الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

في وداع المسيطير
* منذ أن هتفت هواجس الشعر بالبوح، أوغل الحزنُ في حياة الإنسان مؤثراً وباعثاً، وصدى، وأصبح نبضاً في الوجدان، وهمّاً في نسيج المعاناة، حاضرا حتى في أعمق لحظات الفرح وأبلغها استشعاراً وحضورا.
* والشاعر المعبّر هو الذي يتمكن من تجاوز كلّ المعوِّقات الذاتية والوجدانية ليظلَّ شعره أبلغ تأثيراً وتجاوزاً من المرحلة الزمنية العابرة، لذلك يبقى في الذاكرة صوت الشاعر المعبر حتى بعد رحيله بسنوات أو قرون.
* وعندما تجثم كوابيس الحزن على النفس تتعطّل لغة الكلام فيتعثّر القلم، ويتعلثم اللسان عن التعبير عن وداع صديق، أو عزيز تفاجأ بفراقه، ويؤرقك رحيله فيسيطر الحزن والأرق والمفاجأة على كل أدوات التعبير، ذلك ما حدث لي قبل شهور حين أبلغْت برحيل رفيق عمري الأستاذ محمد حامد، فلم أستطع توديعه بعبارة أو بيت، وبعد أقل من شهر فوجئت بوفاة الصديق الدكتور هشام السيد عبده شعيب قبل إعادة قراءة قصته التي طلب مني وجهة النظر حولها، تلاه بأيّام قليلة وفاة الروائي الأستاذ محمد مستجاب الذي كان لعمله في (المجمع اللغوي بالقاهرة) أكثر من عقدين من الزمن أثره النّابض في تشكيله اللغوي في قصصه، ومقالاته المكثفة في مجلة (العربي) (الكويتية)، وفي جريدة (الشرق الأوسط) وما نُشر منها في مجموعات.
* وفي يوم عيد الفطر المبارك من هذا العام 1426هـ افتقدنا واحداً من الأصوات الشعرّية هو الأستاذ محمد بن عبدالله المسيطير الذي عوّدنا على منظوماته الشعرية المطوّلة التي نشرها في جريدة (الجزيرة) في عدد من الرؤى والقضايا الإنسانية، والوطنية، وقد لحظْتُ إيثاره الاشتراك بقصائده المباشرة في أحداث وطنه، وقد اشترك في هذا التوجه مع الأستاذ الشاعر صالح بن حمد المالك والشاعر الدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي إلاّ أنه لم يصدر للشاعرين المسيطير والمالك مجموعات شعرية مطبوعة، وقد أصدر الشاعر عبدالرحمن العشماوي مجموعة كبيرة من الدواوين الشعرية التي نشر منها الكثير في الصحف والمجلات، وألقى الكثير منها في الأمسيات والمنتديات الشعرية داخل المملكة وخارجها، فهو يختلف عن محمد المسيطير وصالح المالك في التناول والتعبير والنشر، ويتفقون في صياغة المنظومات الشعرية الطويلة، وقد قرأت لشاعرنا الأستاذ محمد المسيطير مجموعة من المنظومات منها قصيدته في رثاء ياسر عرفات بعنوان (عرفات)(1)، وقصيدة نظمية أخرى عن الأحداث المؤلمة التي حدثت في مدينة الرياض عام 1425هـ بعنوان (لا تراعي) (2) موجهة من الشاعر إلى مدينته الحبيبة (الرياض) التي يخاطبها بقوله:
لا تُراعي، فقد ملكْتِ الزِّماما
وتساميت ذُروةً وسناما
وحباكِ الإله أمناً أميناً
صانه العدلُ والتقى والذماما
وقد حملت أبيات القصيدة مشاعر إنسانية مخلصة معبّرة عن رؤى شاعر تقليدي برغم ما قوّض أسلوبها من تقريرية ومباشرة تسيطر على معظم المنظومات الشعرية ذات الأسلوب الخطابي المباشر، وقد انسابت أبيات القصيدة بتلقائية متتابعة لولا تعثّر الشاعر في خطأ نحوي في نهاية البيت الثاني: (والذماما) حيث نصب المعطوف على الفاعل ليناسب رويّ القصيدة وقافيتها، وهذا ما أربكني وأفسد عليّ متعة الصلة القرائية لهذه القصيدة الخطابية العابرة.
* وفي وداع شاعرنا الأستاذ محمد المسيطير لا بدّ لي أن أشير إلى معاناة الرحيل والحزن في عدد من قصائده الأخيرة، ومنها القصيدتان اللتان ألمحنا إليهما، ولكنني ألحظ ذلك العمق التأمُّلي الرائع في صياغته لقصيدته التي نسجها بعنوان (في غرفة العناية)(3) حين كان يرقد على السرير الأبيض بمستشفى التأمينات الاجتماعية بالرياض عام 1421هـ التي لا بدّ أن يشعر القارئ بنبض المعاناة الشعرية التي انبثقت في هواجس الشاعر معبراً عن ملامح الوداع ورؤاه في عينيه وتصوراته وهو يصوِّر حالته حينئذ فيقول:
تطوفُ حولك أحلامٌ وأطيافُ
وتلتقي فيك أيّامٌ وأسلافُ
يمرُّ أمس الليالي، وهي ضاحكة
واليوم والغد ألوانٌ وأوصافُ
كأنّما الكون في دنياك بارقةٌ
تمرُّ عجلى لها ومْضٌ وإيجافُ
تلوح من خلفها الدُّنيا مودّعةً
ومن حواليك أقيال ومصطافُ
يسري بها الجدول الفيّاض يغمرُه
فيض الحياة، وإكسيرٌ وإسعافُ
في ليلةٍ ما لها في الكون صاحبةٌ
ولا لها في جميل الصبّر أعرافُ
***
وتشعر بنبضات قلب الشاعر، وهو يعبّر عن الوداع بأسلوب المتأمّل للحياة وهو يرقب الموت أمامه، فيقول:
يا للحياة إذا غصّت معابرُها
ألفيْت قلبك يقضي وهو رفّافُ
يطير في عشّه الدافي إلى وطن
في مهمه ماله أمنٌ، وقيّافُ
يتيه في فلوات الكون طائره
على وجيبٍِ، له خفْقٌ وتطوافُ


عبدالله بن سالم الحميد

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved