الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

دافنشي بين ألغوزتين
غازي أبوعقل

قدمت (الثقافية) في صفحة إصدارات من عددها الرابع والعشرين بعد المئة، عرضاً موجزاً لرواية دان براون (شيفرة دافنشي). يثير هذا العرض ملاحظتين، أولاهما القول بانعقاد (مجمع نيقية الكنسي العام 325 في تركيا). هذا استباق لظهور اسم تركيا وإطلاقه على آسيا الصغرى، بنحو ألف سنة.
وجاءت الثانية بهذه الصيغة: (والجدير ذكره أن مقولات دان براون في هذه الرواية قد استقى معظمها من كتاب غير موثق عنوانه دم مقدس، كأس مقدسة). هذه إشارة غير دقيقة، لأن الواقعة تتصل بكتابين لا بكتاب واحد. وهما موثقان إلى الحد الذي تتيحه الوثائق المعروفة في العالم اليوم.
مؤلفو الكتابين بريطانيون ثلاثة هم: ميكائيل بيجنت Baigent وريتشارد لي Leigh وهنري لنكولن Lincoln.
عنوان الكتاب الأول بالانكليزية: The Holy Blood and The Holy Grail صدر في عام 1982م، نُشر الكتاب الثاني في 1986 وعنوانه: The Messianic Legacy.
الكتابان بحث تاريخي موثق يعتمد على دراسات ميدانية ومقابلات شخصية ومعلومات مستخلصة من مجموعة ضخمة من المصادر المتنوعة، استغرق إعدادهما أكثر من عشر سنوات. يشكل الكتابان أساس ألغوزة دان براون، ولا عجب في إعلان المؤلفين الثلاثة أنهم ينوون مقاضاة براون.
وكان كاتب هذه السطور قد أعد دراسة مطولة عن صلة القربى بين الرواية وبين الكتابين لا مجال لها في هذه (العجالة).
أكتفي اليوم بنقد الترجمة العربية، التي جعلتها السيدة المترجمة ألغوزة تضاف إلى ما حاوله براون من إلغاز. على رغم الحيرة التي تنتاب ناقد الترجمة حول كيفية تناولها وبخاصة من أين يبدأ. أمِن أخطاء قواعد اللغة وهي لا تعد ولا تحصى، أم من اللجوء إلى الصيغ العامية، أم من سوء فهم بعض المفردات الإنكليزية أو عدم تعريبها؟!!.
ولما كان الكتاب يعرف من عنوانه، فلنبدأ به.
اختارت السيدة المترجمة كلمة شيفرة - العباسية - لتعريب كلمة code في عنوان الرواية. الأمر الذي يثير الأسى، أن معاجم الأجانب تشير إلى أن كلمة (شيفرا) جاءت من العربية (صفر) إلى الإيطالية، ثم انتقلت إلى اللغات الأخرى وتغير معناها. وها نحن نلجأ إلى الإيطالية، بانتظار من يعثر بكلمة عربية تعبر عن الرمز والرموز، والملغَز لا الملغوز. ولو لجأ أصحاب الترجمة العربية إلى مادة لغَزَ عند ابن منظور، لوَسَموا الكتاب بهذا العنوان: ألغوزة دافنشي. لأن الأُلغوزة والأَلغاز: طرقٌ تلتوي وتُشْكِل على سالكها. كما حاول براون - والسيدة المترجمة بدرجة أقل - أن يقوما به.
انتقيت من بين انتهاكات القواعد التي اقترفها النصُ العربي، انتهاك صيغة الفاعل والمبتدأ، ولن أورد أرقام الصفحات لضيق المقام: (قبضَ عليه رجليْن - احمرت وجنتيها خجلاً - عينيها كانت تفيضان - هما الحرفين الأولين من اسمي - فَرَّ الإثنين من حمّام الرجال - يقدم له كأس من الشراب - ألفي سنة مضت - أولئك الفارَّيْن قد دخلوا إلى البنك - تابع الإثنين مشيهما السريع - ارتفع برجي الكنيسة - وقف صبيَّين مجنحيَن - الاسم الذي أطلقه عليه أبويه - كان العمودين الذين يقعان في المكان) وكان ينبغي للمترجمة أن تكتب: (كان العمودين الذين يَقَعَيْن..)!!!.
أما الصيغ العامية التي أساءت إلى (فصاحة الترجمة) فهي كثيرة منها: الكروت الائتمانية - كان جدها مفرشخاً رجليه (حكى ابن منظور عن فشخَ ولم يسمع بفرشخَ) - تَرَجَّته صوفي - إمضاء وقت الفراغ - صداه يتردد في حجار روسلين العتيقة (لا حجارة ولا من يحزنون) - سفينة الأخوية كانت على وشك أن تقلب على رؤوسهم...) لا يخلو الكتاب المترجم من بعض التعابير الطريفة منها: (أجاب صوت ذَكَري - مصنعيته عالية التقنية) (اشتقاق المصنعية جهد يحسب للمترجمة) - كما كتبتْ: كان قد فقد حياته تقريباً.. كيف يمكن التقريب في مسألة فقدان الحياة؟ ألا توافق السيدة المترجمة على أن الجملة الأصلية كان من الأفضل ترجمتها: كاد أن يفقد حياته، أو أوشك أن يفقدها...
تركتّ السيدة الترجمة عشرات الكلمات الإنكليزية كما هي، والأنكى أنها كتبتها بأحرف عربية لكي يستحيل على من يرغب من القراء العودة إلى المعجم لتدقيق معناها.
من هذا القبيل: غريل - سانغريا - غاليري - كريبتكس - تاروت - فينيريل - فيتروفي - ماسون - بوصيدون - كلوازونّيه - أوبوسون - باغانوسي - فلاتر - تروبادوريين - هنجارات - باسوريلييفو - روزلين - كريستالي - سمارت كارت - دوبرياج.
أما Sion priory فبقيت في العربية جمعية (سيون) لا صهيون، كما يجب أن تترجم، خشية اتهام دار النشر بالتطبيع الثقافي على الأرجح. مع أن هذه الجمعية ليست كما يوحي بها اسمها، لمن قرأ كتابي البريطانيين الثلاثة.
يبدو أن دار النشر قد حثَّت السيدة المترجمة على سلق النص العربي من الرواية، لكي لا يسبقها قراصنةُ الترجمة، رغم أنها حصلت على حق حصري بترجمة الرواية إلى العربية، والأدلة على السلْق بالإضافة إلى ما سبق ذكره، تتجلى في ملحوظات كثيرة منها: كتابة غنطوسية في محل غنوصية، وتحريف اسم بلدة نجع حمادي في صعيد مصر إلى واحة حمادي.
والمعروف أن نسخاً قديمة جداً من الأناجيل قد عُثر عليها عَرَضاً في أربعينات القرن العشرين في نجع حمادي وهي اسم علم، ومكتوبة بالانكليزية كذلك فجعلت المترجمة من النجع واحة، بعد التضحية باسم المدينة. وهذه هفوة بسيطة إذا ما قورنت بما كتبه محرر ومترجم معروف في صحيفة بيروتية، عن الأناجيل نفسها ومكان اكتشافها، حيث قرأنا بقلمه: مكتبة ناجي حمادي. جاعلاً من المدينة المصرية شخصاً صاحب مكتبة، لأنه لم يفهم كلمة نجع بالإنكليزية. لم تفطن السيدة المترجمة إلى كيفية كتابة اسم جهاز الأمن العسكري البريطاني Military Intelligence الذي يرمز إليه بالحرفين M.I والرقم 5 أو 6 - التجسس أو مكافحة التجسس. فكتبت قوات M15 كما أن نهر لندن الشهير التاميز أصبح نهر التايمز. وقرأنا عن رياح وردية، ودهشنا لأن الرياح أصبحت ذات لون، في حين كتب الروائي براون عن وردة الرياح وهي كما هو معروف القرص الدائري المدرج ذي الإبرة المغناطيسية لتحديد الجهات الأصلية والفرعية. وجعلت الترجمة العربية من حواريي المسيح رُسلاً.
ومن رجال الشرطة agents - عملاء - ولما خطر ببال السيدة المترجمة وضع الأمور في نصابها، وتدوين الكلمة بالانكليزية، أوردت صيغة immaculate conception وترجَمتْها: الروح الطاهرة. بينما المعنى الدقيق الحصري لهذه الصيغة في اللغة العربية هو الحبل بلا دنس للدلالة على طهارة السيدة العذراء. وهي الصيغة المستعملة في كنائسنا العربية.
كان بودي إنهاء هذه (العجالة) بسرد كيفية ترجمة حوار طريف دار بين بطل الرواية لانغدون وبين شرطي فرنسي (agent عميل) وهما يعبران بالسيارة قرب برج إيفّيل في باريس، وطرافة التورية التي لجأ إليها الروائي مستفيدأ من أن كلمة برج بالفرنسية مؤنثة، ليجعل سؤال الشرطي للمحقق لانغدون ملتبساً، بين هل صعدتَ (البرج) وبين هل ركِبْتَه مما ضيع المترجمة، فاختارت الحل الأسوأ، ولم تلعب لعبة المؤلف بإيجاد تورية عربية مناسبة.
ولكن سأتخلى عن محاولتي هذه، لأوجه إلى السيد دان براون سؤالين، يتصل الأول بنجمة داوود، والثاني بهيكل سليمان، لأنه تحدث عن هاتين النقطتين بصيغة الواثق دون أن يفطن إلى أنه ارتكب مغالطتين تاريخيتين لا تليقان بالرواية. كما أنني لن أنسى إيضاح صلات القربي بين (دافنشي كود) وبين كتابي البريطانيين الثلاثة. ولكن في مناسبة ثانية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved