الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي

نداء حبي
فهد محمد النفجان
78 صفحة من القطع المتوسط
من فينا لا يخاطب قلبه.. ومن فينا من لا يناجي قلبه.. منتظرين من القلب رجع خطاب.. ومنتظرين من الحب قبلة أمل.. بين الرضى والخوف.. وبين الاستطاعة والعجز فاصل اسمه الانتظار إلى ما ستأتي به المقادير.. والمقادير لحظة إيمان بواقع قد يأتي. وقد لا يأتي.
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البال..
الولاء حب.. والحب ولاء إذا ما كان المحبوب وطناً لا يقبل الجفوة.. ولا الغدر..
الحب للوطن العزيز وأهله
رمز القداسة في بني الإنسان
والطهر والإيمان بالقلب الذي
لا يركب الأيام للطغيان
والحب للوطن يعني حب المواطن.. والوطن في مغزاه الكبير أرض تتسع للإنسان بكل أجناسه.. حبه أوسع من حدود مصطنعة.. أو رقعة أرض محدودة..
والحب أن نعطي الجميل لأهله
لا ينكر الأفضال غير مهان
وإذا كان العنصر الشاب هو نصف الحاضر. وكل المستقبل فإن الأماني المعلقة عليه تظل كبيرة وقتية وطموحة كتطلعاته:
يبني الحياة بعزمه وكفاحه
ويشيدها مرفوعة البنيان
هو رائد. هو باحث. هو عامل
هو صانع لكرامة الإنسان
متى كان إعداده سليماً.. واستعداده قويماً.. وتلك مسؤولية مجتمعه..
وطني أيا رمز الخلود تحية
فهواك في روحي، وفي وجداني
سأجود بالنفس الكريمة ذائداً
يوماً إذا داعي الجهاد دعاني
مشاعر جياشة ملؤها حب الوطن الذي هو جزء من الإيمان.. وكلٌ من الأمان..
(هذا هو العيد).. على ماذا جاء تعريفه العيد؟! هل أنه لبس الجديد أم شيء آخر؟
هذا هو العيد عاد اليوم موعده
فجدد العيد آمالي وأشجاني
ركبت قارب إصلاح وقد هدأت
أمواج ذكرى فؤاد متعب داني
تقودني ذكريات كلها شجن
على خضم من التاريخ ألوان
إلى أين أوصله قاربه؟
حتى مررت بطيف صامت نضر
يمشي الهوينى بخطو الواثق الهاني
فعدت استعرض التاريخ ثانية
لأعرف الطيف في صدقٍ وبرهان
هل أن العيد امرأة؟ أم حلم أكبر يستبطنه عقله لا عاطفته؟! هذا ما تكشف عنه أبياته.. أدبياته:
ثم انتهيت إلى أني عرفت به
طيف النهى فيصلا فاهتز وجداني
يقول.. فيا أمتي لا زال ركبكمو
رمز التضامن في حبٍ. وإيمان
عيده كان قومياً عربياً يستنبط أجمل ما في التوحيد والوحدة من معنى.. وهو شيء بتحقيقه يصبح للعيد معنى..
(لغة الحرب العصرية).. نعرفها جميعاً.. حرب مصالح.. وحرب علم.. وحرب مادة.. وحرب إبادة.. عن أيها تحدث؟!
دار الزمان على الأنام فأدركوا
سقم التفاخر في القديم الصادي
وتحكمت بين الشعوب عقيدة
تدعو إلى التسليح والإعداد
وتعطلت لغة السلام وأحجلت
وتحكمت لغة السلام البادي
فالحرب هذا العصر لا يجدي بها
غير العلوم وحكمة القواد
لغة عاقلة أشارت في خطابها إلى ما هو مرغوب، ومطلوب، إنها لغة العلم المبتكر المُصنّع للقوة.. قوة الاقتصاد.. وقوة الإعداد.. لأي مواجهة.. التغني بالماضي وبطولاته أصبحت في حكم الماضي..
(الفجر الجديد).. بداية نهار.. نور شمس إذا ما أشرقت دون ضباب.. أو اكتئاب.. لعلها كانت كما ينتظر:
يا موطني وقف الصباح ببابي
ليقول عن إعجابه بشبابي
ليقول إني عامل ومجاهد
لاارتضي بمؤلة لترابي
بالعلم، بالإيمان أمضي جاهداً
بالصبر والكتمان للأسباب
أنشودة حب تغنى بها شاعرنا.. رتّلها شعراً.. وثقةً بالنفس.. الأنشودة جميلة.. وأجمل منها ما يترجم على أرض الواقع..
صحراؤنا. وجبالها وبحارنا
محمية، ومنيعة الأبواب
وفضاؤنا تختال في عليائه
شهب الحمى، وفصائل الأسراب
اليوم يا صديقي اختلف الأمر.. اخترق أعداؤنا فضاءنا، وبحارنا لحظة غفلة.. أبوابنا لعلها تكون موصدة حتى لا تنفذ منها غرابيبهم السود..!
من وطنيات شاعرنا النفجان إلى وجدانياته التي عرَّفها بقوله:
هي نجوى الفؤاد آلمه الشوق
وأصداء قلبي المهدود
وأنين أذاع سر حياتي
رغم كبحي له. ورغم قيودي
هي أشباح عمري تراءت
تتوالى مذ كان يوم وجودي
الشطر الأول من البيت الثاني تنقصه كلمة (مني) كي يستقيم (هي مني أشباح عمري تراءت).. ربما سقطت سهواً..
بداية مع (ليالي فرجينيا).. من هناك بدأت بدايات ذكرياته:
ما كان ليلي لغير الدمع أذرفه
ولا انحنت اضلعي إلا على ألمي
تلك وظيفة الأضلع قبل أن نسعد أو نشقى.. إنها حيطان حماية ووقاية عن كل ما نكره.. ومنها ألم الحب الذي لا يدوم..
وما بدا الصبح إلا كي يذكّرني
كم أصبح الصبح والأنغام ملء فمي
وكم لقيتُ من الدنيا وبهجتها
حتى نسيت بأن الكل للعدم
إلى هذا الحد أحب شاعرنا.. ولهذا الحد كان إحساسه بوجع الفراق قوياً، وجارحاً: كيف لا.. وقد جفت ابتسامته بعد انفراجه.. وهوى قصر حلمه بعد إشادة، ولم يبق لديه إلا مجرد حلم ضائع يسترجعه وينصت إلى نغم نابه الحزين وهو يتأوه.. وبقايا حنين صوب مرابعها ما برحت تعتمل في أعماقه
وللفؤاد حنين صوب أربعها
كما تحن نفوس الخوف للظلم
النفوس الخائفة لا تحن إلى الظلام وإنما تهرب منه بحثاً عن قنديل أو حتى شمعة يوقدها كي تؤنس وحشته.. ومن أسر إلى آخر يشدنا معه متابعين غير مكبلين.. فلكل واحدٍ منا أسره وقيده الخاص به..
أين الضمير؟ تنامي ملء عينيكِ
ولا أزال على ناري أصاليها
لم يبق إلا هوى يسري فيأسرني
يسري بجسمي سرى ريح يواديها
(مفردة) (سرى) غير مناسبة.. الريح مؤنثة. وسرى مذكر.. والأنسب (مسرى) أن يصاغ الشطر هكذا:
(يسري كمسرى رياح وسط واديها).. كل شيء ظلامي الصورة في عينيه الليل بوحشته. والصبح بألمه.. وحدها طيف المحبوبة يراود خياله.. يعتصره.. دون أن يقترب.. لغة الشعراء دائما تتلذذ بهيامها وتيه أحلامها.!
على بابها.. وأمام زلفاته توقف.. اخترق الحواجز بخيال شعره.. وراح يرسمها بريشة قلبه. شعرها. صدرها. وجهها. جيدها.. خصرها.. لم يبق على شيء إلا وأجاد رسمه.. وتبقى النهاية واحدة.. وصف في وصف:
فمن شعر تموّج بانسياب
يحاكي لونه لون الليالي
كلمة (نضال) صالحة.. ولأن المعركة معركة هوى فأحسب أن (قتال) أنسب.. وأقرب إلى جو الصراع العاطفي.. النضال مقاومة..
وجيد مثل جيد الرأم.. عفواً!
فجيد الرأم مكتسب الجمال
وأخيراً يعفينا من عتب الاستغراق باعترافه الجميل:
فكم ركبت طيوفك بحر شعري
وكم وقفت على شط الخيال
هذا هو الشاعر دائماً أسير خيال معشوقته وطيفها الذي لا يستقر..
(سلمى) طيف شعري آخر.. نجواه.. وشكواه واحدة.. من وجعه أو وجعها هي نلتمس الخلاص مستجيرين.. ولكن كالمستجير من الرمضاء بالنار..
لقد أسلمنا من سلمى إلى ثانية أخرى أعماه حبها:
أحبك سلمى فوق كل محبة
وأعلن أني في المحبة مغرم
أرى الناس من حولي كأني لم أرى
لأني مشدود اليكِ مُسلِّم
حبها أعماه.. وضرام قلبه لكل أطياف حبه أوسعنها لسعاً لحرارته..
ألا عودة ننسى بها كل ما جرى
ونحيا ليوم من هوانا وننعم
وننسى طلوع الشمس أو مقدم الدجى
فما همنا يوم. وليل معتم
انقلبت الصورة رأساً على عقب.. العاشق أصبح معشوقاً تتكسر على أمواجه المجاديف دون رحمة:
قالت: أحبكَ. قلتُ: إني لا أحب الماكرين
قالت: علامَ؟. فقلتُ: إني قد فقدت المخلصين
قالت: دليلك؟. قلت: عصري فهو برهان مبين
الحب للدينار لا للقلب.. هلا تنكرين؟!
إني لأدرى بالنساء. وبعد ما قد تدَّعين
حوار لا تنقصه الصراحة انتهى لى قناعة منها بأن بعض الحب مكيدة.. وطمع.. ومنه أن خداع الحب آفة مستديمة هكذا يقول:
هذا لعمري آفة تودي على مر السنين
قالت: صحيح ما تقول. وأنه الحق المبين
شاعرنا النفجان بخياله المتحرك ما زال يطارد أحلامه.. يبحث عن طيف لطيف يركن إلى عشر الحلال.. ويبدو أن تعبه سيطول بمساحة رحلتنا معه.. (أواه لو تترفقين) واحدة من محطات حبه العاصف المرتد:
أحبيبي. يا رمز إحساسي.. ألا تترفقين؟!
قالقلب لا يقوى على ما تظهرين وتكتسين
جفلت الحسناء من دربه دون أن تعطي فرصة المتابعة:
عودي. فإني ناظر (أواه) لو تترفقين..
نهاية (غير سعيدة) ومثلها (ذكراك). ومن خيال الحلم إلى واقع اليتم:
أماه. يا أماه بُحَّ ندائي
ناديتُ لا القى سوى أصدائي
اعدد واصرخ خلف ربع أسرعوا
بالنعش محمولاً بكل جلاء
اعدد وفي نفسي سؤال لم أجد
أحداً يجيب تساؤلي ورجائي
ماذا يريد.. وعماذا يسأل؟
أماه ما هذا أغيبة غائب
للدار.. للجيران للأبناء؟
أم غيبة ستطول؟ ردي انني
قد زاد يا أماه ثقل بلائي؟
تساؤلات تبحث عن سر الغيبة والرحيل لأعز الناس إليه وأقربهم إلى قلبه.. إنها أمه المودعة فوق نعشها.. يخاطبها.. يناديها ويناجيها كما لو كانت تسمع وتجيب:
أنا ما تعودت السكوت ولم يكن
منكِ السكوت أما أي نداء
أين التفاتتك التي عودتني؟
رمزا لكل محبة. ووفاء..
أم أين لي أماه حضن دافئ
هو ملجأي في غمرة الأرزاء؟
أماه أحلى لفظة أحببتها
أحببتها تنساب في أحشائي
الكون بعدكِ ظلمة في ناظري
أناخائف من هذه الظلماء
أتغادرين بلا وداع بيننا؟
عودي فأنتِ سعادتي، وعزائي
قصيدة جميلة في توصيفها الشعري.. وتوظيفها البلاغي.. أشعر أنه كتبها بحرقة يتم مرت به.. أو بمشهد شده إلى هذه المحصلة الباكية خطاب شاعرنا إلى بنيته جاء رافقاً بلمسه.. دافقاً بحسه.. لنستمع إليه:
أبنيتي يا كل آمالي.. يا حظي السعيد
يا قطعة مني ورمز هنائتي الباقي الأكيد
مني إلى العقل الصغير نصيحة الأب الرشيد
ونصيحتي ما مني إليك جعلتها ظمأ قصيد
فعليكِ بالدين الحنيف فإنه الآخر الرصيد
وتخلفي أخلاق قوم مجدهم باق.. تليد
وينقضي فحضارة الطاغوت تبديل المجيد
وحذارِ من تيارهم أن يخدعوك فلا محيد
بعض نصائحه لها.. وبعض نصائحي له أن يحرص على بناء شعره الآتي كي يستقيم وزنه على هذا النحو نصيحة لأب رشيد. ومثلها أيضاً ظمأ القصيد..
أعود معكم إلى جدول حبه الذي لا ينضب.. فلحبه نداء.. ودعاء
ضاق صدري واستبد اليأس وازداد اشتياقي
وأنا لا زلتُ يا روحي على ذكراك باقي
قد يحار الناس في أمري ولكن كم ألاقي
فأنا أكتم حبا وحنينا للتلاقي
وعلى جسر انتظار الوعد قد زاد احتراقي
فتعالي واتركي الحساد أصحاب النفاق
لم نسمع ردا منها كما عودنا.. (البحر والحياة) عنونها لأبيات نقرؤها على شكل تساؤل:
البحر يا أماه أين مداه؟
إني غرقت. وفاتني شطاه
البحر يا أماه هاج بمركبي
ربانه في الموج ضاع حداه
عمري. وأحلامي وكل مشاعري
ستضيع يا أماه في ظلماه
أبدل مفردة (ظلماه) بمفردة (مجراه) أنها أنسب.. لا أعقل يا شاعرنا أن يقول لك بحرك لا تخف.. فالذين يبتلعهم الموج كأولئك الذين يبتلعهم بحر الحب المتمرد.. إنهم أسرى القاع الذين لا سماع لهم.. ولا استماع لضراعتهم وشكواهم..
أطباق شاعرنا (محمد فهد النفجان) شهية.. عيبها أنها متمائلة الطعم.. والرائحة.. واحدها يشبع ويمتع.. ولهذا فأشرك أطباقه (الموعد المنسي)، و(لحظة حب)، و(عادت ثانية)، و(على الشاطئ)، و(زمان الهوى)، و(شك) و(ألقاكِ) و(دنيا السمراوات) و(زائرة المساء)، و(لا شيء بعدك) و(غرور) لمن يشتاق الأطباق الدسمة ولا يشبع..
(رفقا بخلق الله).. أبيات قصيرة منها:
فرفقاً بخلق الله أن عيونهم
وأسماعهم صارت إليك تجيب
زوابعك الهوجاء طافت عليهمو
فطاف عليهم لافح ولهيب
أما هو فقد طلع من المولد بلا حمص على حد قول اخوتنا المصريين:
طلعت بأمر الشتاء وبرده
وبالصيف حر قاتل ومذيب
وأخيراً مع ختام عتبه:
لا تقولي نسيت عهدك فينا
أنا يا هذه أصون عهودي
أنا أهواك دون غيرك قطعا
إنما أنت فكرة في وجودي
عند ذكراك يخفق القلب شوقاً
ولم أك استبين حدودي
مذهبي مذهب غريب ولكن
هكذا الحب في ربيع الخلود
أنا لا ارتضي المحبة قيداً
أنا حر ولا أحب قيودي
شاعرنا تحدر من قيود أمسه.. عاد شعره إلى صوابه.. لم يعد يتسول الحب.. ولا يتوسل العاطفة.. أدرك أن الحب دون حرية منضبطة مجرد قيد يشد الوثاق نحو الوجع.. وهو لا يريد لقلبه الوجع.. والسؤال: هل هذا قرار لا رجعة فيه؟! ربما..
وبعد في وطننا مواهب شعرية مغمورة في زاوية الإهمال والإغفال. حظها أن لا حظ لها في الظهور والشهرة.. الحظ دائماً من نصيب الكبار.!
لقد وطنت نفسي كواجب أن اتلمس معطياتهم قدر ما استطع إحقاقا لشعرهم.. وانصافا لمشاعرهم.. إنها دعوة متواضعة لكل من أعطى شعراً مطبوعاً مركوناً في زاوية النسيان أن يزودني به.. وله الفضل مقرون بالشكر والعرفان والمحبة.


الرياض ص.ب 231185
الرمز 11321 فاكس 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved