الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

حواء.. عفوا بل حية!
أمل زاهد
غالبا ما يربط بين المرأة والحية في ثقافتنا، فالمرأة ناعمة الملمس كالحية ولكن هذه النعومة قد ترديك قتيلا أو ترمي بك إلى مهاوي الهلاك، فلدغة صغيرة تمكن تلك الأنثى المتسربلة بثوب النعومة والرقة أن تنفث سمومها وتسربها تحت مسام جلدك! ولذلك لا بد من أن تحقنك الثقافة بمضادات المقاومة وبأمصال التطعيم التي تساعدك على أن تتحصن ضد أشراك المرأة وتحميك من أن تقع في قبضتها المخملية الملمس والتي تحمل بين ثناياها الموت الزؤام، وذلك بتزويدك بأرتال من التحذيرات والتنبيهات التي تحاول كشف المستور وفضح المخبوء للرجل المسكين! والذي يصور دائما في شخصية الضحية المستلبة الإرادة والتي تهيمن عليها المرأة فترديها صريعة بنظرة من عينيها أو بسمة من شفتيها!
وهو دائما ذلك الضعيف الجانب الذي تحكمه غرائزه وتسيطر عليه شهواته فلا يستطيع لمكر المرأة صدا ولا لمكائدها ومصائدها دفعا، فتصب الثقافة جام غضبها على تلك الأنثى القادرة على أن تهيمن على أعتى الرجال وأقواهم، بينما تبرئ خانة الرجل وتبيض صفحته فهو نظيف الجانب خالي الوفاض من النوازع البشرية التي تتحكم في الإنسان وتدفعه لمقارفة الأخطاء ومزوالة الشرور!
وبينما يحتكر الرجل الصفات الجميلة وتختزل القيم والأخلاق الفاضلة في شخصه، تلقب هي بأحبولة الشيطان وبصانعة الفتنة ومصدر الغواية، وكأنه خلق من طينة أخرى غير التي خلقت منها المرأة وكأنه ليس مثلها خليطا من المشاعر والدوافع والرغبات المتناقضة التي تتحكم في سلوكهما معا وتخلق منهما ذلك الكائن الفريد من نوعه والاستثنائي في خلقه
كيف لا وهو قبس من روح وكتلة من طين، تموضعه في مرتبة تقع في الوسط بين نورانية الملاك ونارية الشيطان بين خضوع الملائكة وطاعتهم وتمرد الشياطين وعصيانهم، تحتقن الذاكرة الشعبية في مجتمعاتنا العربية بأقوال وأمثال وحكاوي تحاول ترسيخ صورة معينة للمرأة وحصرها في أطر الخيانة وتقلب المزاج والتنكر لولي نعمتها والخداع والمكر و(كيد النسا غلب كيد الرجال) والمرأة (ميه من تحت تبن) و(الشيطان امرأة) إلى آخر ما تنطق به هذه المقولات والأمثال من هجوم وعدائية على جنس الأنثى الموصوم أبدا بهذه الصفات، فتتحول الحالات الفردية الاستثنائية إلى تعميم وشمولية تلتصق بهذا الجنس الذي قدر له أن يحمل عن جنس البشرية خطاياه كلها دون رحمة أو شفقة.
وتروح الثقافة في طريقها لا تلوي على شيء محاولة تكريس هذه النظرة المشحونة بالعداء للأنثى والتي تكيل لها الاتهامات ذات اليمين وذات اليسار، تارة بالأمثال والأقوال وأخرى بالأغنيات الشعبية ومؤخرا الأغنيات الشبابية التي يرددها القاصي والداني فها هو ربيع الأسمر يشدو في القرن الواحد والعشرين بنصائح أم بدوية لابنها الذي تحذره فيها من حواء وتنهاه عن الاقتراب منها وتصفها بأنها قطعة من جهنم!
وبينما تمتص الذاكرة حكاوي محددة تؤطر لهذه الصورة وتستخدم آلية التكرار لتكرس لها، فتجعل منها أساطير تروى وعبر يجب أن يستفاد منها، تُسقط صور ظلم الرجل للمرأة وكيده ومكره ومحاولات إيقاعه بالمرأة من غربالها المتسم بالانتقائية والتعتيم، فتتعامى عن الآف الحالات التي سقطت فيها الفتيات صريعات لكيد الرجال ومكرهم وإغوائهم، وتلغي من أبجدياتها خيانات الرجال وتنكرهم للعشيرات المكافحات عندما تمتلئ جيوبهم وتنتفخ محافظهم ناهيك عن إغفالها تقلب مزاج الرجل ورغبته الدائمة في التجديد وامتطاء أجنحة المغامرة والبحث الدءوب عن الإثارة، وهذه النظرة تضرب بجذورها في البنية العقلية للبشر عامة لأنها جزء لا يتجزأ من ثقافات وحضارات مختلفة نظرت للمرأة نظرة دونية تحقيرية ألصقت بها مختلف الرذائل، وحملتها إرثا حاولت المرأة أن تتخلص منه عبر الأزمان ولكنه لا يفتأ يلتصق بها كلما حاولت الهروب منه والانفكاك من أسره. فارتباط المرأة بالحية في ذاكرتنا ليس إلا نتاجا لتداخل الثقافة اليهودية باسرائلياتها التي تسللت إلى الثقافة الإسلامية وظهرت في تفاسير القرآن الكريم، فالشيطان في احدى الروايات المذكورة في تفسير الطبري، تسلل في جسد الحية التي كانت لها قوائم ودخل إلى الجنة وأغوى حواء التي أغوت بدورها آدم بأكل الثمرة المحرمة.. وبذلك طرد آدم من الجنة وحكم على الحية فاختفت قوائمها وحكم على المرأة بعقاب أزلي يشمل الجنس الأنثوي برمته وهو الحيض الشهري والآلام المصاحبة للولادة في حين أن القرآن برأ المرأة من هذه التهمة نجد أن بعض التفاسير التي يؤخذ بها إلى وقتنا الحالي لا تزال تحملها خطيئة البشرية تلك، كما ترسخ بعض الأحاديث الضعيفة لدونيتها وتستلبها من الإنسانية بمساواتها للكلب في قطع الصلاة. ورغم تبرئة الإسلام لها من التهم التي وصمتها بها قراءات الديانات السابقة والحضارات المندثرة ومساواتها بالرجل في الإنسانية والثواب والعقاب وفي احتمالية الوقوع في غواية الشيطان، لا تزال المرأة تنتظر ابراء ذمتها واجلاء صورتها من محكمة الثقافة التي يبدو أنها ستبقى عمياء وغير قادرة على إنصافها إلى أجل غير مسمى!


Amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved