الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th July,2003 العدد : 22

الأثنين 28 ,جمادى الاولى 1424

همس الطفولة

الصور الرائعة، تعيدني إلى تلك المرحلة التي فرحت فيها وبكيت معاً، يوم كنت طفلة وديعة، أعبث بشرائط شعري.. وكم كانت قسوة ساعة تنهرني جدتي وتعنفني بشدة..! اذكر حينها أني بللت ثوبي بدموعي.. التي انهمرت، ولم تتوقف خوفاً ورعباً..!
ذاك هو اليوم الذي يعيدني للوراء عشرات المرات، والتقطتني يد جدي الحانية يوم ربتت على كتفي واصطحبني لشراء الحلوى.. ومهما كان حجم الخطأ، فإن قلبنا قادر على احتواء الظروف الجسام.. فحنانه يلفك من كل الجوانب، وعطفه يعطي للحياة معنى رائعاً!
ذلك هو جدي.. فحياته يغلفها إيقاع من الهدوء في حركاته وسكناته ودموعه، التي تنسفح في المواقف المؤثرة..!
آه يا جدي.. مازلت تعيد إليّ همس الطفولة الحاني.. ومازالت يداك المتعبتان تحملانني من قبضة الوجع الذي يغتالني..!
تلك هي حمى الخوف التي أصابتني.. يوم اتسخ ثوبي بتراب الدار، الذي نثرته ابنة الجيران.. فهرعت إليك شاكية.. ذاك اليوم هزمتك معاني جدتي يوم قالت لك دعني أربيها..! فلم ترض أن أتوجع على مرأى من عينيك، ممن أجل جرم لم أرتكبه، فحملتني إلى حجرتك المتواضعة..!
يومها شرعت ترسم لي حلماً عن القمر والنجوم.. عن هبوب الرياح العاتية.. ربما لم استوعب تلك الحكايا.. لكني أشفقت عليك حينها.. من التعب وأنت توسد رأسي، فإذا ما غفوت على ساعدك، ابتعدت بهدوئك المعتاد، وأشعلت حطب الموقد ليضفي الدفء على مرقدي في ليالي الشتاء المزمجرة، التي غمرني فيها حنانك الفياض..!
لك يا جدي عطاءات لا تُنسى.. بقلبك الحاني وروحك المعطاءة..!
أذكر جيدا يوم قالوا لي عن رحيلك.. تجمدت في صقيع نفسي وجمدت أنفاسي في صدري.. أصابتني غصة في حلقي.. انسابت دموعي.. توقفت كل اللحظات حينها.. إلا عن ذكراك.. وصورتك.. التي لم تفارقني.. حتى اللحظة التي احتضنت فيها ضعفي وخوفي.. ونثرت في ذاكرتي حنينا أبدياً.. يهمس ذكريات طفولة لا تُنسى.!
رحلت بتعبك وشجونك.. بعلقم الأيام وقسوتها بعد معركة الشوق مع الحنين بدموع مقلتيك بآلام السنين، التي غدت على ملامحك الحانية.!
بعبير أحلامك التي دفنت بين أمواج الحياة المتلاطمة.. لقد تركت ربيعاً وذكريات، تتدفق لتسقينا حباً مخملياً نثرته بنبض قلبك.. بندى الحنين الذي ارتسم على أمواج العمر.. فشذا ذكراك يفوح من حولي ويعطر زماني ومكاني..!
لقد غابت باقة الفضائل.. ولم يبق الآن سوى ضمائر متهالكة..! فلم تعد ذاكرتي تحمل سوى لحظات الحنين إليك.. بعفويتها.. ووداعتها.. ولا أستطيع استيعاب الحاضر بتناقضاته.. ومخزوني لا يتسع إلا لصور البراءة التي حمّلتني إياها.. سقى الله زمانها..!
غمرك المولى برحمة واسعة ورطّب ثراك.

++++
سلوى أبو مدين

++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved