميون) يحاولون أقول: (يحاولون) الانطلاق من قيود العقل والمجتمع والتقاليد وحتى قيود الشرائع والأديان التي ما جاءت لتكبِّل الإنسان وإنما لتضبط غرائزه وأهواءه.. ولتبرمج حياته وفق نظام إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..


بدر عمر المطيري

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved