الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th July,2003 العدد : 22

الأثنين 28 ,جمادى الاولى 1424

على ضفاف الواقع
لماذا اختفت متعة البطء؟
غادة عبدالله الخضير
** هدوء..
هدوء..
هدوء..
أيها الصخب..
أيتها السرعة..
أيها اللاهث..
أيها الراكض..
هدوء سويعات فقط..
أتأمل فيها لون بشرتي..
وملامح ابتساماتي..
واكتب فيها.. قصيدة لمن أحب..
ربما هي دقائق..
لا تصبح فيها الحياة كلوحة بهرجتها ألوان العبث..
فلم نعد ندرك أين يكمن بياض الأبيض..
أو عتمة الضوء في نهارات شمس..
ربما هي ثوان..
يرتاح فيها هذا الرأس..
من كثافة كل شيء..
حتى كثافة اللغة/ المعنى..
تلك التي تعلقت بها الأمنيات حتى تعبت..
وتعلق بها القلب.. حتى أنهكته الانتظارات..
وتعلق بها البوح حتى أدماه الملل..!
*** في رواية البطء ل«ميلان كونديرا» ثمة سؤال حاد ومهم في ذات الوقت إنه يتساءل: لماذا اختفت متعة البطء؟؟
إنه سؤال انتباه قبل ان يكون سؤالا ذا قالب أدبي أو روائي.. كل الأشياء غدت سريعة وذات نكهة عابرة.. ولم نعد نمتلك القدرة على الاستمتاع بالأشياء لأن قانون الملل بدا مسيطرا على أكثر احساساتنا بما حولنا.
لم نعد نستمتع بالبطء في اكتشاف وتأمل الأشياء.. حتى الأيام الجميلة والتي نراها تعويضا عن أيام التعب والراحة تمر سريعا كأنها في سباق مع اللحظة.. كأنها تؤكد لنا ان زمن السرعة أصبح طاغيا على كل ما نملك أو نعيشه أو نشعر به.
أصبحنا نعاني صعوبة التعامل مع الأشياء ببطء.. بل ونتذمر نريد كل شيء يحدث بسرعة برق..
ولا نشعر بأنفسنا إلا ونحن قد انتهينا مما كنا نرغب أو نريد..!!
يضيف كونديرا إلى تساؤله الأول..
أين أبطال الأغاني الشعبية الكسالى، هؤلاء المتشردون الذين يتسكعون من طاحونة إلى أخرى وينامون تحت أجمل نجمة؟
هل اختفوا باختفاء الدروب الريفية والحقول والغابات والطبيعة؟ يعرف أحد الأمثال الشعبية التشيكية كسلهم مجازا قائلاً: إنهم يتأملون نوافذ الله.. ومن يتأمل نوافذ الله لا يسأم أبداً بل يكون سعيدا.. في الوقت الذي أصبح فيه الاسترخاء في عالمنا هذا بطالة وهذا أمر آخر تماماً: إذ يبقى المرء الذي لا يجد ما يفعله في حالة إحباط وملل وبحث دائم عن الحركة التي يفتقدها.
إذاً قليلة هي أشياؤنا التي نتعامل معها ببطء رغبة منا في الحفاظ عليها مدة أطول.. ولهذا لا نستمتع بما نملك بالشكل الذي نحلم.. ولهذا أيضاً تنتهي علاقاتنا بما حققنا لأن الشبع عدو الجوع هذا الذي يمنحنا ان نتأمل ما نرغب ببطء..
** يضيف كونديرا في موضع آخر:
«هناك علاقة خفية بين البطء والذاكرة، وبين السرعة والنسيان، لنستحضر وضعا عاديا بالنسبة لنا: يسير رجل في الشارع محاولا ان يتذكر شيئاً ما، لكنَّ الذكرى تهرب منه فيبطئ في تلك اللحظة وبشكل إلى خطواته.
وفي المقابل، يحاول أحدهم نسيان حادث سيء في حياته فيسرع خطواته بطريقة لا شعورية كمن ينأى بنفسه عن شيء قريب جداً منه في الزمن».
ترى هل يريح الذاكرة الخوض في بطء التفاصيل؟
أم أنها تلهث مسرعة حتى تتخلص من كل ما يثقل مساحاتها؟
أم أن حياتها هذا التخزين لكل شيء.. حتى نغرق في نسيان أي شيء؟

++++
ghadakhodair@hotmail.com

++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved