الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th August,2006 العدد : 168

الأثنين 4 ,شعبان 1427

الإمام محمد عبده.. ولادة المثقف الحديث (3-12)
في معنى الثقافة ودور المثقف
د.عبد الرزاق عيد

يقوم علي أومليل صاحب كتاب (السلطة الثقافية والسلطة السياسية) بعرض لتاريخ سلطة المثقف في السياق الغربي ليرافع ضد خطأ تحديد المثقف العربي لمشكلته في (الالتزام)، إذ يرى أن الالتزام ليس قضية الحقيقة، بل الكتابة نفسها: كيف تكون الكتابة ممكنة؟
وذلك أن سؤال التأكيد على شروط ممكنات الكتابة هو سؤال سابق على سؤال الالتزام... إذ إن سؤال الالتزام هو بمثابة وضع العربة أمام الحصان... فالحري بكتابنا أن تكون قضيتهم الأولى هي الديموقراطية وليس الالتزام، أي الحريات العامة، بما فيها حرية التعبير، لتتحقق هوية الكاتب أولا، وبعد ذلك فليكن ملتزما أولا يكون، لقد كان الأحرى أن يكون الالتزام الأولي هو الالتزام بالديموقراطية.
وينعى على المثقف العربي أنه نظر إلى الديموقراطية بوصفها مجرد لعبة شكلية لبورجوازية مسيطرة، وهكذا سخر دعوته إلى الالتزام... وعلى هذا لابد للمثقف العربي لكي يستحق السلطة الفكرية من نضال طويل وعسير وهو قبل كل شيء نضال من أجل الديموقراطية، وبالديموقراطية (اومليل الفصل الثاني عشر).
ماذا تعنينا الاستخلاصات النظرية الأخيرة في سياق بحثنا هذا عن الإمام محمد عبده؟
في حقيقة الأمر أن ما يعنينا في هذا البحث أنه ينطوي على جهد نوعي متخصص في استقصاء هذه العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الثقافية في التراث العربي والإسلامي، وأنه يتناول تطور صورة المثقف العربي عبر التاريخ بوصفها صورة المثقف القديم الذي يتوجه بنصه إلى السلطة، بسبب أن المجتمع لم يكن قد ولد بمفهومه الحديث، إذ ظل هذا المجتمع عبر التاريخ هو كيان للعامة، وليس مجتمع (الشعب الأمة) والحقوق الدستورية الذي سيولد فيه المثقف الحديث بوصفه مثقفا حاملا للمشروع الديموقراطي، لكن عندما ينتقل اومليل إلى العصر الحديث، فإنه يقفز فوق الزمن الليبرالي الذي يمتد على مدى قرنين منذ حملة بونابرت ليقف عند فترة الخمسينات من خلال مشكلة الالتزام، وهي المرحلة التي شهدت زمن الشرعيات الثورية والانقلابية على الشرعيات الدستورية والديموقراطية، متجاهلا تلك الحقبة الأهم في تاريخ العرب الحديث التي امتدت على مدى النصف الأول من القرن العشرين على الأقل، هذا إذا لم نتحدث عن إرهاصات نصف قرن سابق امتد على مدى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ليبدو أن المثقف العربي الحديث لم يولد بعد، بل هو مثقف الالتزام الذي يعد الديموقراطية لعبة شكلية لبرجوازية مسيطرة.. وكأن المثقف الحديث مثقف الديموقراطية والشرعية الدستورية لم يلد إلا في تسعينات القرن العشرين مع دعوة كتاب (السلطة الثقافية والسلطة السياسية).
من هنا تتأتى أهمية التعرف على خصائص ومميزات المثقف الحديث في مشروع محمد عبده في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ليس من أجل إعادة الاعتبار للإمام فحسب، بل لإعادة الاعتبار للتاريخ العربي الحديث بوصفه ليس تاريخ مواصلة للاستبداد، بل هو تاريخ من النضال العسير في سبيل الديموقراطية! وإذا أتت لحظات تاريخية تغلبت فيها أولوية التحرر الوطني من الخارج على الحريات السياسية في الداخل، لكن الشجاعة الفكرية الأخلاقية والسياسية التي توفر عليها مشروع الإمام وحزب الإمام منذ أكثر من قرن تؤكد على أن المثقف العربي كان رياديا مع عبده في الدعوة إلى الحداثة والحرية والشرعيات الدستورية المدنية والديموقراطية.
المثقف الذي سيسم سلوكه ترفعا عن المنافع ودنايا الدنيا ومطامعها ومنافعها، ولهذا وصفه تلميذه الشيخ رشيد رضا (أما أخلاقه فأخلاق عمر)، هذه النزاهة ستدخله بمواجهه مع الخديوي عباس الطامع بأراضي الأوقاف، مما سيترتب عليه غضب الخديوي وعدائه الشديد وتحريض حاشيته على النيل من الإمام والإساءة له والتشهير به في الصحف والإعلام، إذ استمرت هذه المعركة في أواخر حياته بين سنة 1902م حتى وفاة محمد عبده 1905م.


abdulrazakeid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved