الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 28th June,2004 العدد : 65

الأثنين 10 ,جمادى الاولى 1425

زوايا ...
لماذا يكرهون الحياة؟؟!!
أمل عبد الله زاهد
وفلول الإرهاب تحاول دكّ قلاع الأمن في وطننا الغالي، وتنتهك حرمة اطمئنانه وهدوئه وسلامه. ومع تتابع العمليات التي تحدث، وبشاعة تفاصيلها أشعر أنني أريد أن أغمد قلمبي في جرابه، فهل للكلمة فائدة في زمن انتهكت فيه كل القيم؟! هل من الممكن أن تقوم بالدور المحتم عليها أن تقوم به في زمن فلبت فيه الموازين، والتبست على الناس المعايير، واختلط الحابل بالنابل؟!! هل هناك فائدة والأشياء لم تعد ترتدي معانيها ولا تلبس حقائقها؟!! هل نملك أحياناً إلا أن يصيبنا اليأس ويرمي بظلاله الثقيلة على نفوسنا وروائح الدماء تزكم انوفنا وصور القتل والدمار تتدفق علينا من كل حدب وصوب؟!! هل هناك فائدة والحزن يملؤنا ويأخذ بمجامع قلوبنا على ما يجري على أرض الوطن، حتى صرنا ننام وفي قلوبنا رعب يفرض نفسه علينا متسائلاً: ما هي الخطوة القادمة يا ترى؟؟.
وهنا لا يملك سؤال إلا أن يفرض نفسه عليّ، ويرفع صوته عالياً: ما الذي يدفع شاباً في عمر الورود ونداوة الزهور كي يزج بنفسه في عمليات قتل تفترس الأبرياء وتطبق على أرواح الأطفال، غير مبالٍ بقيمة النفس الإنسانية ولا برحمتها عند الله سبحانه وتعالى؟ كيف يستطيع إنسان ما أن يقرر بكل بساطة ان يمحو حياته وحياة غيره بجرة من قنبلة موقوتة أو قذيفة مسددة؟!! وكيف يتيقن ان قراءاته للنصوص الدينية, وقراءة من يحتذي حذوهم هي الحق المطلق الذي لا يقاربه شك أو يجانبه لبس أو غموض؟!وكيف يستطيع أن يجزم أن أدبيات الجهاد في زمن راح وكانت لها ظروفه وملابساته، تنطبق على عصرنا وعلى ما يعصف فيه من خطوب؟! كيف يستطيع أن يحكم على نوايا البشر ويصدر ذلك الحكم القاسي المتعسف بإنهاء حياة إنسان بغض النظر عمن يكون هذا الإنسان وما هي ديانته أو معتقده؟!
سؤال حيرني كثيراً ودفعني كي أحث الخطى خلفه محاولاً أن أجد له إجابات، أو ربما كان سؤالاً تولد من رحمة العديد من الأسئلة، والتي سيكون مجرد إثارتها ودفعها إلى الواجهة كافياً لإشعال الرغبة في البحث والتنقيب عن أسباب نشوئها وتكونها، وهذا في حد ذاته شيء صحي لأن النجاح في تحقيق أي هدف تلوح بوادره في إثارة الأسئلة الصحيحة في المواضع الصحيحة.
تحدث الناس كثيراً عن المناهج وما تبثه في النشء من قيم ومبادىء وأفكار تحفزهم وتؤجج مشاعرهم على كراهية الآخر المختلف، وترسخ في نفوسهم النظرة الأحادية المقتصرة على جانب واحد من الصورة.
كما نوقش كثيراً الجانب الخفي المتمثل في المعلمين والمعلمات الذين لبسوا جبة الوعاظ وصار طلابهم كقطع الشطرنج في ايديهم يحركونها كيفما يشاءون، وطرح أيضاً موضوع خطب الجمعة والمعسكرات الصيفية والندوات الدينية التي تثير المشاعر وتستنهض الهمم لمحاربة الكفار، ومنازلة (الجاهلية الحديثة) كما يحلو لبعضهم أن يسمي مظاهر الحياة الحديثة والتي لا يملك الإنسان في وقتنا الحالي لها دفعاً.
وكل هذه الأمور مجتمعة تشكل التربة الفكرية للإرهاب، والنار التي تشعل جذوته، والتي يجب أن نحاول جاهدين تجفيف منابعها.
وهنا أريد أن أناقش الموضوع من زاوية مختلفة بعض الشيء، واسلط الضوء على جانب مهم، وهو في اعتقادي يشكل نقطة محورية تدور حولها أسباب كراهية هؤلاء الشباب للحياة ولكل ما يمت لها بصلة. فالشاب الذي تُغلق من دونه أبواب السعادة ومنافذ الأمل، والذي يبحث جاهداً عن بصيص رجاء يتعلق به كي يحيا حياة كريمة يحق له فيها ما يحق لغيره من إخوانه في الإنسانية حقوق يسمع عنها ولا يراها تداعب أحلامه ولا تنزل إلى دنيا واقعه، ثم لا يلبث أن يرجع من تهويماتها بخفي حنين، مقرراً تأجيل أحلامه إلى الحياة الأخرى التي من الممكن أن يمر إليها عبر حزام ملغم يربطه على خصره، أو قنبلة موقوتة تدمره هو والهدف المخطط له مسبقاً.. الشاب الذي لا تتوفر له فرصة عمل في حياة صارت محملة بكماليات مرهقة أضحت ضروريات، لا غنى عنها في وقتنا الحاضر وهي تطالب دائماً قائلة هل من مزيد؟؟ الشاب غير القادر على تذوق جماليات الحياة والإحساس بما فيها من متع بريئة والذي لم يتربى وجدانه على الصعود إلى قمم الجمال الراقية، يكون من السهل عليه التضحية بالحياة وبكل ما يمت إليها بصلة.
الشاب الذي يواجه بقلاع الممنوع وجبال المحظور، والذي يعتبر مجرد سماع نغمة موسيقية ترتقي بذوقه الجمالي كبيرة من الكبائر (مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الفقهاء في أمر الموسيقى والغناء) لن يجد غضاضة في التضحية بكل غالٍ ونفيس حتى يمنع ما يراه منكراً ولا يتوافق مع تعاليم القراءات البشرية لبعض الفقهاء والتي ينظر لها كحق مطلق، وقد تجرد قلبه من الرحمة والرأفة، أو من أية محاولة للتسامح مع الضعف البشري. الشاب الذي يبحث عن الأليفة والشريكة ثم يواجه بكل ذلك الكم من الممنوعات، مع الأخذ في الحسبان أن الحياة الاجتماعية صارت بالغة التعقيد، وتكلف الشاب ما لا طاقة له به إذا أراد الزواج والارتباط، سيبحث عن البديل في حياة أخروية يستطيع فيها أن ينال ما لم يسمح له بؤسه وشقاؤه من نيله في دنياه.
القرآن الكريم ربى المسلم على تذوق الجمال، بل قدم الجمال والإحساس به واستشعاره على المنفعة التي من الممكن ان يجنيها الإنسان. قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} وهنا قدم الله سبحانه وتعالى الصورة الجمالية للنجوم ووصفها بالمصابيح التي تزين السماء، على مهمتها في رجم الشياطين. كما ورد أيضاً في الآية الكريمة وصف للدواب يقدم فيه الله سبحانه وتعالى الغرض الجمالي على منفعة البشر: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فالدين الإسلامي جاء ليهذب الذوق الإنساني ويرتقي به ليتذوق الجمال، وبالتالي يتعرف على قيمة الحياة ويعرف كيف يقدسها ويحترمها ويحافظ عليها، بينما يؤكد على أن الحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية، ويشدد أيضاً على أن الحياة الدنيا هي بوابة العبور إلى الآخرة، وهي الحقل الذي يجب أن يزرعه الإنسان كي يجني ثمار غرسه يوم القيامة.
الإسلام لم يحتقر الدنيا ولم يهمشها، ولم يدعو إلى كراهية الحياة، بل اعتبر النفس الإنسانية أمانة عند صاحبها يجب أن يسعى جاهداً كي يحافظ عليها.
وفلسفته العظيمة هي التي ولد منها قول الإمام علي كرم الله وجه: (أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).
amal_zahid@hotmail.com
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved