الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th August,2006 العدد : 168

الأثنين 4 ,شعبان 1427

قدمها خالد الفيصل هدية للمبدعين
قرية المفتاحة أول مشروع تشكيلي على المستوى العربي

إعداد : محمد المنيف
اشترطت عند حجزي تذكرة السفر إلى أبها ان أكون عند نافذة الطائرة ليتسنى لي مشاهدة عسير من الفضاء الرحب ومع ان رغبتي قد تحققت إلا أن ما شاهدته بعد هبوط الطائرة كان أكبر وأجمل في مختلف مكوناتها البيئية والاجتماعية فحزنت على أن تأتي زيارتي هذه لأبها البهية متاخرة، إضافة إلى ان وقت اقامتي لا يتعدى العشرة أيام تمنيت ان تمتد إلى الثلاثين، فكل يوم اكتشف ركناً وزاوية ومساحة من الجمال ومن الكرم والحفاوة والترحاب حينما تسمعها من أفواه أهل عسير وأبناء أبها عند قولهم (أرحب) أو (مرحباً ألف) ومع انني في رحلتي هذه عازم على نسيان هموم العمل الاداري والفني والصحفي إلا ان ما تتمتع به أبها من برامج ثقافيه دفعتني للعمل واقتناص الفرصة لمعرفة الكثير عن فعاليات تنوعت فيها المشارب ومنها الفنون التشكيلية التي سيأتي الحديث عنها تابعا.
قرية المفتاحة بوابة الثقافة والابداع
عند وصولي إلى مطار أبها قوبلت أنا وعائلتي كغيري من المسافرين بالابتسامة العريضة الصادقة من كل من يعمل في المطار وفي مقدمتهم من يقف في موقع خصص لهيئة السياحة هناك حيث قدم لنا الشباب مجموعة من الاصدارات التي تتضمن خريطة لعسير ومعلومات عن مواقع السياحة فيها كما تضمنت الاصدارات كتيبا جميلا وانيقا عن فعاليات الصيف الثقافية من أمسيات وحفلات غنائية ومعارض فنية، أخذت في البحث عن أماكن تلك المناشط والفعاليات فوجدت ان أغلبها يقام في مركز الملك فهد الثقافي فكان منطلق زيارتي لهذه المنطقة والمدينة الغالية الرائعة بكل ما فيها.
يقع مركز الملك فهد في وسط مدينة أبها ويضم قرية المفتاحة التشكيلية وسوق الثلاثاء الشعبي ومسرح المفتاحة ويعتبر مركز الملك فهد أول مشروع من نوعه في المملكة خصوصا ما يتعلق بالقرية التشكيلية التي تعنى بالفنون التشكيلية والفوتوغرافية والصناعات التقليدية المحلية تستقطب محبي الفنون للممارسة أعمالهم الفنية في بيئة مناسبة تلائم تطلعات هؤلاء الفنانين والمبدعين من خلال توفر المراسم والورش الفنية التي تلبي احتياجات الفنانين التشكيليين.
قصة المفتاحة التشكيلية
مع أن الخبر أو المعلومة عن قرية المفتاحة للفنون التشكيلية ليست جديدة على التشكيليين الا ان اعادة الحديث عن هذه القرية فيه تذكير بها للاجيال الجديدة فقد جاء في كثير من اللقاءات والحوارات الصحفية ما تحدث به صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير عسير وراعي نهضتها في مختلف المجالات ومنها الجانب الثقافي والفكري والابداعي عن قرية المفتاحة حيث يقول سموه عن بداية الفكرة (حين زرت قرية المفتاحة لأول مرة وجدت بقايا مساكن قديمة حولها بعض المزارع، ولم يكن بها إلا رجل واحد مسن يمشي على عصا، ولا أدري لماذا استوقفتني هذه القرية بتصميمها الجميل وتراثها الأصيل، وأدركت أن إزالتها خسارة تراثية) بهذه العبارات وهذه النظرة الثاقبة كانت ولادة قرية المفتاحة بحلتها الجديدة وهدفها الحضاري المتمم لتاريخها وسمتها التراثية فابرم عقد استثمارها بين بلدية أبها وجمعية البر في عام 1408هـ وشكل لها لجنة عليا برئاسة الأمير خالد الفيصل ليتم تحقيق الفكرة في صيف عام 1410هـ وتفتتح على شرف أمير عسير وبحضور متميز للمثقفين والفنانين التشكيليين.
توالت الإضافات لقرية المفتاحة وأنشئ بها مسرح وقاعات لمعارض الكتاب والفنون التشكيلية ليطلق عليها أمير عسير الشاعر والمبدع التشكيلي خالد الفيصل اسم مركز الملك فهد الثقافي بابها لتتحول إلى ملتقى ابداعي يؤمه السياح للتمتع بالبرامج المتنوعة والمناسبة لكل الاجيال، هذا المركز وما يضمه من مرافق ومنها قرية المفتاحة التشكيلية وما اقيم فيها من فعاليات اوصلت شهرتها إلى مختلف بقاع الارض من خلال زيارات العديد من المسؤولين العالميين والعرب.
مراسم القرية محط رحال التشكيليين
لنعد قليلا إلى قرية المفتاحة للفنون التشكيلية التي وصلنا اليها دون علم المايسترو أو القوموسيير الفنان النشط المتمتع بعلاقات أفقية شملت مختلف فناني المملكة الفنان عبدالله شاهر مدير مركز الملك فهد الثقافي فكان لقاء لا ينسى اشترطنا فيه ان يتركنا في حالنا وألا يحرجنا بما عهد منه من كرم الضيافة شأنه شأن أهل عسير إلا انه لم يقبل الشرط فبدأنا معه جولة في أرجاء القرية واستمعنا لحديثه عن القرية وعن مواقف الامير خالد الفيصل في دعمها وعن ما مر بالمركز عامة والقرية بشكل خاص من نشاطات استضيف فيها أسماء متميزة وبارزة في مختلف الفنون والابداعات الثقافية من معارض وأمسيات ومحاضرات، وأشار في حديثه إلى العديد من المعارض والمسابقات التشكيلية لفنانين محليين وعرب كما أضاف بأن في برامج قرية المفتاحة الكثير من المفاجآت والمعارض الدولية، مع ان الحديث والموضوع لهذا الاسبوع يختص بمراسم قرية المفتاحة الثلاثة عشر التي يشتمل كل مرسم فيها على أستوديو للرسم في الدور الارضي معد بكل ما يسهل على الفنانين ممارسة ابداعهم من أضاءة وتكييف وادوات فنية كما يشتمل الدور الاول من المرسم على غرفة نوم مع مرافقها من مطبخ صغير ودورة مياه لا تقل في مستوى تجهيزها عن فندق خمسة نجوم كما علق مستضيفنا الفنان شاهر.
أين فنانو أبها من نبع إبداعهم؟
خلال تجوالنا في مراسم قرية المفتاحة سعدنا بلقاء أربعة من التشكيليين هنا من ابناء عسير احسنوا صنعاً في تواجدهم المشرّف في مرسمين من مجموع المراسم الثلاثة عشر التي اغلقت بقيتها حزنا على غياب الفنانين، فكان في كل مرسم من المرسمين اثنان من الفنانين. كان دخولنا عليهم غير مفاجئ في وقت كان فيه كل منهم منغمسا بإبداعه ومستعدا لاستقبال أي ضيف إلا أن ما تلقيناه من ترحاب أشعرنا بأنه مختلف ومتميز وخاص من قبل الفنانين عبده عريش وسعيد خضري في المرسم الأول ومن الفنانين محمد شراحيلي وعلوان أبو راس في المرسم الآخر، ومع ان هؤلاء يمثلون نخبة متميزة ممتلكة لمستوى ابداعي كبير وحضور بارز على الساحة فقد أضفوا على قرية المفتاحة طعماً ونكهة بجميع الالوان من خلال اعمالهم التي ازدانت بها مراسمهم وحظيت باعجاب الزوار من العائلات أو الأفراد.
إلا ان هذا العدد لا يشكل بقية العقد الكبير من الأسماء الأخرى التي توقعنا تواجدها لممارسة ابداعها او للمشاركة في التحدث مع الزوار حول الفن التشكيلي، والواقع ان قرية المفتاحة مكسب وكنز نغبط فناني عسير على وجوده في مدينتهم أبها في وقت تفتقر لمثله كل مناطق المملكة ومع ذلك يكاد يُهجر الا من المخلصين له وعشاقه.
دعوات قوبلت بالاعتذار
أشعر بالخسارة لعدم تمكني الاستجابة للدعوة التي وجهها لي الزميل شاهر للحضور إلى أبها خلال السنوات الماضية للتعرف على هذا المعلم الحضاري وممارسة الرسم في أجواء أبها من خلال حضن المراسم الدافئ الذي شهد إبداعات الكثير من الفنانين من مختلف مناطق المملكة منذ تأسيسها وعلى مدى ثلاثة عشر عاما قدمت فيه قرية المفتاحة فرصا ذهبية لكل الفنانين الذين تواجدوا فيها نتيجة اكتسابهم اعجاب الجمهور الذي يزور القرية ويمر بالمراسم ويتفاعل مع الفنانين بالحوارات والمناقشات المباشرة حول ابداعهم.
فالقرية بهذه التجربة حققت ما لم يحققه الكثير من الجهات ذات العلاقة، مؤكدة بذلك ريادتها على المستوى العربي حيث حظيت باعجاب الكثير من زوارها وفي مقدمتهم امير ويلز عند زيارته لأبها، ومع ان القرية أخذت مكانتها في تاريخ ثقافة الوطن وفي مسيرة الفن التشكيلي السعودي الا أننا نتساءل حول تراجع تواجد الفنانين في صيف هذا العام إذ لم يكن بالشكل المأمول مع ان الدعوات قدمت للكثير من الفنانين من مختلف مناطق المملكة كما اشار الفنان عبدالله شاهر ولم يتلق أي استجابة.
والحقيقة ان مثل هذا الجفاء او التراجع من قبل الفنانين مقابل الاهتمام الكبير من المسئول عن مراسم قرية المفتاحة يبعث الأسى ويمثل خسارة كبيرة لكل الفنانين ويعتبر إجحافا في حق القرية وتفريطا في الفرصة مع ان دعوتهم اليها تشمل تأمين تذاكر سفرهم وسكناهم مع ما يتمتع به المكان من السبل الميسرة والاجواء المحرضة على الاستلهام.
معرض جماعي غاب عنه البعض
كما أشرت سابقا ومن جميل الصدف أن أحظى بوجود معرض جماعي لفناني عسير تضمنه الاصدار الأنيق لفعاليات صيف أبها وأشير إلى انه يقام في مركز الملك فهد فعقدنا العزم وانطلقنا إلى الموقع وكان لنا شرف حضور الافتتاح الذي شرفه الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز نائب أمير عسير وبمشاركة عدد كبير من متذوقي الفنون التشكيلية وأخذنا جولتنا في المعرض الذي اشتمل على عدد لا بأس به من الاعمال وشارك به نخبة من الفنانين الشباب واصحاب التجارب السابقة، غالبية تلك الاعمال نفذت بالألوان الزيتية وأخرى بالأحبار والبعض الآخر وجد في المفاهيمية استلهاما لفكرة ما فقام بعرض مخلفات الحديد، وقد تعددت في المعرض المواضيع وأساليب التنفيذ بين انطباعية وسريالية وواقعية وتجريدية قدمها كل من الفنانين عبدالله شاهر، عبدالله حماس، محمد شراحيلي، عبده عريشي، إسماعيل الصميلي، عبدالناصر العمري، محمد المالكي، أحمد ماطر، سعيد الخضري، إبراهيم الألمعي، إبراهيم أبو مسمار، عبدالكريم قاسم، عبدالله العمري، ومع ان هؤلاء الفنانين يمثلون الساحة التشكيلية في عسير ولديهم من القدرات ما يجعل المعرض مشرفا إلا أن غياب الكثير من الأسماء يثير الاستفهام خصوصا أن في عسير ما يزيد على الأربعين فنانا من بينهم أسماء لامعة وكبيرة منهم على سبيل المثال الفنانون عبدالله الشلتي، حسن عسيري، عائض عباس،علي مرزوق، فايع الألمعي، عبدالعزيز العواجي، عبدالله البارقي، ناصر عباس، سعيد سعيد، وآخرون.
قرية المفتاحة والأجيال الجديدة
عند تداول الحديث بيني وبين الفنان عبدالله شاهر باعتباره مدير مركز الملك فهد الثقافي والمسئول المباشر عن مراسم قرية المفتاحة التشكيلية وصاحب التجربة الطويلة في هذا المجال حول نتائج التجربة وغيرها من الجوانب التي تتعلق بالفنون التشكيلية في عسير والتي نعدكم بلقاء كامل وصريح عنها تطرقنا لبعض السلبيات التي يمثل جزء منها الاعتذارات التي يتلقاها ممن تتم دعوتهم للحضور إلى أبها وإلى القرية في فترة الصيف واشرنا إلى أهمية تغيير الآلية أو المزج فيها بين الاجيال ونعني بهذا ان للفنانين الشباب الحق في الحضور أو تلقي الدعوة وألا تتوقف الدعوة على الفنانين المعروفين ممن اخذوا حقهم او مكانتهم في الساحة.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved