الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th August,2006 العدد : 168

الأثنين 4 ,شعبان 1427

(المجنونة) لمعالي الدكتور القصيبي
عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر

تعب معالي الدكتور غازي، مثلنا، من إعمال العقل، وقدح زناده، وسنّ سكاكينه، وشحذ سيوفه، وأجهد نفسه في تقليب صفحات كتابه، والتنقيب في صحرائه حزنها وسهلها، واستخراج ما ظُن أنه كنوز تُهدى لمن يتطلع إلى الإهداء، جاء الدكتور غازي بكنوزه العقلية نثراً وشعراً أو في صورة رواية هي من صدى الواقع.
هذا التعب جعل الدكتور غازي يلجأ إلى الإجهاض، ويغير مجرى إطلالته على القراء، فبدلا من نوافد الواقع في النثر وشبه الواقع في الشعر، وصدى الواقع في القصة والرواية، فَرَدَ جناحيه، وطار إلى آفاق الخيال البعيدة، واختار طبقة عالية ألقى عصا التسيار فيها، وأخذ يجول فيها بحرية لا تعرف الحدود، ولا تخشى الارتطام، فالويل لمن ارتطمت به، وكان كريما فأخذنا معه على جناح مركبة الرحلة، إلى عالم آخر لم يكن غريباً على بعضنا، فقد سمع عن بعض المتناقضات عنه، فالجن شغلوا أذهان الناس؛ لأنهم أُرضعوا لبان قصصهم وهم أطفال، وبهذا حُفرت في الذهن عنهم قصص يجندل بعضها بعضا، فهم في بعض الأذهان شريرون، وفي أذهان أخرى هم خيرون، وفي أذهان بعض الناس، ممن شبوا عن الطوق، لا وجود لهم إلا في حدود ما ذكر الدين.
أخذنا الدكتور في رحلة الفضاء هذه إلى عالمهم، فلم يترك شاردة ولا واردة عنهم إلا عرضها ومحّصها، ووصل فيها على لسان أحد أبطال روايته إلى رأي راجح أو مرجح أو متأرجح بين هذا وذاك. لقد بحث الدكتور غازي بحثاً عميقاً، ونقب تنقيباً متواصلا ودقيقا، فشرب ما في الكتب، واقتطف من الأفواه، جاء يما يُشعر القارئ أن الدكتور غازي يحس أن هذه فرصة يساهم بتثقيف القارئ الذي قد لا يجد الفرصة لما استطاع الدكتور غازي أن يفعله. ولا يمكن أن يتصور أحدنا أن هذا عمل سنة أو اثنتين، ولكنه عمل سنوات. وإحاطته بالموضوع من التراث يشهد له فيها عدد المراجع التي رصدها في آخر كتابه أو ذكرها في أثناء فصول الرواية. أما مقدرته على السياحة المحيطة، على مناطق المملكة وغيرها، ودخول المجتمعات ومعرفة صورة الجن في أذهان الناس فتشهد له الحقائق المحيطة بالموضوع، كما قلت، ويكاد القارئ يتأكد أن الدكتور غازي عاش في هذه المناطق ما عاش فيها أهلها، لدقة الوصف، والغوص إلى ما وراء السطح. نستطيع أن نصف هذه الرحلة السياحية بالرحلة العسلية، أليست تماثل تنقل النحلة من زهرة إلى زهرة، ثم هضم ما أخذت في بوتقة تحيله إلى عسل؟ وأرجو أن لا تحتج النحلة من تشبيهنا لها بإنسان وهي الخالية من عيوبه!
لا يغيب عن بالي أن أنبه وأحذر القارئ أن لا يقرأ الرواية قبل النوم، ففيها كثير من الرعب الذي سوف يمنعه من النوم، أو يجلب له الأحلام المخيفة، وقد استطاع الدكتور أن يأتي بمؤثر بالغ حتى أنه يخشى على القارئ أن يقفز عند سماع أي حركة أو نغمة لا يعرف مصدرها؛ لأن الدكتور استطاع أن يجعله يشعر بحضور الجن حوله.
قررت أن لا أجعل كلمتي هذه (أكاديمية)، فأجمع كل ملاحظة مع أخرى من طبيعتها؛ لأن هذا سوف يؤخر نشر هذه الكلمة، وأخشى، اعتماداً على نشاط الدكتور غازي، أن يخرج كتابه التالي، والكلمة لا تزال تحت رحمة التصنيف (الأكاديمي)؛ لهذا قررت لهذا أن أبدي ملاحظاتي كما عنت لي وأنا أقرأ الكتاب، وهذا يجعلني أعود لفكرة انتهيت منها، فأكررها وأكررها، ولكني هنا احتمي بظل القول المعروف السائر: (المكرر يحلو).
يأخذ الدكتور غازي القارئ إلى طبقات موغلة في الخيال، فيعلو به ويرتفع، ويظن القارئ أنه متابع خط السير المستقيم، ولكنه فجأة يجد أنه حاد به عن الجادة وأدخله منعطفا متجها يمينا أو شمالا، وقد يمر به في (جيب) هابط قد خطط له وجعله مصيدة متقنة، جعل عمقها يرفع أحشاء القارئ إلى أعلى صدره، تماماً مثل ما يحدث له في (مطبات) الطائرات. ولكن الدكتور غازي لا يلام فهذه أصول كتابة الروايات.
كشف الدكتور غازي في هذه الرواية عن ثقافته الواسعة في مجالات يصعب حصرها في هذه العجالة، ونحن لا نجهل ثقافته، وليست هذه الرواية أول وسيلة ثقافية تكشف عن مخزون فكره الثقافي. وفي هذه الرواية في هذا المجال لا يكاد يمر بكلمة توحي له بشيء من هذا المخزون إلا انهالت الذخائر علينا من حصيلة من التراكم والتراكب كانت تغط في نوم عميق في مؤخرة الذاكرة فأيقظتها هذه الكلمة، أو حركها تعبير أوحى بما أوحى به، نوشك أن نغبطه على هذا المخزون ولكننا نتوقف انصافا له فقد جاء هذا نتيجة عمر طويل، وجهد مضنٍ، أحاطه السهر والدراسة وإتعاب العينين والملاسنة أحيانا والمصاولة مع المبارزين في الأدب.
وقد سجل الدكتور نفسه في سجل الحكماء في بعض التعبيرات التي جاء بها، إذ كانت بلا شك متدثرة بأردية الحكمة معنى أو أسلوبا أو منحى، خذ مثلا قوله الصائب: (في كل حب شيء من الشفقة) (ص 26) من يعرف الدكتور غازي مثلي عن قرب لا يفاجأ بالروح الباسمة التي تقفز إلى أسلوبه في الكتابة (انظر ص 22)، إن كنت ذا حظ واقتنيت الكتاب، و(ص: 25) وانظر ما ترمي إليه جملة: (بكل فخر واعتزاز، أقول إنني كنت أول من فتح هذه الصفحة المشرقة!!)
يتقن الدكتور غازي جيداً فن الختل في رواياته، وهو أمر لازم في فن الرواية، وهو أحد عناصر نجاحها، فمثلا يثير القارئ تجاه موقف شيق، ويشده ويشده، فينتظر القارئ حل العقدة التي فتلها، وشدت نفسه، وكأنه يقول للدكتور غازي: ثم ماذا، فيرد عليه: لم العجلة؟ (ويقطع به الحبل فيقع في البئر) (ص 23).
يحب الدكتور غازي أن يكون ما يأتي ذا جوانب متعددة في الإفادة، فهو مثلا يعمد إلى المترادفات ليزيد ثقافة القارئ، وليؤكد جو القصة المغربي، وليكشف عما قام به من بحث، وهذا يتجلى في قوله (القرن المنصرم) متبعا ذلك بمترادف في اللهجة المغربية:
(العام الفارط)، و(التاكسي) يصبح (الطكسي) (ص 25) و(ص 28).
ذكرت عن المنحنيات الحادة المفاجئة في رحلته الخيالية هذه، ومن أوضحها حلول عائشة الجنية محل فاطمة الزهراء، ولم ينتبه القارئ إلى أن هناك تبديلا؛ لأنه منسجم مع القصة إلا بعد أن يفاجأ بحقيقة الإبدال وكلما استقر القارئ على جادة جاءه منحنى يقطع عليه رتابة متابعته، ويجعله يصحو من غفلته، ويلوم نفسه كيف لم أحدس هذا، ولم أنتبه له من بعض الإرهاصات التي مرت. وفي وقت لاحق، وهو يتابع القراءة يكون حذراً، ويحاول أن يتفادى ختل الكاتب، فيشحذ ذهنه، ويتنبأ بما سيأتي من خروج عن الجادة التي هو عليها، ولكنه كذلك يفاجأ بما لم يكن له بالحسبان، ويكون تفكيره في الشرق، فتأتي المفاجأة (من الغرب).
(الأحساء) لها مرادف غير مفضل وهو (الحسا)، ولغرام الدكتور غازي بالمترادفات ذكرها، وقد لا يعرفها كثيرون، ومن يعرفها قد لا يعرف أن أهل الأحساء يتجنبونها، وقد جاء بها من هذه الزاوية، ومن زاوية التثقيف، ولم يجرؤ الدكتور غازي على الإتيان بها مرادفة للأحساء إلا لدالة على الأحساء وأهل الأحساء. (ص: 33) ولأؤكد أن المكرر يحلو آتي إلى أحد المنحنيات المفاجئة، ولكنها جد ممتعة، وهو حديثه عن جدة (الضُّبَيع)، وقد كشف عن سبب التسمية بكلام موزون ومنطقي، ويساير جو القصة مسايرة ممتعة، وما جاء في هذا فيه لمحة عبقرية بلا شك؛ فالرضاع لابد أن يكون له قرابة وتأثير وتوارث مثل النسب القح، فرضاع الجد التائه من ضبعة جنية وصل سببه بالجن الذين ظهروا لحفيده. وهذا المقطع لم يأت عبثا، وإنما أدرج تحت انتقاد للمجتمع من بعض الزوايا، وفيه بعض الوعظ تجاه بعض العيوب، وشيء من الإرشاد النبيه، وهنا كذلك لفت النظر إلى ما يصبح عادة، فيقبل ما فيه من خلل دون التنبه لهذا، ولكنه يتهافت عند الفحص، وإعمال العقل، وما أكثر ذلك في المجتمعات وأخف هذه الانتقادات ما يأتي تجاه التعبير بالاستعارة فهو يلمز، دون أن يتوقف أو يلتفت، إلى الصورة المختلة التي قد تأتي من الاستعارة، ولهذا عندما قال: (منذ نعومة أظفاري)، يقول: (والحقيقة أن أظفاري لم تكن ناعمة قط). (ص: 65).
الذين يعرفون الدكتور غازي يعرفون مدى تعلقه بأبي الطيب المتنبي، ولا يلام الدكتور غازي بإعجابه بالمتنبي. لقد درس الدكتور غازي شعره بعمق، وحفظ من شعره كثيراً، ولهذا لا يغفر لنفسه أن لا يقول عنه شيئاً هنا، خاصة عما قد يكون متصلا بحل، وهو الحكيم العاقل (16).
ومما يدخل في نقد العرب، ما يأتي به على لسان قنديش الجني، الذي يقوم ببحوث مكثفة عن الإنس، ووصل فيها إلى نتائج منها: أن الكتب عن الجن أكثر من كتب الرياضيات (ص: 67)، وهذه حقيقة تخجل.
ونعود مرة أخرى إلى سعة مدارك الدكتور غازي، وقدرته على استقصاء الحقائق عن أي موضوع يطرقه، وإجهاده نفسه في البحث والتحري، رغبة في زيادة معلومات قارئه، وإراحته من تعب البحث، وإعفائه من الأسئلة التي قد تعن له فيما لو كان البحث غير واف، ويتمثل هذا خير تمثيل فيما ذكره عن الهنود الحمر، وما جاء به من معلومات وإحصاءات ومقارنات، وما رسمه لهم من صورهم في الماضي وصورهم حاليا، وما كان عليه مجتمعهم وما أصبح عليه (ص: 69)، ويكاد ما جاء به عنهم يعادل بحثه عن الجن كما ورد في عدة أماكن ومنها ما ورد في الفصل (8) (ص 85).
لا يفتأ الدكتور غازي يذكرنا بأن الرواية تدور في نطاق المغرب، وكلما ظن أننا قد نكون انشغلنا بالرواية عن محيطها جاء بشيء عن المغرب، ففي (ص 77) يرمي عصفورين بحجر، فيؤكد لنا أننا والرواية في ضيافة المغرب، وأن عنده من المعرفة ما نضيفه إلى ثقافتنا فيأتي بعبارات التدليل التي يستعملها إخواننا في المغرب، وفيها إضافة ابتسامة تتماشى مع صورة مرح الرواية ويوقف قنديش على جبل ينظر منه إلى السهل فيرى الإنس وأفعالهم المنتقدة، وهو الفاحص الباحث، المواظب على التقصي والتبحر، وما دام الانتقاد جاء على لسان جني فليأخذ حريته لأنه أبعد من أن يحاسب، وفي (ص 77) يركز على انتقاد الشعوب وما هم فيه من أخطاء.
وينتقد راميا إلى الإصلاح بعض المصطلحات الخليجية (ص: 78)، ويتحدث حديث الخبير، لابسا رداء الحياد، فليس من الإنس فيرقى بالتحيز، ولهذا يتحدث بثقة من لابد من قبول قوله، مع الأمل في أن يكون صداه صلاح ما تبين أنه غير صالح.
ويعيد الدكتور غازي أفكاره الخاصة بالمجتمع، وما يرى في جوانبه من ظلال باهتة أو داكنة، على لسان قنديش المسكين، المشجب الذي يعلق على شُعَبِه ما يراه، واجداً فيه مجالا فسيحا، ومكانا بارحا رحبا لطرح ما يرى أن العقل، بعد التفكير، يصل إليه بسهولة، ويجيء هذه المرة في حصر بعض عيوب الإنس، في نظر قنديش الجني، في أمور ثلاثة كما ذكر ذلك فيما سبق وهي: الجنس، السلطة، المال)، ويأتي بالبراهين الدامغة، والأمثلة الصادقة، والتجارب الموثقة، والوقائع المتكررة، مبديا مقدرة قائقة في الإقناع، ولا يكتفي بإثارة ذلك في موقع واحد، ولكنه يعود إليه متى وجد إلى ذلك سبيلا، حتى يضمن أن الفكرة تعمقت في ذهن القارئ، (ص: 79).
وإذا كان لأحد أن يصف الأمثال بالحكم لدفئها ولملاحة المغالاة فيها، فإني أرشح المثل الوارد في (ص: 139) وهو: (كسلحفاة مصابة بالروماتزم) ولاحظ أيها القارئ الكريم أن (الروماتزم) لا يكاد يشفى من أصيب بهذا الداء، ولهذا اختاره بدلا من تحطيم الأقدام والأيدي، وهي أمور يرجى برؤها.
بحوث قنديش المتواصلة العميقة، وملاحظاته الدقيقة، أوصلته إلى أحكام عند المُنصف مقبولة: ومنها مما تَوصَّل إليه من أن الإنس لا يعترفون بالجميل. وقنديش مؤدب لم يقل: (ينكرون المعروف)؛ لأن كلمة إنكار قاسية وبشعة، أما عدم الاعتراف فقد يخف وقعها عندما يمكن أن يقال إن عدم الاعتراف قد يكون وراءه سبب خفي. وهذا النقد مظلة مراقبة يختفي وراءها معالي الدكتور غازي، ومرة أخرى يعلقها على مشجب قنديش المسكين، كبش الفداء!
الدكتور غازي، وهو يتحدث لنا عن عائشة قنديش، الجنية، يتعمق في هذا كما جاء في (ص 85)، ويأخذنا كعادته يمينا ويساراً، ويحبل رؤوسنا كأنها كور بأيدي لاعبين، وليته يعطينا راحة بعد ذلك، لا، إنه يعطينا رعبا لا نتخلص منه بسهولة، وهو مغرم بهذا الرعب، فلا يكاد يجد مناسبة لهذا حتى ينتهزها، ويحرن عندها فلا يفارقها إلا بعد أن يستوعب ما في الجعبة من كلمات الإخافة والترويع، وما رسمه لعائشة، وما هيأه لها من دور، وما أحاطها به من ملابسات، تساعده على ذلك، فالتصميم يبدأ من قبل الفعل.
البحوث الرئيسة التي شملتها هذه الرواية، وأتت بها في أماكنها اللائقة بها بمقدرة وإتقان، كثيرة، ومنها ما سبق أن أشرت إليه من أمر الجن، وأمر الهنود الحمر، ولا يقل عن هذا ما أورده عن (الإنثروبولوجي) (ص: 161)، فقد وفاه حقه، ولم يبق زيادة لمستزيد، وتتميز طريقته في هذا الموضوع الحديث بالبساطة، وحسن العرض، وما تخلل ذلك من طرق تبعد الملل تجاه هذا الموضوع المهم الجاد.
هذا وقد اشتقنا إلى انتقادات قنديش للإنس التي وصل إليها بعد نحت وبحث واستقصاء جعله يقف بثقة فيكشف لنا عيوبنا نحن الإنس، وآخرها تقريره القاسي الذي يقول فيه: إنه لا يتوقع اعتدالا من البشر، وهو لا يرمي القول على عواهنه (ص 156) وإنما يأتي بالمبررات في أمثلة تجعلنا نحن البشر نطأطئ رؤوسنا أمام الجن.
الحديث يطول ويتشعب، ولو أعطيت نفسي هواها لنافست عدد صفحات الرواية (عدوى المغالاة هذه جاءتني من الرواية)، ولكني أكتفي بما سطرت، وقبل أن أختم حديثي هناك أمران لابد من ذكرهما:
أولها: أن المفكرين والأدباء أغرموا منذ قرون برحلات الخيال، والسباحة في فلكه بحرية تامة، وكان لهذا قبول تام من معاصريهم، وترحيب ممن جاء بعدهم إلى هذا اليوم. ومن هؤلاء عرب وغير عرب، فمن العرب أبو العلاء المعري، ومنهم ابن شهيد في (التوابع والزوابع) أو (شجرة الفكاهة) ومن غير العرب (هوميروس) في ملحمته (الأوديسا)، وشاعر اللاتين (فرجيل) في (الإنيادة) (إن لم تخني الذاكرة) والشاعر الإفريقي (أريستوفان) والإيطالي (دانتي) و(ميلتون) الإنجليزي (الفردوس المفقود).
وكان المفروض، أن غازي، وقد بسط جناح خياله للجن أن جعل الرواية تحت الأرض لا على وجهها، ولو فعل لكانت أقدامنا في هذه الرحلة على الأرض لا بين السماء والأرض، ولكن لعل (عاشة قندش) هي التي اختارت المسرح ولم يرد الكاتب أن يعارضها خوفا من أن لا تكتب الرواية.
ثانيهما: أرجو معذرتي إذا ظهر الاستعجال في هذه العجالة، ولكن الملوم في هذا اثنان:
أحدهما: لايزال معي شيء من الرعب بعد قراءة الرواية، وأتوقع ألا أتخلص منه إلا بعد أن أغرق في العمل، وأنسى بعض الصور التي تخايلني، خاصة عندما أكون في الظلام، وأرجو أن يكون القارئ شجاعا فلا يتردد في قراءة الرواية.
والآخر: أني كتبت ما كتبت وأنا في الطائرة بين السماء والأرض، بين جدة والرياض، وبجانبي طفل صغير، والده على كرسي آخر، وإخوانه على كرسي ثالث، وهو لا يعرف القراءة، كما تأكد لي، ولكنه طوال الوقت ونظره مركز على سن القلم وهو يجري على الورق، في أول الأمر ظننت أنه يقرأ ويكتب، وهذا أقلقني لأني خشيت أن يكون ابن صحفي فيسرق أفكاري وينشرها قبلي، ولكني اطمأننت إلى أنه ليس كذلك، وكان مؤدبا، وأدهشني صبره طوال الوقت على المطالعة، وعدم ملله، وانسجامه الذي تأكد لي عندما يقترب رأسه من الورقة قليلا قليلا حتى يحجب أحيانا رؤيتي لموقع كتابتي؛ مما يضطرني إلى إيقاف الكتابة إلى أن ينفسح المجال، جلوسه بجانبي، واهتمامه بما أكتب، وكأنه لم يرد أحداً يكتب، أبهجني، وجعلني لا أنسى هذه الرحلة، وقد صار بيني وبينه حديث سوف أبقيه لمذكراتي عن هذا الشهر، ولعلها تكون في الجزء ما بعد العشرين.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved