الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th August,2006 العدد : 168

الأثنين 4 ,شعبان 1427

حدث عن البحر ولا حرج
في يوم الجمعة الموافق25-6-1427 هـ ودعت مدينة العلم والثقافة والتاريخ (عنيزة) علماً من أعلامها، وقطباً من أقطابها، ورمزاً من رموزها، عالم أفنى عمره في خدمة العلم وأهله، وبذل الغالي والرخيص لطلابه وقاصديه، ألا وهو شيخنا وأستاذنا العلامة الموسوعي عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي، رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ومن باب العرفان والوفاء لشيخنا أحببت أن أشارك غيري ممن كتب عنه في الصحف في هذه العجالة، ولي في حياة أستاذنا بعض الوقفات.
الوقفة الأولى: تفرغه التام للعلم وأهله، حيث كان رحمه الله يجلس بصفة يومية لاستقبال طلاب العلم على اختلاف درجاتهم وميولهم في مزرعته (مُطلة) المطلة على جوهرة الجزيرة العربية وعذرائها مدينة (عنيزة) من قبل صلاة المغرب إلى ما بعد العشاء بساعة أو ساعتين يتم الحوار فيها في كل فن وعلم، تطرح عليه الأسئلة والإشكالات فيبحر في الإجابة عنها بكل دقة وتفصيل حتى يظن السامع أنه لا يعرف إلا ذلك الفن أو العلم ويزيد على ذلك بأن يدل السائل على المراجع التي يحب أن يتزود منها، وإن كانت هذه عنده رحمه الله فلا يبخل بها سواء كانت مطبوعة أو مخطوطة، أو وثيقة حتى أنه يعطي من يجهله أمره وشخصه، فكم طالباً ارتقا الدرجات العلى على أكتافه وهو مع ذلك لا يريد من أحد جزاءً ولاشكوراً.
الوقفة الثانية: روايته الموثقة المعتمدة على تتبع الوثائق والرواة الثقات، فقد كان رحمه الله لا يبت في حادثة من الحوادث أو نسب أو قصة إلا عن مصدر موثوق، فإذا سمع بقصة أو حادثة من شخص سأل عنها غيره ثلاثة أو أربعة حتى يوثقها ويجمع بين رواياتها، كما أنه استطاع بجهده وماله وثقة الناس به جمع المئات من الوثائق خصوصاً ما يتعلق بمدينة عنيزة وأسرها وأعلامها.
الوقفة الثالثة: براعة الإلقاء، حيث وهبه الله منطقاً بليغاً ولساناً فصيحاً، وحبكاً رائعاً للقصص والأحداث، كأنك تراها عياناً عندما يصورها ويصفها، فلا تغفل عن حديثه لحظة واحدة لسلاسة أسلوبه ودقة وصفه للأحداث، فترسخ في ذهن سامعها لأول وهلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
الوقفة الرابعة: التحليل الدقيق للأحداث التاريخية والسياسية وربط بعضها ببعض لسعة روايته ودرايته، وله في هذا القدح المعلى، وكيف لا يكون كذلك من آتاه خالقه حافظة قوية وذهناً وقاداً وعقلاً يستعمله، وكان يردد علينا دائماً بأن مشكلة المؤرخين قديماً وحديثاً هو سردهم للأحداث دون تحليل أو ربط أو استنباط لما يذكر، وهذه هي زبدة التاريخ المفقودة التي من خلالها يستطيع القارئ التوصل إلى الأسباب والنتائج بكل يسر وسهولة، كما أنها تولد لدى القارئ قراءة مستقبلية للتاريخ وبعد نظر للقادم من الأحداث.
الوقفة الخامسة: دقته في انتقاء الألفاظ والمصطلحات عند الحديث، لذا يجب على سائله أو محاوره أن يفكر ألف مرة في ما سينطق به حتى لا يقع في نقده وعتابه الصادر من معلم ومربٍ يغيظه ما وصل إليه حال لساننا العربي ونحن أمة أعظم اللغات وأشرفها، ودائماً يقول لنا: (إن مشكلتنا أننا نبسق الكلام بسقاً دون أن نعي ما نقول).
هذا ما أحببت المشاركة فيه، في حق أستاذنا القدير المقلَمة السيّارة والخزانة المتنقلة، وأنا أقل من ينبه على قدره كلمي، أو أن يوضح بناءها قلمي، فهو بحر لا ساحل له، وكنز لا نظير له، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه.
فرحمه الله وجعل نزله في عليين.


محمد القبيل عنيزة

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved