الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th July,2003 العدد : 22

الأثنين 28 ,جمادى الاولى 1424

في حضرة المتنبي: الدّاءُ، والبخلُ والسخاء!!
محمد جبر الحربي

(1)
كلما استمعت إلى المتنبي استمتعت وطربت ووقفت صارخاً في أعماق نفسي: رحمك الله يا كوفيّ يا عربيّ يا عملاق، يا أستاذ الأساتذة.
وخمّنت أنه إنما وضع كافوراً في منزلة الأستاذية ليكون أستاذ الأستاذ في الشعر والبيان.
والمتنبي يقرأ عليَّ قصائده كل يومٍ تقريباً،
ويحيلني إلى أبياته كلّما غصّت النفس، وغلى الدّم في العروق، وغالب الدمع ادعاءات القوة.. كلّما تذكّرنا الأوطان، وذلك كل حينٍ مع كل دقة للخافق الموجوع المصدوم الملكوم.
ومن فيض كرمه غالباً ما أكرم مبدعي الشعر، أصدقاءه، وأحبابه بأبياته كلما التقينا على حافّة النهر: نهر الحياة والشعر والأمل.
ومن بين القصائد الأقرب للنفس عظيمته «كفى بك داءً» وكنت نشرتها أواسط الثمانينات الميلادية قاصداً تقريبها للمبدعين الجدد، والمتنبي جديدٌ باقٍ أسأله كلما نادمته: ما الذي تغيّر؟!
فيجيبني: «قتل الإنسان ما أكفره».
ومن بين ما يطربني أبياتها مموّلة بصوتٍ الفنان فؤاد سالم.
وبالأمس أهداني الشاعر المقبل على النقاء والبياض عبدالله الوشمي، ورفيقه الذي أراد أن يُبقي حضوره مفاجأة أو موعداً نسخة من أشعار المتنبي بإلقاء الفنان عبدالمجيد مجذوب، وتقع في ستة أجزاء، صدرت ضمن سلسلة «الكتاب المسموع» عن المجمع الثقافي أبو ظبي.
وعلى ذكر الهدية والشاعر الوشمي وكرم المتنبي المتواصل، أحزنني وحزّ في نفسي الشحّ الذي تعامل به هذا الملحق مع قصائد الوشمي الأخيرة حين رمى بها في زاوية لا تليق بمبتدئ لا يميز الحروف، بل إنه وضعها فعلاً في هذا المكان!! ولعله كان خطأً من أخطاء زحمة العمل والإخراج.
المهم إنني قد استمعت واستمتعت بدور المتنبي ولا أريد من أحدٍ أن يفسد عليّ تلك البهجة، أو هذه البهجة المستديمة.. وقد خطر لي أنك لكي تصل إلى هذا المقام ينبغي أن يكون لديك حسٌ تاريخي ومسرحيّ، وأن تحسن التخيّل، وأن تكون في البدء محباً بشكل عام، ثم محباً للعربية والشعر لا حاملاً فأساً لتحطيمها، أو تفجيرها، وأن تكون دافئاً لا بارداً، بل عليك أن تكون حاراً، كريماً، علياً.
فلا يتأتى للبخلاء ولا الباردين، ولا الموتى، ولا أصحاب العيون المنطفئة، ولا مدعي الثقافة، ولا تجار الكتب والكلمات والشعارات، ولا الخونة.
قراءة المتنبي:
ولكي تعرف المتنبي ينبغي أن تكون مبدعاً عميقاً، لمّاحاً، جريئاً لا محايداً.
ولكي تسمع وتستمتع ينبغي أن تكون محباً للإيقاع مغرماً بالنغم والتناغم.
كما ينبغي أن تكون محبّاً للشعر الذي هو شعر، لا نصف شعر، ولا ربع شعر، ولا نثر شعر.
وكارهو المتنبي: أدباء تافهون، وحمقى مغفلون، وشعوبيون مارقون.
ولكي لا أفسد الجوّ على المتنبي بهؤلاء ومن هم على شاكلتهم أقول إنني استمعت أول ما استمعت إلى «كفى بك داء» وفي مطلعها ما لا طاقة لنا به.
كفى بك داء أنْ ترى الموتَ شافياً
وحسبُ المنايا أنْ يكنَّ أمانيا
تمنيتها لما تمنّيت أن ترى
صديقاً فأعيا أوْ عدوّاً مداجياً
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلةٍ
فلا تستعدنّ الحسام اليمانيا
وسنستعيدها، ونعدّ لها وله ولكم شرفة القلب والعين في الحلقة القادمة إن شاء الله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved