الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

مداركة وحاشية
نايف فلاح
تحت عنوان (ليتها منصوبة على التصالح) ناقشت الأستاذة أمل زاهد مقالة كنت بسطتها تحت (حواء.. منصوبة على التنازع)، فكان نقاشها نقاشاً حشيماً لا مقاواة فيه ولا ترفع، نضد من تقديري لهذه الكاتبة.. ثم أن من أثق به وأفخر، وأعني الصديق الشاعر (عيد الحجيلي)، قد وقف من رأيها موقف النصير المظاهر.. مما ثنى عزم السكوت في نفسي إلى عزم الكلام.
وكان عزمي على السكوت متكئاً على رأيي في الحوارات التي تنطلق من مناطق حالمة، ولست أغض من جدوى هذه الحوارات لكنني أرى إليها بأنها تحدق في البوادر والعناوين دون النظر في الحقائق أو النتائج المتوخاة.. فالبوادر أو العناوين دائماً ما تدفع الحدث من الخلف، وأما النتائج أو الأهداف عادة ما تجر الحدث وراءها من الأمام. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو أنني لم أر في حديث الأستاذة أمل زاهد ما يتعاند مع مجمل ما قلت أو أنه لم يخلل من انتظامه.. وإن ظهرت المشابهة بين المقالين إلا أنها مشابهة في القوالب أكثر منها في المضامين، دل عليها وسم العنوانين وإيقاعهما.. فالعنوان المعارض - بفتح الراء- هو (حواء.. منصوبة على التنازع) والعنوان المعارض - بخفض الراء - هو (ليتها منصوبة على التصالح)، وأهل اللغة أعلم بمدى شسوع المسافة بينهم من المنطلق إلى الأهداف.
هذا ما دعم يقيني في أن مقالتي أو قل الباعث لها لم يستوعب كما ينبغي، إلا أن العنوان الذي على جبهتها فيه استعارة لحكم نحوي استوحيته لأجل تبيان مقصدي من إهابه. لكن في ما بدء أن الرغبة في التبيين أفضت إلى مزيد من التشويش والتلبيس .. ولو فطنت الكاتبة إلى مؤشرات ذلك الحكم أو ذلك العنوان لارتاحت ابتداء من غرض المكتوب، لاسيما أن مؤداه لا يعدو أن يظل توصيفاً لمسار فريقين ما انفكا يفترصان السوانح كي يلتقيا في ساحة مشروعة لا يترتب عليها مساءلات أو مسؤوليات، وأسنح ساحة إذ ذاك كانت هي (المرأة). فالمرأة، إذن، لم تكن في العمق هي الموضوع بقدر ما كانت محمولاً لموضوع.. فالموضوع هو مدى صلاحية أحد الغطائين من حيث البقاء والتمكين... ولقد كان نياط مقالي هو حول معركة أهل التقليد وأهل الحداثة، هنا في هذا الوضع، هذه المعركة التي ما فتئت تستأنف وجودها في لبوس مختلفة.. وليس في هذا تحييد لقضية المرأة وإنما كما أسلفت هو توصيف وعرض لأصل الموضوع، بيد أنني لم أكتف عند هذا الحد بل حاولت الإيماء برأيي في القضية من خلال إطارها العام، الإطار الذي باتت فيه المرأة أداة أو رمزاً لمكان التيارين، وأوضحت أن التقليديين في الغالب هم أمكن من سواهم من حيث الاكتمال النظري أو التناغم المنظومي.. بل أنني ركزت على ممثل التقليديين المغاير لهم منطقياً وإن إنسجم معهم منطوقيا. ليت هذه السطور تفسرني لا بوصفي منتصراً لطرف على حساب طرف، أو بوصفي مؤيداً لفكرة على فكرة.. وكذلك ليتني لا أفسر تفسيراً يعضل موقفي من القضية. نعم لقد نقلت الأستاذة أمل في أمانة واستنكار ما استفهمته حيال المرأة عن (ماذا عسانا أن نواجه لو استغنت المرأة عن أية مشاركة ما عدا بناء الأسرة).. وللكاتبة بناء على منطلقاتها أن تندد أو تستنكر، خاصة وأنني لم أستطرد حتى يتحرر مقصدي من ملابساته.. فذلك الاستفهام لم يكن حملاً على حواء قدر ما كان شاهداً على خلاف عتيق ما بين مفهوم القيمة ومفهوم الواقع، وشاهداً كذلك على ارتباطه في مجريات الفصل والوصل بينهم.. ودائماً ما يكون المحرك الرئيس في استبقاء هذا الخلاف هو عملية الفصل الكلي بين المفهومين.. وليس الفصل سمة لفريق دون فريق لكنه في مسألة المرأة كان الفصل أجلى لدى أهل الحداثة أو من يدعون بالليبراليين.. هذا عائد إلى أن معظمهم من الأدباء الذين يسقون المشكلات العلمية أو الفكرية ومن ثم يعالجونها علاجاً أدبياً... ولنا أن نستأنس بحركة الفيلسوف الفرنسي الشهير (اناتول فرانس) الذي أعلن الحرب على المغالاة في الدين وأعلن الحرب على التعصب وعلى العواطف الشريرة.. غير أن هذا وذاك لم يكفه عن السخرية بالآراء التي تدفع المرأة إلى السفور، كما سخر بالآراء التي تريد أن تصرف المرأة عن كل شيء ما عدا المنزل.. ومن طالع سيرة هذا الفيلسوف الفكرية يتأكد لديه أنه ليس خصماً للمرأة وإنما هو خصم للغلو بجميع أشكاله، وأن تلك الصرخة التي رفعها حيال المرأة حينذاك كانت مشروطة بظروف الواقع الفرنسي.
والمتتبع لشأن المرأة في بلادنا يكتشف في سهولة وإعجاب هذا التقدم الذي خلصها من رسيفها الاجتماعي القديم.. بل أن كل من عرف حركة التاريخ واستجاب لبراثن الضرورة سوف يطمئن على وضع المرأة في هذه الأنحاء.. لكن تبقى الزراية في الكلمات ومداليلها، أهي في المساواة، أم في الحقوق، أم في الحرية ؟.. فإن من الكلمات ما يخيل لسامعه أنه مفهوم بالبداهة وأنه غني عن السؤال لأنه يتكرر كل يوم ولا يسأل أحد عن معناه، ولا يزال هذا ظن السامع حتى يخطر له مرة أن يسأل نفسه عما يريد بتلك الكلمة وعما أراده السلف من قبله، فإذا هو أحوج ما يكون إلى سؤال وتفسيره.
والمشكلة كل المشكلة هي في إطلاق القيمة أو في إطلاق الواقع، وهي تنشأ من سوء التفاهم بين الأطراف.. لكن دورنا أن نكتشف ما في القيمة من واقعية، وأن نكتشف ما في الواقع من إمكانات الانفتاح على القيمة، وإن تضررت القيمة على نحو ما، فالغالب فيها كما يقول الفقهاء ضرر أدت إليه الحال..


Nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved