الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th April,2003 العدد : 9

الأثنين 26 ,صفر 1424

الاستعمار عبر اللغة
عبدالله السمطي
بوجوه أخرى يعود الاستعمار الغربي ففي هذا العصر ما بعد الكولونيالي تغيرت الأدوات الاستعمارية لتنتقل من الأنظمة إلى الشعوب فلم تعد التبعية السياسية أو الاقتصادية تكفي لابد أيضاً من وجود «تبعية ذهنية» تروّج لثقافة الآخر ومفاهيمه عن الحياة والعلاقات الإنسانية والأنظمة التجارية والاقتصادية. ثقافة الآخر الغربي ثقافة مركزية بالأساس أو هي تؤكد على ذلك تبعاً لجذور الهيمنة والتسلط الكامنة فيها، وتبعاً لميراثها الكولونيالي المتأصل الذي ينظر إلى الثقافات الأخرى بدونية شديدة إنه إذا اهتم بهذه الثقافات فإنما يهتم بها لامن أجل الاعتراف بآخر، أو من أجل قناعة معرفية تتعلق بجوار حضاري، بل يهتم بها لتكريس هيمنته من حيث التعرف على ثغرات ما في هذه الثقافات يضرب بها عند الأزمات.. حيث لايتورع الغرب عند حدوث الأزمات بالتهديد بأي شيء يقدمه إلى الشعوب الاخرى حتى ولو كان مساعدات إنسانية!
إن الثقافة الغربية المهيمنة التي تحولت اليوم إلى نموذجها الأمريكي بتواطؤ أوروبي تبدل أقنعتها تبعاً بما يتواءم مع بقاء مركزيتها، ولعل في إنشاء مراكزها الثقافية حول العالم، وفي رعايتها للخارجين على ثقافات بلدانهم وفي تلقفها لأتباعها في بلدان العالم النامي ما يؤذن ببقاء هذه المركزية إلى أجل غير مسمى.. خاصة مع طرح مشاريع العولمة المصنوعة بذهنية غربية صرف ومحاولات فرضها على العالم والدخول بها من زوايا تجارية أولاً ثم اقتصادية ثم الدخول لتشمل مجالات الحياة الأخرى. سأتحدث هنا عما يتعلق بالجانب اللغوي. ثمة سيطرة للغة الإنجليزية اليوم. فهي اللغة العالمية الأولى هي لغة الاتصال والاقتصاد والسياسة وهي اللغة المتداولة بكثرة على شبكات الإنترنت. لكن هل تكفي اللغة وحدها للهيمنة؟ أم أنها تجلب ما وراءها من مفاهيم ومن عناصر تبشيرية بالضرورة؟ ثمة مراكز غربية تعنى بانتشار لغات بلدانها كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية وغيرها من اللغات العالمية. هذه المراكز مهمتها مراقبة صعود اللغة لدى الشعوب الأخرى، وتحديث طرق تدريسها. لدى العرب اصبح النموذج الاسمى لدى الدارسين هو التعلم في المدارس الاجنبية، وأصبح خريجو هذه المدارس أو الجامعات الاجنبية هم المطلوبون في اسواق العمل. إن المدارس الأجنبية، ومراكز تعليم هذه اللغات تتفنن في طرق تدريس اللغات الأجنبية وتقدم الوسائل التعليمية المطورة.. فضلاً عن إشاعة المناخ الثقافي الغربي لدى الدارسين وتقديم الثقافة الغربية على أنها النموذج الحضاري الذي يحقق آمال الإنسان وأحلامه.
هنا يتولد نوع من التبعية الذهنية التي ستظهر آثارها بعد عقدين أو ثلاثة لدى الأجيال الجديدة، خاصة وأن التوجه العام لدى معظم الأسر العربية يتمثل في إلحاق أبنائهم بالمدارس الأجنبية، والجامعات الأوروبية والأمريكية. يقابل ذلك على الجانب الآخر تضييق الخناق على اللغة العربية وطرق تدريسها والسخرية منها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
ألا نلاحظ الفارق الواضح في النظر إلى معلم اللغة الأجنبية ومعلم اللغة العربية في مجتمعاتنا العربية؟ على سبيل المثال؟. أصبحت اللغة الأجنبية هي الأثيرة، وهي الأولى بالاهتمام حتى أن تدريسها أصبح مقرراً في الصفوف التعليمية الأولى في مدارسنا العربية.
ربما يحتج البعض بأن الإنجليزية هي لغة الحياة المعاصرة اليوم، وهي ضرورة لمواكبة الاحداث العالمية.
لكن أيقابل هذا الاهتمام بها اهتمام بلغتنا العربية؟
إن الضعف اللغوي جلي وواضح من طفل المدرسة الابتدائية حتى مذيعي نشرات الأخبار لذا فإن إحداث ثورة تعليمية في مجال تدريس العربية هو أمر ضروري لبقاء الفصحى. إن هذا الاستعمار اللغوي الأجنبي الماثل عليه أن يتوارى لصالح لغتنا العربية بآدابها وتراثها المديد، وأن تنهض مؤسساتنا الثقافية والتعليمية بدور نشر اللغة العربية في مختلف مجالات الحياة.
اللغة العربية هي الهوية فليست المسألة مجرد تلقين وتسميع وحصول على شهادات.. المسألة في صناعة إنسان له لسانه القويم وله ثقافته التي يعتز ويعتد بها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved