الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th August,2006 العدد : 168

الأثنين 4 ,شعبان 1427

وجوه شامية
من أصدقاء العمر الجميل فؤاد الشائب
بقلم وريشة: د. صباح قباني

عميد القصة السورية وفاتح دربها الحديث. كان أغلب فن القص في سوريا قبله مثقلاً بالمطولات الرومانسية، والاستشهادات الشعرية، وديباجات المواعظ المباشرة فجاء الشائب، في ثلاثينيات القرن العشرين، ليجعل من القصة عملاً فنياً متماسكاً، مكتوباً بلغة رشيقة، مثقفة، ذات نبض سريع زاخرة بالمخزونات النفسية والمدلولات الإنسانية، حتى أصبحت تجاري ما كتبه القصاصون في أوروبا.
فؤاد الشائب كان إذا أديباً كبيراً، ولكنه كان أيضاً موظفاً كبيراً، وتلك كانت مأساته. فالمناصب الإعلامية والإدارية الرفيعة التي تقلدها استغرقته وأبعدته لفترات طويلة عن الكتابة الأدبية، ومن هنا لم يصدر له سوى مجموعة قصصية واحدة نشرها عام 1944م تحت اسم (تاريخ جرح) وتضمنت عشر قصص فقط كان قد كتبها في تواريخ متفرقة سابقة. ولكنها كانت على قلتها منارة اهتدى بها كتاب القصة السوريون الذين جاؤوا بعد.
أما كتاباته السياسية الكثيرة ولا سيما تعليقاته التي كانت تقدم يومياً من إذاعة دمشق، وكان مديرها، أيام مناقشة القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي عام 1947م وجعلها تحت عنوان (حديث فلسطين إلى العرب) فإنها تبرز رؤيته القومية الأصيلة وصفاء إيمانه العميق بالأمة والأرض.
ويبقى دائماً السؤال المحير، سؤال محبيه والمعجبين بقلمه، لماذا لم يفد الشائب من تجربة الوظيفة الرسمية ليكتب عنها كما فعل توفيق الحكيم في مصر حين كتب عن تجربته الوظيفية واحداً من أجمل كتبه الذي هو (يوميات نائب في الأرياف)
ويبدو أن الشائب انتبه متأخراً إلى ذلك وشرع في كتابة رواية (أوراق موظف)، ولكنه لم ينه منها سوى حلقتين أو ثلاث نشرها في بعض الصحف اليومية، لأن المنصب الرسمي عاد ليستغرقه من جديد. وعن تلك الرواية يقول شاكر مصطفى: (إنها تمثل انتقام الشائب من واقعة وثورته على الجدب الذي اجتاحه في سنوات الصمت الأدبي. إنها قصة عبودية (الكرسي) ورتابته القاتلة التي أراد أن يفرغ فيها أكثر تجاربه مرارة. إذ لم تخدعه كتابة الخطب الرسمية التي كان يعدها، وبخاصة لرئيس الجمهورية، ولا المحاضرات المفروضة، والأحاديث الإذاعية العاجلة، ومن واقعة.. فهو يحاول أن ينتزع صورة هذا الواقع الجدب ليصفع به جذبه وينتصر عليه).
وأنت حين تجالس فؤاد الشائب تحس حقاً أن ثمة بركاناً يغلي في داخله، وترى ذلك في حركات جسمه وإشارات يديه والتماع بريق عينيه الزرقاوين، وعصبية وقوفه وجلوسه، ورواحه ومجيئه في غرفة مكتبه على مر الدقائق، ولعله هو بركان الخلق الفني الذي يصارع للخروج إلى فضاء الناس ولكن لا تلبث مقتضيات المنصب الرسمي الوقور أن تخنقه وتبقيه في غياهب الداخل فلا تراه عين ولا تسمع به أذن.
وحياة فؤاد الشائب كانت دراما قصصية بحد ذاتها.. فهو قد ولد عام 1911م في (ريو دو جانيرو) بالبرازيل لأب سوري هاجر إليها من قرية (معلولا). وحين عاد مع أسرته إلى دمشق درس الحقوق في جامعتها ثم سافر إلى باريس ليتابع هذه الدراسة. ولكنه بدلاً من ذلك انصرف، كما فعل توفيق الحكيم، إلى الاهتمام بالأدب والتهام كل ما كان يكتبه الأدباء في الغرب، وحين اضطر إلى العودة إلى دمشق لضيق ذات يد أبيه عمل في الصحافة اليومية إلى أن أطبقت عليه الوظيفة، وكان آخر منصب تقلده هو مدير مكتب الجامعة العربية في (بونس آيرس) بالأرجنتين، ولم يلبث طويلاً حتى وافته المنية فيها عام 1970م ولما يكن قد بلغ الستين من عمره.
وهكذا عاد إلى أمريكا اللاتينية مسقط رأسه ليموت فيها، وكأنه سمك (السلمون) الذي يولد على الشاطئ ثم تحمله أمواج المحيطات إلى آخر الدنيا، وحين يحس بدنو أجله يعود ليموت على ذات الشاطئ الذي كان فيه مولده.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved