الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th August,2006 العدد : 168

الأثنين 4 ,شعبان 1427

معوقات الإسهام الفاعل لوسائل الإعلام السعودية في نشر ثقافة الإبداع(*)
24
بدر بن أحمد كريم

إنَّ هذا الاهتمام يجد الآن موقعاً ملائماً في المؤسسات التربوية والتعليمية السعودية، مدعوماً بالإمكانات التي وفرتها مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، كما يجد اهتماماً من المؤسسات الصناعية؛ إذ نظمت شركة أرامكو السعودية على سبيل المثال عام 1423هـ 2003م المنتدى الإعلامي السنوي الثالث الذي كان محوره تعزيز روح الابتكار في الشركة، بالإضافة إلى براءة الاختراع التي حازتها عن (تطوير فكرة السيسموجرافي) للباحث السعودي الدكتور محمد السقاف الذي توصل إلى ابتكار جديد أدى إلى تحسين القدرة على التنقيب عن النفط، والعثور بالتالي على الغاز، من خلاله تطويره لنموذج جديد نجح بشكل كبير جداً في محاكاة الأرض، وإظهار قراءات دقيقة عن مكوناتها الصخرية؛ مما جعل القدرة على التنقيب عن النفط، والعثور على الغاز تتحسن بشكل كبير ودقيق لم يسبق له مثيل منذ عام 1370هـ (1950م)، وسهّل بالتالي العثور على الغاز والنفط في الأماكن ذات التكوين الصخري المعقد. (25)
ويمكن تحديد أهمية وسائل الإعلام الجماهيرية بالنسبة للمجتمع في النقاط التالية:
1 تعدّ وسائل الإعلام ذات أثر واضح في: نشر الأفكار المستحدثة، وإذاعة الآراء الجديدة، وتزويد الأفراد والجماعات بالمعلومات، وتأليف الآراء، وبخاصة إزاء الموضوعات التي لم يتبلور عنها الرأي بعد.
2 يوسع الإعلام قاعدة المعايير والخبرات المشتركة، ويجنب المجتمع الفوضى الناشئة من تضارب القيم المتعارضة.
3 يؤدي الإعلام دوراً مهماً في: ربط أجزاء المجتمع، وإيجاد وتنمية التكامل الاجتماعي والسياسي.
4 تؤدي وسائل الإعلام دوراً فعالاً في: إيجاد الحوافز، وتحقيق التحول الاجتماعي، فضلاً عن أنها الوسائل القادرة أكثر من غيرها على نشر المعرفة، كما أنها تؤدي دوراً حيوياً، في إيضاح الطرق التي يمكن بها تحريك القطاعات الاجتماعية المختلفة، بهدف تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.
5 تعدّ وسائل الإعلام ذات أثر بارز في: تأليف الآراء والاتجاهات، ولكنها تحتاج إلى أساليب وطرق جديدة ومكملة؛ كي تؤثر في العادات والقيم الاجتماعية الراسخة.
ومع تطرق تقنية الاتصال التي أصبحت إحدى سمات العصر، تطورت بالتالي التقنيات الخاصة بالنشر، والإذاعة، ومستلزماتها، والاستفادة من المتخصصين في المجالات التقنية المختلفة، إلى جانب المحترفين من القائمين بالاتصال، الذين أصبحوا يتجهون صوب التخصص، في المجالات المتنوعة للمحتوى الذي يقدم لجماهير المتلقين، ولعل توظيف هذه الطاقات الإنتاجية التقنية والبشرية أصبح يتطلب استثمارات ضخمة، تفرض مفهوماً خاصاً على هذه العملية، وهو مفهوم (الصناعة) أو (الاستثمار المالي في هذه الصناعة) وما يستتبعه هذا المفهوم من دلالات خاصة باتجاهات الإنتاج، أو البث، أو الإذاعة، ودراسة جدواها، في إطار البناء المؤسسي الذي أصبح يفرض نفسه على التشكيلات، والتنظيمات الداخلية والخارجية لهذه الصناعة في المجتمع، ويفرض نفسه على اتجاهات البحث في العلاقات بين عناصر العملية كلها، وتأثيراتها في الفرد والمجتمع، وبالتالي فإن وسائل الإعلام الجماهيرية لم تعد جهاز الاستقبال في المكان المخصص له، أو الصحيفة في يد القارئ، أو العرض السينمائي، ولكنها أصبحت ذلك البناء التنظيمي الضخم، بآلياته التي تبث الكلمة والصورة، وتطبع الصحيفة، لتصل الرسائل التي تضمها إلى الملايين من الأفراد في الداخل، بعد أن انضمت الأقمار الصناعية إلى آليات عملية البث، والإذاعة، والنشر في مراحلها المختلفة، حتى وصولها إلى الفرد المتلقي في موقعه. (26)
لقد تطورت وسائل الإعلام في عصر المعلومات، ليس من حيث الشكل بل من حيث المضمون وهو الأهم، وظهر كم هائل من المعلومات والمعرفة تبثه هذه الوسائل، ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العالمي، وكان هذا التطور في وسائل الإعلام الجماهيرية نابعاً من حاجات المتلقي القائمة والمتجددة، ودعمت هذه الوسائل تطور المجتمع، وأسهمت فيه بقسط وافر، وتحولت المجتمعات من عصر الحروف الطباعية المتحركة، إلى عصر غدت فيه هذه الوسائل تعلم الناس، وتثقفهم، وتوعيهم، وترفه عنهم، واتسع نطاق وظائفها، فأصبحت تفسر وتشرح للناس أبعاد القرارات المجتمعية، وتهيئهم للمشاركة الشعبية، وغدا العالم بفعل هذه الوسائل ليس قرية صغيرة فحسب، بل غرفة واحدة، في بيت واحد، في حي واحد، داخل مجتمع واحد كبير.
أسقطت وسائل الإعلام الجماهيرية الحواجز بين المجتمعات البشرية، وقربت المسافات بينها، واستفادت من عامل الوقت، واستخدمت الأقمار الصناعية، و(أصبح السائد الآن وفقاً لرؤية فهد العسكر هو: تكامل الأدوار بين كل الوسائل، نظراً لما تتميز به كل وسيلة من خصائص، تؤثر في الاستخدام). (27)
وقد ركزت ندوة نظمتها مجلة العربي الكويتية إبان شهر شوال من عام 1426هـ (ديسمبر 2005م) حملت عنوان (الثقافة العلمية واستشراف المستقبل) على الثقافة العلمية ودورها في تقدم المجتمعات العربية، وسلّطت في الوقت نفسه الأضواء على قضية جوهرية بالنسبة للنهضة العربية المنشودة وهي: غياب الثقافة العلمية عن الحياة الاجتماعية الراهنة في لحظة وصفها الدكتور حامد عمّار بأنها (لحظة تاريخية مفصلية، ونحن نجتاز نفقاً معتماً مضطرباً في مسيرة شعوب هذا الوطن)، ورأى المشاركون في الندوة (أن الشرط الأول لبناء هذه النهصة هو: ترسيخ ثقافة العلم، وتأصيل الوعي العلمي في الحياة الاجتماعية والثقافية)، كما رأوا (أن الأمم لا تتقدم بالأماني، ولا تتطور بالعودة إلى الوراء، وإنما بالحركة الدؤوبة إلى الأمام، بما ينطوي عليه ذلك من إدراكها لقيم العلم، وإنتاجها له على مختلف الأصعدة، وغرس قيم العلم في الحياة العلمية لأفراد المجتمع، من خلال العملية التعليمية والتثقيفية للمجتمع ككل)، وأشاروا إلى أنه (لا بد أن يترافق هذا مع توفير بنية أساسية للعلم، وبناء المؤسسات العلمية والبحثية التي ترعاها الدولة، ورؤوس الأموال الخاصة)، وأكدوا (أن كل جهد يصبّ في هذا الاتجاه سيذهب أدراج الرياح، ما لم تهب نسمات حرية العلم على المجتمعات العربية: حرية المساءلة وحرية الاجتهاد، وحرية الرأي، وحرية الفرد في علاقته بالمجتمع وبالسلطة التي تحكمه، وحرية التفكير والإبداع)، وذهب المشاركون في الندوة إلى (أن كل من يقرأ التاريخ يدرك تلك العلاقة الوثيقة التي ربطت بين نهوض الحضارات والمجتمعات، وتقدم العلم، وتوافر الحرية، وفي الوقت نفسه اقترن التخلف، والانحدار بمعاداة العلم).
واتهم المشاركون في الندوة المجتمعات العربية بأنها (أمة لا تقرأ) ونظمها التعليمية بأنها (تقوم على الحفظ والتلقين، ولا تشجع على التفكير والابتكار)، كما وصفوا مكانة العلم في ثقافة المجتمعات العربية بأنها (في أدنى منزلة).
قرأتُ تعليقاً على هذه الندوة يقول: (لقد وضعت إصبعها على الجرح الغائر؛ فالمواطن العربي وفقاً لمنظمي الندوة يعاني من حالة عسيرة من الأمية العلمية، وما عدا بعض جزر متفرقة يعيش عليها بعض العلماء المنعزلين كالرهبان، لا نرى أثراً للمناخ العلمي الذي يغير العالم الآن، ففي الوقت الذي يستعد فيه للانتقال إلى عالم الغد، نرتدّ نحن إلى هوامش الماضي).
ولإنقاذ المجتمعات العربية من هذه الحالة، طالب المشاركون في الندوة بنشر الثقافة العلمية على مختلف المستويات، وحددوا المقصود بالثقافة العلمية وهو (قدر من المعرفة، وطريقة في التفكير، وسلوك في الحياة)، وأكدوا أن المجتمعات العربية (في أمس الحاجة إلى طفرة علمية، تكون كالمصل الذي يشفي الجسد العربي العليل من أسقامه وتخلفه)، ورأوا أن هذا (أمر يتطلب إرادة قوية أولاً، وإصلاحاً سياسياً واقتصادياً ثانياً، وصحوة ثقافية تشارك فيها أنظمة التعليم مع وسائل الإعلام ثالثاً).
ثالثاً: واقع إسهام وسائل الإعلام السعودية في نشر ثقافة الإبداع
شهد الأداء المهني لوسائل الإعلام السعودية ارتقاء بالممارسات المهنية، واستطاعت وسائل الإعلام السعودية في هذه المرحلة أن تتبوأ مكانها بين وسائل الإعلام العربية المتقدمة، وسعت إلى تلبية الاهتمامات المتعددة للمتلقين، وحققت وسائل الإعلام السعودية قفزات مهنية عالية، تكاملت مع سعيها لتطوير قدراتها المهنية، لمقابلة المنافسة التي باتت تواجهها من وسائل الاتصال الإلكترونية، التي أتاحتها تقنيات البث المباشر من خلال الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وعبر الأقمار الصناعية. (28)
وتبعاً لذلك تعددت مصادر معلومات وسائل الإعلام السعودية، وبخاصة في مجال استقاء العلوم، والطب، والاختراعات، والابتكارات، وانفرد بعضها بنشر أخبار مهمة عن التقنية (التكنولوجيا) الحديثة ومعلومات عنها. وارتبطت وسائل الإعلام السعودية بميلاد ونشأة وظائف جديدة ذات صلة بقضايا الثقافة، والتدريب، والتأهيل، في قطاع المعلوماتية لبناء مجتمع المعرفة العلمية. واستثمرت وسائل الإعلام السعودية في غضون العشرين سنة الماضية استثمارات ضخمة لتطوير قدراتها المهنية، حتى باتت تتفوق على بعض وسائل الإعلام العربية في جوانبها المهنية. (29)
وتبعاً للتحول الاجتماعي والاقتصادي الذي أصبح عليه المجتمع السعودي، فقد تنوّعت الاهتمامات النوعية لوسائل الإعلام السعودية، وبخاصة الصحف، إذ خصصت صفحات للعلوم، والطب، والتقنية، وظهرت صفحات علمية، وثقافية، ومعلوماتية، تلبية للحاجات التي تتطلبها طبيعة المجتمع، وفقاً للسياسة الإعلامية السعودية (30) ونظام المطبوعات والنشر، كما ظهرت مجلات محكمة (تصدر عادة عن جهات علمية أو أكاديمية كالكليات، والجامعات، والمعاهد العلمية، ومراكز البحوث والجمعيات العلمية، وتهتم بفئة معينة من فئات المجتمع). (31)
لكنّ الملاحظة بالمعايشة وهي إحدى أدوات البحث العلمي لا تشير إلى أن وسائل الإعلام السعودية (الإذاعة، الرائي، الصحف، المجلات) تعطي مساحة أكبر للموهوبين، والمتميزين، والمتفوقين عقلياً من أفراد المجتمع السعودي؛ إذ حازت ثقافة الأقدام على نصيب الأسد مقارنة بثقافة الأقلام، وعالجت مجلة (الموهوبين) الصادرة عن مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، الحلقة المفقودة عربياً في العلاقة بين المفكرين والمبدعين من جهة، والإعلام من جهة أخرى بشقيه: المرئي والمسموع. ولاحظت المجلة أن التجاهل لمن يستخدمون عقولهم في التفكير بات ظاهرة تستدعي النقاش (ما دام أن أنصاف الموهوبين يعتلون سدة الهرم، بينما يقبع الموهوبون الحقيقيون في الأسفل، دونما إشارة أو عزاء). (32)
ونقلت المجلة عن الدكتور حسن العارف (مدير إدارة الثقافة والمكتبات في إدارة التعليم بمحافظة جدة) قوله: (إن الأمتين: العربية والإسلامية لا تنقصهما العقول، أو المواهب، أو أصحاب المخترعات، والذهنيات الصافية التي تصنع التطور) (33)، لكنه لاحظ أنهم (يواجهون من الإعلام بمختلف أنواعه نوعاً من الصدود؛ ما يجعلهم يبحثون عن الهجرة بعيداً عن أوطانهم، أو الانكفاء والتبلد في حالة عدم التغرب). (34)
وانتقد تركيز اهتمام بعض الفضائيات العربية على الغناء، واصفاً هذا التركيز بأنه (يضع الأمة العربية في مواجهة غزو مؤدلج من داخلها، خصوصاً شباب المفكرين، في الوقت الذي يوجه الدعم إلى فئة أخرى، لا تهتم كثيراً بالتفكير العقلاني، ولا علاقة لها بالإبداع من قريب أو بعيد). (35)
وإزاء تجاهل وسائل الإعلام العربية للأفكار والمواهب الشابة، طالب محمد عبد العزيز الخميس (مسؤول الاختراعات في مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين) بمعالجة هذا الوضع معالجة خاصة، ورأى أنه يحمل في طياته (نوعاً من عدم العدل بين الفئات المختلفة المرتبطة بالإبداع)، فضلاً عن أن تركيز وسائل الإعلام على فئتين فقط هما: أهل الرياضة وأهل الفن، وعدم إعطاء الفئات الأخرى حقها في الظهور، وطرح أفكارها الخاصة، يحتاج إلى وضع حدّ للإعلام الموجَّه.
وطالب بأن تتيح وسائل الإعلام الفرصة للجميع، وعدم قصر الاهتمام على الجزء دون الكل، ولفت إلى أنه إذا فتح الإعلام أبوابه أمام نوعيات الفئات المتباينة، فإن المنافسة بينهم تنتج معطيات جديدة للإبداع بكل صوره، مؤكداً أنه ساعتها لن يكون هناك داع لأن يتضرر أحد من بروز آخر؛ إذ إن الوضع في هذه الحالة يكون متوازناً ولصالح الجميع.
ورأى الخميس أن هناك حاجة ماسة أيضاً إلى توجيه الأطراف المشاركة في صنع القرار الثقافي، وتوجيه أنظار المجتمع إلى مختلف الزوايا وقال: (إن هناك وزارة خاصة للرياضة، وأخرى للإعلام، وغالباً لا يكون لهما سوى الاسم فحسب، دون إلقاء الأضواء على النشاطات الأخرى) (36)، مشيراً إلى وجود صحف ومجلات (ترعاها رموز رياضية وفنية، بينما لا يوجد في المقابل رموز أو مجلات تعنى بما سماه (الفئات المجهولة) وهذا عكس ما في الدول المتقدمة (حيث توجد وزارات تهتم كلياً بالبحث، والتطوير في مجال العلم والإبداع). (37)


* العضو السابق في مجلس الشورى والمحاضر حالياً بقسم الإعلام في كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
(*) ورقة مقدَّمة للمؤتمر العلمي الإقليمي للموهبة الذي تنظِّمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين.

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved