الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 28th November,2005 العدد : 131

الأثنين 26 ,شوال 1426

قصة قصيرة
ثلاثة في ثلاثة
سعاد فهد السعيد *
(قصة للترفيه .. لترفيه الخائبين في الدراسة والعاطلين عن العمل مثلي)
2 «ابدأ أنت» (كان يا مكان هنالك ثلاثة قرروا بناء........)
1 «ادخل في الموضوع مباشرة، لست بصدد حكاية قصة»
(ثلاثة قرروا بناء منازلهم من مواد غذائية؛ أحدهم اختار الجبن الرومي مادة للبناء. متماسك ويسهله تفصيله إلى غرف....)
1 «غرف!! الغرف غير مطلوبة»
(لو أرادوا، وهو لا يسيح في حرارة الشمس مثل الزبدة، ولا يتجمد في البرودة، سيرشّ حواليه مبيداً حشرياً حتى لا يشبو بالنمل أو بأية حشرة زاحفة كانت أم طائرة، وخاصة الفئران، والذي يبدو أنه استوحى فكرة بيت الجبن الرومي منها.
في ليلة من الليالي القمرية....)
1 «تقصد ليالي التمام»
3 «تمام، بيض لا يهم، وسأغير (في ليلة من ليالي المحاق - ولا تقل ليلة السرار - حيث صاحب بيت الجبن الرومي يغط في سابع نوم، يعلو شخيره... لا لم يكن ذا شخير لأن الكلب الذي هجم يأكل أطراف البيت سيهاب الإقدام لو أنه سمع شخيراً أو صفيراً. مادة البناء كانت من مشتقات حيوانية ولم يكن هذا في الحسبان.....)
2 «تافهة... حتى الكلب لو كان قطاً لكان أنسب... هات الثاني!! وانتبه!!! لا تذكر أنه بنى بيتاً من البسكويت والكاكاو والسكر لأننا رأينا ذلك صغاراً في الرسوم المتحركة حين بنت الساحرة الشمطاء بيتها من هذا؛ تغري به الأطفال لتصطادهم وتضعهم في الفرن......»
1 «دعه يبدأ!!»
(الثاني بنى بيته من الخبز الفرنسي، كان لا يشعل النار فيه، منع الطبخ، يحضر الأكل من المطاعم كي لا تحيله النار بيتاً محمصاً.....)
1 «وليكن بيتا محمصا»
3 «يفقد رونقه، والجمال مطلوب (في ليلة من الليالي... لا، في أحد النهارات لتكن التاسعة صباحاً.. مثلاً.. أو في أحد النهارات وهو في العمل، أظن المهنة غير مطلوبة، غامت السماء وأرعدت وأبرقت وبدأت قطرات المطر تسقط واحدة بعد الأخرى، ثم تزايدت وصارت سيلاً مدراراً أذاب الخبز. الثالث اتخذ مادة البناء من التفاح....)
2 «من المؤكد أنه من الأغنياء!!»
3 «لا يفسر الكلام على هوى ً، هي مواد غذائية لا غير، تقسيم ثلاثي إلى طبقات اجتماعية غير وارد؛ لذا سأستبدل به البرتقال، السابقان بنيا بيوتهما من قطعة واحدة، جبنة رومي واحدة بحجم البيت، وخبزة فرنسية واحدة بحجم البيت أيضاً (هذا استغرق وقتاً؛ يضع برتقالة على برتقالة حتى وصل إلى السقف الذي أصبح مكشوفاً، أمكنه وضْع البرتقال ِ طولياً، الوضع العرضي تعسر عليه، اهتدى إلى وضْع برتقال السقف بالشكل الهرميّ؛ طبقة أقلّ تتكئ على طبقة أكثر حتى وضع برتقالة واحدة رأساً للسقف، جعل الباب مفتوحاً؛ أية حركة سينهدم البرتقال على رأسه، بناه في منطقة غير مأهولة وبعيدة عن الطريق والمصانع وكل ما يثير اهتزازاتٍ، رشّ البيت بمادة حافظة للأغذية،لا يحتاج رشّ مبيدٍ حشري حواليه؛ فليس من مشتقات حيوانية، في نهاية الشهر السابع وبداية الثامن؛ حيث الشمس وهّاجة نشّافة لعروق البشر نشّفتْ ماء البرتقال بخّرته في خبر كان، غدا البيت قشوراً ناشفة متيبسة، يوم بعد يوم حبيبي... عفواً، يوم بعد يوم سهُل تفتيته، لكن لم يحدث هذا إلا حين هبّتْ ريح تسوق أمامها رمال المنطقة المعزولة المبني فيها البيت. الرابع..........)
1 «حسبك، انتهيتَ، هل تنوي فتح محل تموينات غذائية!!!!»
2 «سأبدأ أنا (الأول حرامي، الثاني شرطي، الثالث.........)
1 «يا حرامي، رأينا هذا في الفيلم المصري - مواطن ومخبر وحرامي -»
(الأول ملك الموت، الثاني الموت نفسه، الثالث كائن حي.......)
3 «أنت لم تفهم أصول اللعبة بعد - عمل واحد بطرق ووسائل مختلفة - في حالتك الملك سيأمر، والموت ينفذ، والكائن سيموت، أعمال مختلفة - أمر وتنفيذ وحدوث -»
(اتفق ثلاثة على قطع مسافة ما على سطح البحر، المبّرز ليس من يصل أولاً كما الحال في سباق الخيل؛ المبّرز من يصل بأمان إلى الشط دون ضرر يصيبه؛ اختار الأول جذع شجرة يطفو فوقه ويقطع به المسافة.
الثاني اتخذ مزلاجين لأنهما الأسرع والأسرع بكثير من ذلك الغبي الذي سيطفو به جذع شجرة، الثالث لا تعنيه السرعة فهي غير مشروطة هنا؛ لأمثاله الذين لا يتقنون الغوص تعنيهم السلامة والوصول بأمان؛ حشر نفسه في إطار عجل منفوخ. بينما الثاني أبو مزلاج يتمخطر ويتمايل، يذهب ويعود هازئا بالصرصار المتشبث بجذع الشجرة بأطرافه الأربعة، والجعران المتبالصة عيناه داخل الإطار المنفوخ؛ فجأة ارتفعتْ موجة كأنها تسلّمتْ لتقوم بعملها رشوة من شخص ما، تطاولت جداً وأقبلت فاتحة فاها الخالي من الأسنان تبغي ابتلاعهم - أعرف أنكما تقولان في نفوسكما الأفضل أنها دون أسنان لئلا تمزقهم مضغاً، لكن لا، الأفضل لو أنها بأسنان كي ينحشروا بين الأسنان خاصة أبو مزلاج الذي سيواجهها منفرج الرجلين - على كلّ حين أقبلت الموجة فاردة العضلات ظنّ أبو مزلاجين أنه سالم؛ سيدور دورة داخل دوامة الموجة كما يفعل محترفو رياضة ركوب الأمواج، لكن الموجة احتاطت لذلك ومرقتْ بين رجليه؛ ذهبتْ واحدة شرقا، والأخرى غربا.
ولم ُتفلتِ الموجة أبا الجذع لفتْه بلسانها كما يلفّ لسان سحلية ذباباً يتأمل فوق علبة تونة فارغة........)
3 «ليتك تترك التشبيهات العبيطة وتنهي دورك»
1 «لو كنت تشعر بقلقي لدنو دوري ما استعجلته، ولاستعذبتَ تشبيهاته السخيفة»
(أبو إطار منفوخ، لفّ ذراعيه بكل شحناته حول الإطار، فهل حياة لمن لا يجيد السباحة؟! تخيل نفسه لو طار الإطار وسط متاهة الموجة؛ فإنه سيتلاشى فيها كورقة حامت ثم حامت وسقطت داخل بالوعة مفتوحة.......)
3 «بالوعة، الألفاظ سعد»
(وفعلاً، هذا ما وقع؛ طار الإطار، ولم تفده طاقاته المبذولة، انقلب رأسا على عقب بعد توالي لجة الموجة المرة تلو الأخرى.).
(ثلاثة لم يستخرجوا جوازات سفر؛ عليهم أن يعبروا الخمسة َ أمتار المنطقة الحدودية لبلادهم - ولئلا تركبا الخيال فيشرق بكما ويغرب، وحتى تطمئنا للهدف - الهدف حضور أول حفل غنائي لمطربتهم المفضلة بعد إجراء ثاني عملية تجميل وهو هدف شرعي لا يزفهم إلى غوانتانامو، واسم المطربة لكما، كلّ لذوقه. لأن الأرض الفاصلة رمال ناعمة لا صخور فيها ولا كثبان اختار الأول حفر نفق تحت الأرض، يتفادى عيون حرس الحدود وآذانهم بعدم استخدام آلات حفر ضخمة صوتها رجّاج، واعتمد طريقة الحفر بملعقة، الثاني اعتمد القذف بالنبّالة؛ أحضر مطاطاً كبيراً ربط طرفيه بشجرتين متقابلتين وضع في وسط المطاط مرتبة كرسي، الثالث اعتمد التدحرج داخل كرة؛ يصنع كرة كبيرة ويدخل فيها ويدحرجها بيديه. أبو كرة تدحرج وسقط في خندق حفره حرس الحدود لمراقبة تجار المخدرات المتسللين، التمّ عليه الجيش وساقوه إلى البوكس لترحيله إلى المركز. أبو ملعقة قاس الأمتار الخمسة دون زيادة، ودون أن يحتاط ولو متراً واحداً زائداً عليها، أخرج رأسه وإذابه تحت قدمي جندي، سحبه من شعره ورحّله عبر البوكس إلى المركز. أبو نبّالة طلب من بعض سكان القرية بعد أن تربع على المرتبة سحبه إلى الخلف إلى أقصى امتداد المطاط، ثم رفعوا أيديهم عنه فانطلق يسبح في الفضاء وهوى في صندوق البوكس الذي تحرك به في اتجاه المركز، حيث حراس الحدود كانوا يرصدون عبوره في فضاء الخمسة أمتار.).
1 «أخيراً، انتهينا من الفكرة المملة»
3 «لنطبق هذا علينا!!»
1 «- ما كنش حتة برج يا عم بوش - ما كنش حتة لعبة نقضي وقتنا كله فيها»
2 «الليل طويل، لا بأس في تفريق مزيدٍ من الوقت»
3 «يبتكر كلّ منا طريقة يموت بها»
1 «إلا الألم!!»
3 «ومن قال إننا سنموت من بوابة الألم؟!»
2 «يا ناصحاً، كل الطرق المؤدية إلى الموت فيها ألم!!»
3 «نفكر؛ نصل!!»
1 «سأموت من الشرب، سأشرب لبناً كامل الدسم حتى الموت»
3 «سآكل حتى الموت، الشحم المطبوخ خير مساعد في هذه الورطة»
2 «سأجمع بين الشرب والأكل. اللبن والشحم حتى الموت»
3 «ليحضر أحدكما اللبن والشحم المطبوخ على وجه السرعة!!»
* * *
3 «سقط الثاني، أمات؟!»
1 «إنه يتنفس، فقد الوعي لا أكثر»
* * *
1 «الدور عليّ لأسقط أرضاً مثلهما»
* * *
تساقط الثلاثة، ماتوا، دخلوا في الغيبوبة من التخمة، لا أدري؟! رآهم شخص ما صباح الأربعاء في طريقه إلى العمل وحملهم إلى مشفي، لا أدري أيضاً!! عهدي بهم ثلاثة أطياف وهّجهم قليل ضوء من التلفاز وسط عتمة الرصيف، مرقتُ بمحاذاتهم عبر الطريق المعبد في العاشرة مساء إحدى الثلاثاوات قادمة من المطار - في واحدة من إجازاتي - إلى البيت..... جاء صوتها زاعقاً، وجاء ردّ لصوت شاتم، تداخل الصوتان، أنظرُ إلى الأعلى أراها تدلي برأسها إلى أسفل، وأنظرُ إلى الأسفل أراها ترفع رأسها إلى الأعلى. رأسي بين الرأسين ولساني في مخزنه بينما الآخران يخرجان طويلاً يتحركان هبوطاً وصعوداً؛ مياه غسيل مرأة الطابق الثالث تبلل غسيل مرأة الطابق الأول، - الحمد لله - ليس لي غسيل يرفرف في شرفة الطابق الثاني؛ غسيلي في النشّاف. قلت للعلوية: السطح قريب منك، حرري الشرفة من رايات ملابسك خاصة أنك عروس في شهر العسل وارحمي المسكينة من بللها. وقلت للسفلى: السطح بُعده شاقّ عليك، والنشّاف سعره يكلفك الكثير؛ حلال لك الشرفة شوّهي منظر العمارة بألوان ومقاسات ملابس أطفالك الثلاثة. اختفتْ رؤوسنا الثلاثة من فتحات الشرفات الثلاث، أشعلنا المصابيح المعلقة في أسقف الشرفات، دخلنا الصالات وأغلقنا وراءنا الأبواب؛ المساء قادم وجيوش البعوض - مستعدة - تقف في مدخل الحارة.


* قاصة سعودية
المنصورة - مصر

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved