قصة قصيرة عيون.. اعتادت أن تدمع! حسين أبو السباع
|
تمسكت به كشريان الروح.. وانعزلت بعيداً.. رغم معارضات كثيرة واجهتها حينما عرضت فكرة الزواج منه، هو متزوّج، وليس ميسور الحال، وليس به جمال يوسف، ولا إيمانه، بل يحيا ليومه، وبالكاد لغده، أزاحت عن كاهله كل العقبات التي تواجه هذه الظرفية الزواجية الغريبة في المجتمع العربي، الزواج للمرة الثانية، والنظرة الدونية التي تواجهها كل ثانية تحياها مع الزوج.. فهي (عِرْسة) تخطف الرجال لتتزوج منهم.. تجاهلت تلك الصور فهي أحبته من الوريد إلى الوريد.. انصهرت في بوتقة شخصيته لترى بوعيه العالم، هي تراه يعاني القهر من زوجته، أفرزت سلبياتها معه حالة من المعاناة الدائمة على ملامحه.. هو كاظم لغيظه كل ثانية كالقنبلة التي تتحين الانفجار، لكنها تنتظر من يقترب منها ليدفع الثمن.. اقتربت منه من دون وعي لحظة أن كان محتقناً من زوجته ويخامره شعور بالغبن تجاه المرأة عموماً، وزوجته بشكل شديد الخصوصية.. هو عدو غير معلن للمرأة.. يراها المخلوق الأناني الذي يتحرّك على قدمين، ويحمل صفات متناقضة ما بين الحب والكراهية في آن.. يراها انتهازية الفكر والملامح والمضمون.. كان يحب زوجته قبل الزواج، ويراها كملاك هابط من وراء الوجود، اقترب منها.. قرَّبته.. اصطدمت بلا وعيه تجاه المرأة.. فكرت في الرجوع.. كان قد طلقها.. وتزوجها.. وأصبحت أسيرة تلك النظرة الدونية.. فلم يزرها أحد، ولم تزر أحداً، هي معزولة اجتماعياً بفعل الزواج، حسبته فارس أحلامها الغضّة الذي التقته في وقت غير مناسب، ولا بد من تذليل العقبات.. لكنها ارتدت جلباب الأولى مع صراخ الطفل الأول.. اشتم الأمومة فيها.. هي نفسها اشتمها في زوجته الأولى.. واشتم كل روائحها وزينتها.. وقضم التفاحة قبل العطب.. في البداية استشعر حلاوة موهومة.. ثم استشعر الحلاوة نفسها في المرأة التي ذاق حلاوتها في الماضي..
انزوى كالجنين، وشعر بانقلاب رأسه إلى أسفل.. انشغلت الزوجة بالرضيع.. حاول الرجوع.. لم يجد المخرج.. عاد إلى التفكير في الماضي.. زوجته الأولى.. لكنها هي الأخرى تزوجت وسعيدة كما علم بعد أن اقتفى آثار أخبارها من المقرّبين..
فكر في الاستسلام اللا واعي.. خضع للفكرة.. الرضيع ذاته، والمعاناة هي الأخرى لم تتغيّر.. لا فرق.. رأت زوجته دموعاً متحجرة في عينيه.. وذكريات غير مقروءة جيداً، وإحساساً أرهقته الظروف، ولا يزال يواصل المسيرة لكنه من يومها.. اعتادت عيناه أن تدمع..!!
aboelseba@yahoo.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|